منتدى درة الغواص

مرحبا بك عزيزنا الزائر فى منتدى درة الغواص
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى درة الغواص

مرحبا بك عزيزنا الزائر فى منتدى درة الغواص
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المنتدى

منتدى درة الغواص

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

للكتاب الإسلامي وعلوم اللغة العربية والشرعية


  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:35 pm

[فرع: خرق الظهارة]
قال في "الأم" [1/29] (وإن تخرقت ظهارة الخف وبقيت بطانته، جاز المسح عليه).
قال
أصحابنا: أراد: إذا كانت البطانة صفيقة يمكن متابعة المشي عليها، فأما إذا
كانت رقيقة بحيث لا يمكن متابعة المشي عليها، فإن المسح عليها لا يجوز.
وقال
في "الأم" [1/31] (وإن كان في الخف شرج ـ بفتح الراء وبعده جيم ـ العرى،
فوق الكعب، لم يمنع جواز المسح عليه، وإن كان الشرج تحت الكعب،
فإن كان
محلولا، لم يجز المسح على الخف، سواء بانت منه الرجل، أو لم تبن، لأنه إذا
مشى بانت منه الرجل، وإن كان مشدودًا، فإن كان في الشد خلل، بحيث إذا مشى
بان شيء من الرجل أو اللفافة، لم يجز المسح عليه، وإن لم يكن فيه خلل، جاز
المسح عليه).
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: المسح على الجورب]
قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لا يمسح على جوربين، إلا أن يكون الجوربان مجلدي القدمين إلى الكعبين، حتى يقوم مقام الخف).
قال أصحابنا: والجوارب على ضربين:
فـالأول: منه ما يمكن متابعة المشي عليه، بأن يكون ساترًا لمحل الفرض صفيقًا، ويكون له نعل، فيجوز المسح عليه.
قال
ابن الصباغ: فأما تجليد القدمين: فليس بشرط، إلا أن يكون الجورب رقيقًا..
فيقوم تجليده مقام صفاقته وقوته، وإنما ذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - التجليد لأن الغالب من الجوارب الرقة.
والثاني: إن كان الجورب
لا يمكن متابعة المشي عليه، مثل: أن لا يكون منعل الأسفل، أو كان منعلا،
لكنه من خرق رقيقة، بحيث إذا مشى فيه تخرق، لم يجز المسح عليه.
هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال أحمد: (يجوز المسح على الجورب الصفيق، وإن لم يكن له نعل). وروي ذلك عن عمر، وعلي، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد، وداود.
دليلنا: أنه لا يمكن متابعة المشي عليه، فلم يجز المسح عليه، كالرقيق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لبس الجرموق]
وإن
لبس الجرموق فوق الخف، قال صاحب " المذهب ": وهو خف كبير فوق خف صغير ـ
فإن كان الأسفل مخرقًا والأعلى صحيحًا، جاز المسح على الأعلى، لأن الأسفل
بمنزلة اللفافة تحت الخف.
وإن كان الأعلى مخرقًا، والأسفل صحيحًا.. لم يجز المسح على الأعلى؛ لأن الأعلى بمنزله اللفافة فوق الخف.
وإن كانا صحيحين بحيث إذا انفرد كل واحد منهما، جاز المسح عليه، فهل يجوز المسح على الأعلى؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم، و " الإملاء ": (يجوز المسح عليه)، وبه قال الثوري، وأبو
حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، والمزني، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الموق».
و (الموق): الجرموق، ولأنه خف يمكن متابعة المشي عليه، فجاز المسح عليه، كالمنفرد.
والثاني:
قال في الجديد: (لا يجوز المسح عليه) وبه قال مالك، وهو الصحيح، لأن حاجة
عامة الناس لا تدعو إلى لبسهما، وإنما تدعو إليها حاجة خواص الناس، في
مواضع مخصوصة، وهي: المواضع التي يكثر فيها المطر والوحل، والبرد الشديد،
فلم تتعلق به رخصة عامة، كما لو لبس جبيرة فوق جبيرة، فإنه لا يجوز المسح
على العليا.
وأما الخبر: فالمراد به الخف المنفرد، ولم ينقل أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبس الجرموق. فإذا قلنا: يجوز المسح
على الجرموق، فعن ماذا يكون بدلا؟
فيه ثلاثة أوجه، خرجها أبو العباس ابن سريج:
أحدها: يكون بدلا عن الخف، والخف يكون بدلا عن الرجل.
والثاني: يكون الجرموق بدلا من الخف، ويكون الخف بدلا من اللفافة.
والثالث: أن الجرموق بمنزلة طاقات الخف، وتأتي فوائد ذلك.
فإن لبس الجرموق في رجل واحدة، فهل يجوز المسح عليه؟
على القول القديم، فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\39].
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: المسح على الخف تحت الجرموق]
فإذا قلنا: لا يجوز المسح على الجرموق، فأدخل يده في ساقه، ومسح على الخف، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما
قال الشيخ أبو حامد: لا يصح، لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (نزع
الجرموقين، ومسح على الخفين)؛ ولأن الخف بدل ضعيف، فلم يجز مسحه مع
استتاره.
والثاني: قال القاضي أبو الطيب: يصح، واختاره ابن الصباغ، كما
لو أدخل يده تحت العمامة، ومسح على الرأس، ولأنه لو غسل رجله، وهي في الخف،
صح، فكذلك إذا مسح على الخف، وهو في الجرموق، وما ذكره الشافعي، فليس ذلك
على سبيل الشرط.
وإن قلنا: يجوز المسح على الجرموقين، فهل له أن يدخل يده في ساقه ويمسح على الخف؟ قال القاضي أبو الطيب: يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يجوز، لأنه إذا جاز المسح على الظاهر، لم يجز المسح على الباطن، كما لو أدخل يده في الخف ومسح على الجلد الذي يلي رجله.
والثاني:
يجوز المسح ـ وهو اختيار ابن الصباغ ـ لأن كل واحد منهما محل للمسح، فجاز
المسح على ما شاء منهما، كما لو مسح بشرة الرأس تحت الشعر.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الجبيرة تحت الخف]
وإن احتاج إلى وضع الجبيرة على رجليه فوضعها، ثم لبس فوقها الخف، فهل يجوز المسح عليه؟ فيه وجهان:
أظهرهما: أنه لا يجوز، لأنه ملبوس فوق ممسوح، فلم يجز المسح عليه، كالعمامة.
والثاني: يجوز. وبه قال أبو حنيفة، لأنه خف صحيح، يمكن متابعة المشي عليه، فجاز المسح عليه، كما لو لبسه على رجليه ولا جبيرة عليهما.
فإن لبس الخف في إحدى الرجلين، والأخرى مريضة لا يجب غسلها، لم يجز المسح على الخف في الرجل الصحيحة.
إن
قطعت إحدى الرجلين، جاز أن يلبس الخف في الرجل الباقية، ويمسح عليه إذا لم
يبق من محل الفرض المقطوع شيء، وإن بقى شيء من محل الفرض، لم يجز المسح
حتى يخففهما، لأن الرخصة إنما تتعلق بلبس الخفين في الرجلين مع وجودهما، لا
يلبسه في إحداهما.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: المسح على الخف المغصوب]
وإن لبس خفًا مغصوبًا، فهل يجوز المسح عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال ابن القاص: لا يجوز، لأن لبسه معصية، فلم يجز المسح عليه، كما لو لبس خفًا من جلد كلب.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجوز؛ لأنه خف طاهر يمكن متابعة المشي عليه، فهو كما لو كان ملكه.
وأما
المعصية: فلا تختص باللبس، فلم تمنع صحة العبادة، كالصلاة في الدار
المغصوبة، ويخالف الخف من جلد الكلب، لأن المعصية هنالك لمعنى في الخف، فهو
كالصلاة في ثوب نجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: الطهارة شرط لمسح الخف]
ولا يجوز المسح على الخف، إلا أن يلبسه على طهارة كاملة.
فإن
غسل إحدى الرجلين، وأدخلها في الخف، ثم غسل الرجل الأخرى، وأدخلها في
الخف، لم يجز المسح حتى ينزع الخف الذي لبسه قبل كمال الطهارة.
وهل يشترط نزع خف الرجل الأخرى فيه وجهان:
الصحيح: أنه لا يشترط، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وأبو ثور، وداود: (يجوز المسح).
دليلنا: ما روى أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص للمسافر ثلاثة أيام
ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهر، فلبس خفيه أن يمسح عليهما». وهذا يقتضي تقدم الطهارة على اللبس.
وروى المغيرة بن شعبة: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح
برأسه، فأهويت لأنزع خفية، فقال: دعهما، فإني لبستهما وهما طاهرتان»،
ومسح عليهما. فعلل بأنه لبس خفيه، ورجلاه طاهرتان، فعلم أن المسح يتعلق
بهذا التعليل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: يشترط لبس الجرموقين على طهارة]
وإن لبس الخفين على طهارة، ثم لبس الجرموقين عليهما من غير حدث بينهما، وقلنا: يجوز المسح عليهما، جاز المسح هاهنا عليهما.
وإن لبس الخفين على طهارة ثم أحدث، ثم لبس الجرموقين قبل المسح، لم يجز المسح عليهما قولا واحدًا؛ لأنه لبسهما على حدث.
وإن
لبس الخفين على طهارة، فأحدث، ومسح عليهما، ثم لبس الجرموقين، فهل يجوز
المسح عليهما هاهنا؟ فيه وجهان، بناء على القولين في المسح على الخف هل
يرفع الحدث؟
فإن قلنا: إنه يرفع الحدث، جاز المسح هاهنا. وإن قلنا: لا يرفع الحدث، لم يجز المسح هاهنا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: لبس المستحاضة ونحوها الخف]
إذا
دخل على المستحاضة وقت الصلاة المفروضة، فتوضأت، لبست الخفين، وصلت تلك
الفريضة، جاز لها أن تصلي بتلك الطهارة ما شاءت من النوافل. فإن أحدثت
بغائط أو بول أو نوم بعد أداء الفريضة، جاز لها أن تتوضأ، وتمسح على
الخفين، وتصلي به ما شاءت من النوافل. فإن دخل عليها وقت الفريضة الثانية،
فأرادت أن تتوضأ، وتمسح على الخفين، وتصلي به تلك الفريضة الثانية، لم يكن
لها ذلك.
والفرق بين النافلة والفريضة الثانية: أنها حين توضأت للفريضة
الأولى، استباحت بذلك الوضوء الفريضة الأولى، وما يتبعها من النوافل، فكانت
في حكم الطاهرات في حق الفريضة الأولى، وما يتبعها من النوافل، فلذلك:
استباحت النافلة بالمسح، ولا تستبيح أن تصلي بالطهارة الأولى الفريضة
الثانية، فكانت في حكمها محدثة، فكذلك لم تستبحها بطهارة المسح.
وأما
إذا توضأت للفريضة الأولى بعد دخول وقتها، ولبست الخفين، فقبل أن تصليها
طرأ عليها حدث غير حدث الاستحاضة، كالغائط والبول والنوم والمس واللمس،
فلها أن تتوضأ وتمسح على الخفين، وتصلي به تلك الفريضة، وما شاءت من
النوافل، ولا تصلي به فريضة أخرى.
وقال زفر: لها أن تصلي به يومًا وليلة.
دليلنا:
أن الطهارة التي لبست عليها الخفين لا تستبيح بها أكثر من فريضة واحدة،
فلم تستبح بالمسح عليها أكثر منها، وإنما استباحت تلك الفريضة؛ لأنها كانت
في حقها حين لبست الخف في حكم الطاهرات.
فإن انقطع دمها قبل أن تصلي تلك
الفريضة، أو بعد ما صلتها وقبل أن تصلي النوافل، بطلت طهارتها، ووجب عليها
نزع الخفين، واستئناف الطهارة؛ لأنها طهارة ضرورية، فإذا زالت الضرورة قبل
التلبس بالصلاة، بطلت. هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي
[في "الإبانة": ق\39] إذا توضأت للفريضة، ولبست الخفين قبل أن تصليها، طرأ
عليها حدث غير حدث الاستحاضة، فهل لها أن تمسح على الخف لهذه الفريضة؟ فيه
وجهان، بناء على أن طهارة المستحاضة: هل ترفع الحدث السابق؟
فإن قلنا: ترفعه، استباحتها بطهارة المسح. وإن قلنا: لا ترفعه، لم تستبحها بطهارة المسح.
وإن تيمم للفريضة لعدم الماء، ولبس الخفين، ثم وجد الماء قبل الصلاة، ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو العباس: يجوز له أن يتوضأ ويمسح على الخفين، ويصلي به فريضة، كما قلنا في المستحاضة.
والثاني
ـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا يجوز المسح على الخفين)؛ لأنه لبسهما من غير غسل
الرجلين؛ ولأن برؤيته للماء، بطل التيمم، فصار كالمستحاضة إذا انقطع دمها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: هيئة مسح الخف]
وإذا
أراد أن يمسح على الخف، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فأحب أن يغمس
يديه في الماء، ثم يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف
أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه). وبه قال ابن
عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، وابن المبارك.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وأحمد: (المستحب: أن يمسح أعلى الخف، دون أسفلة). وروي ذلك عن أنس، وجابر.
دليلنا:
ما روى المغيرة بن شعبة: قال: «وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخف وأسفله»؛ ولأنه خارج من الخف
يحاذي محل الفرض، فكان المسح عليه مسنونًا كأعلى الخف.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: ما يسن مسحه من الخف]
وهل يسن له أن يمسح على عقب الخف، وهو: الموضع الصقيل؟
ظاهر ما نقله المزني: أنه يسن له ذلك. وقال القاضي أبو حامد: نص الشافعي في " البويطي ": أنه يمسح على العقب.
ومن أصحابنا من قال فيه قولان:
أحدهما: لا يسن له أن يمسح عليه؛ لأنه موضع صقيل يضر به المسح.
والثاني: يمسح عليه، وهو الأصح؛ لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض؛ فهو كأعلاه.
ومنهم
من قال: يمسح عليه قولا واحدًا؛ لما ذكرناه. وما نقله المزني، يحتمل أن
يريد به: أن يضع باطن أصابع يده اليسرى تحت عقب الخف، فتكون راحته على
عقبه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: ما يكفي من المسح]
وكيفما أتى بالمسح على الخف، أجزأه، سواء كان بيده، أو ببعضها، أو بخشبة، أو بخرقة. وسواء مسح قليلا أو كثيرًا فإنه يجزئه.
وقال
أبو حنيفة: (لا يجزئه، إلا أن يمسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع)، فقدر
الممسوح وعين الممسوح به، حتى إن عنده: لو مسح قدر ثلاث أصابع بأصبع واحدة
لم يجزئه.
وقال زفر: إذا مسح قدر ثلاث أصابع بأصبع واحدة أجزأه، وقال أحمد: (لا يجزئه، إلا أن يسمح أكثر القدم).
دليلنا:
ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يمسح
المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يومًا وليلة»، ولم يفرق.
فإن أصاب الخف بلل المطر، أو نضح عليه الماء، قال الشيخ أبو نصر: فليس للشافعي فيه نص، والذي يجيء على مذهبه: أنه لا يجزئه عن المسح.
وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه ذلك عن المسح.
وقال إسحاق: إن نوى به المسح، أجزأه.
وقال أهل الرأي: إذا خاض الماء، وأصاب ظاهر الخف، أجزأه.
واحتج الشيخ أبو نصر: بأن ما فرضه المسح لم يجز فيه الغسل، كمسح الرأس.
وعندي: أنها على وجهين، كما ذكر أصحابنا فيمن غسل رأسه مكان المسح.
إذا ثبت ما ذكرناه: فإن اقتصر على مسح القليل من أعلى قدم الخف، أجزأه؛ لأنه يقع عليه اسم المسح.
وإن اقتصر على مسح القليل من أسفله، ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجزئه؛ لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض، فهو كأعلى الخف.
والثاني:
قال أبو العباس: لا يجزئه، وهو المنصوص؛ لأنه موضع لا يرى من الخف غالبًا،
فلم يجز الاقتصار عليه، كمسح باطن الخف الذي يلي الرجل.
وإن اقتصر على مسح القليل من عقب الخف فهل يجزئه؟
من أصحابنا من قال: إن قلنا: إنه محل لمسنون المسح، جاز الاقتصار عليه.
وإن قلنا: ليس بمحل لمسنون المسح فهل يجوز الاقتصار عليه؟ فيه وجهان.
وقال الشاشي: بل هو بالعكس، فإن قلنا: إنه ليس بمحل لمسنون المسح، لم يجز الاقتصار عليه وجهًا واحدًا، كساق الخف.
وإن قلنا: إنه محل لمسنون المسح، فهل يجوز الاقتصار عليه؟ فيه وجهان، كأسفله.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: انقضاء مدة المسح]
إذا انقضت مدة المسح وهو على طهارة المسح، أو خلع خفه في أثناء المدة وهو على طهارة المسح، لم يجز له أن يصلي بتلك الطهارة.
وقال الحسن البصري: لا يبطل المسح، ويجوز له أن يصلي إلى أن يحدث، فإذا أحدث، لم يمسح.
وقال داود: (يجب عليه نزع الخفين، إذا انقضت مدة المسح، ولا يصلي فيهما، فإذا نزعهما، صلى بطهارته إلى أن يحدث).
دليلنا: أنها طهارة انتهت إلى حال لا يجوز ابتداؤها فلم يجز استدامتها، كالتيمم إذا رأى الماء.
وما الذي يصنع في الطهارة؟
قال الشافعي في موضع: (يعيد الوضوء)، وقال في موضع: (يجزئه غسل رجليه).
واختلف أصحابنا: على أي أصل بناها الشافعي؟
فقال أبو إسحاق: بناها على القولين في تفريق الوضوء:
فإن قلنا: يجوز التفريق، كفاه غسل الرجلين.
وإن قلنا: لا يجوز التفريق، فعليه استئناف الوضوء.
ومنهم
من قال: بناها على هذا، لأنه ذكر في "الأم" [1/31]، وفي (كتاب ابن أبي
ليلى): (أنه يستأنف الوضوء). ومذهبه فيهما: أن تفريق الوضوء جائز، وإنما
بناها على أن مسح الخف هل يرفع الحدث عن الرجلين؟ وفيه قولان:
الأول: فإن قلنا: إنه لا يرفع الحدث كفاه غسل الرجلين.
والثاني:
إن قلنا: إنه يرفعه لزمه استئناف الطهارة، لأن نزع الخف ينقض الطهارة في
الرجلين، فإذا انتقضت الطهارة في بعض الأعضاء، انتقضت في جميعها.
ووجه قوله: (إنه لا يرفع الحدث): أنه مسح، فلم يرفع الحدث كالتيمم.
ووجه قوله: (إنه يرفع الحدث): أنه مسح بالماء، فرفع الحدث، كمسح الرأس.
ومنهم من قال: القولان أصل بأنفسهما، غير مبنيين على غيرهما، وهو اختيار ابن الصباغ:
أحدهما:
يلزمه استئناف الطهارة. وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، لأن الطهارة لما
بطلت في الرجلين، بطلت في جميع الأعضاء، لأنها لا تتبعض، كما لو أحدث.
والثاني:
يكفيه غسل الرجلين. وبه قال أبو حنيفة، والثوري، وأبو ثور، والمزني، لأن
مسح الخفين ناب عن غسل الرجلين خاصة، فظهورهما، يبطل به ما ناب عنهما دون
غيرهما، كما يبطل التيمم برؤية الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا يمسح قبل استقرار القدم في الخف]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "الأم" [1/28] (إذا أكمل
الوضوء، ثم أدخل إحدى الرجلين في الخف، ثم أدخل الرجل الأخرى في ساق الخف،
فقبل أن تستقر الرجل في قدم الخف أحدث، لم يكن له أن يمسح، لأنه لا يكون
متخففًا حتى تقر قدمه في قدم الخف).
وإن أخرج رجله من قدم الخف إلى ساق الخف، ولم يبن شيء من محل الفرض فنص الشافعي في "الأم" [1/31]، والقديم: (أن المسح لا يبطل).
وقال
القاضي أبو حامد: يبطل المسح. وهو اختيار القاضي أبو الطيب، وبه قال مالك،
وأبو حنيفة، وأحمد وإسحاق، لأن استقرار الرجل في الخف شرط في جواز المسح،
فإذا تغير بطل، كما لو أحدث قبل أن تستقر في الخف.
فإذا قلنا بالأول
فالفرق بين ابتداء اللبس وبين استدامته: أن في الابتداء يستبيح به المسح،
فلم يستبحه إلا بلبس تام، وليس كذلك في الاستدامة؛ فإنه مستبيح للمسح، فلا
يزول إلا بنزع تام.
فإن كان الخف طويلا خارجًا عن العادة، فأخرج رجليه إلى موضع لو كان عليه الخف المعتاد، لبان شيء من محل الفرض، بطل مسحه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم الجرموق في المدة]
وإن
مسح على الجرموقين، وقلنا: يجوز المسح عليهما، ثم نزعهما في أثناء المدة،
فإن قلنا: إن الجرموق بدل من الخف، والخف بدل من الرجل، فله أن يمسح على
الخفين. وهل يلزمه استئناف الطهارة؟ فيه قولان.
وإن قلنا: الجرموق بدل
من الخف، والخف بدل من اللفافة نزع الخف أيضًا، وهل يلزمه استئناف الطهارة،
أو يقتصر على غسل الرجلين؟ فيه قولان.
وإن قلنا: الجرموق بمنزلة طاقات الخف، لم يؤثر نزع الجرموق هاهنا.
وإن نزع الجرموق من إحدى الرجلين:
فإن قلنا: إن الجرموق بدل من الخف، والخف بدل عن الرجل، بنى على أحد الوجهين: هل له أن يمسح الجرموق في إحدى الرجلين؟
فإن قلنا: له ذلك، كان له هاهنا أن يمسح على الجرموق الآخر، وعلى الخف في الرجل الأخرى.
وإن قلنا: ليس له ذلك نزع الجرموق الآخر، ومسح على الخفين.
وهل يستأنف الطهارة، أو يقتصر على المسح؟ على قولين.
وإن
قلنا: الجرموق بدل من الخف، والخف بدل من اللفافة، نزع الخف من الرجل التي
بقي عليها، ونزع الجرموق والخف من الرجل الأخرى، وغسل الرجلين.
وهل يلزمه استئناف الطهارة؟ على قولين.
وإن قلنا: الجرموق بمنزلة طاقات الخف، لم يؤثر نزع هذه الجرموق. والله أعلم، وبالله التوفيق.




يتبــــــــــــــــــــع




.




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 89ag110




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:35 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[باب الأحداث التي تنقض الوضوء]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: الخارج من السبيلين]
وهي أربعة: الخارج من السبيلين، والغلبة على العقل بنوم أو جنون أو إغماء، ولمس النساء، ومس الفرج.
فأما الخارج من السبيلين: فضربان: معتاد ونادر.
فأما المعتاد فهو: الغائط، والبول، والريح، والصوت، والمذي، والودي، فجيمع ذلك ينقض الضوء.
والأصل
فيه: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}
[المائدة: 6]، ولم يفرق بين أن يخرج معتادًا أو غير معتادٍ، ولأنه خارج من
مخرج الحدث، فأشبه البول والغائط.
قال الصيمري: وأما دم البواسير: فإنه لا ينتقض الوضوء بخروجه، لأنه ليس من نفس الجوف، إلا أن يكون من باسور باطن، فينقض الوضوء.
قال في "الأم" [1/14] (إذا خرج ريح من فرج المرأة، أو ذكر الرجل فإنه ينقض الوضوء).
وقال أبو حنيفة: (لا ينقض الوضوء).
دليلنا:
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء إلا من صوت، أو
ريح»، ولم يفرق، ولأنه أحد السبيلين، فانتقض الوضوء بالريح الخارج منه
كالدبر.
وكذلك
إذا أدخل في فرجه مسبارًا ـ وهو الميل ـ أو قطنًا فخرج منه، أو صب فيه ماء
فخرج منه، انتقض الوضوء، لأنه خارج من مخرج الحدث، فهو كالغائط والبول.
قال الشاشي: وإن أطلعت دودة رأسها من أحد السبيلين، ثم رجعت فهل ينتقض الوضوء؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: انسداد المخرج المعتاد]
فإن انسد المخرج المعتاد، وانفتح له مخرج من بدنه، فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ ينظر فيه:
فإن
كان دون المعدة انتقض الوضوء بالخارج منه، لأن الله تعالى أجرى العادة:
أنه لا بد للإنسان من موضع يخرج منه الغائط والبول. فإذا اسند المعتاد
وانفتح له موضع آخر كان ذلك بمنزلة الأصلي.
وإن كان المنفتح فوق المعدة ففيه قولان:
أحدهما: ينتقض الوضوء بالخارج منه، للمعنى الذي ذكرناه، إذا كان دون المعدة.
والثاني: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه؛ لأن ما فوق المعدة يكون الخارج منه قيئًا، و (الغائط): ما أحالته المعدة ونزل عنها.
وإن لم ينسد المخرج الأصلي، وانفتح له موضع آخر فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ ينظر فيه:
فإن كان دون المعدة، فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟ من أصحابنا من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما:
لا ينتقض. وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
شرط انسداد الموضع الأصلي؛ ولأن الأصلي إذا كان مفتوحًا كان هذا بمعنى
الجائفة، فلم ينتقض الوضوء بالخارج منه.
والثاني: ينتقض الوضوء بالخارج منه؛ لأنه مخرج يخرج منه البول والغائط، فهو كالمعتاد.
وإن كان المنفتح فوق المعدة.. فهل ينتقض الوضوء بالخارج منه؟
قال الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا: يبنى على القولين، فيما لو انفتح له مخرج فوق المعدة مع انسداد المعتاد:
فإن قلنا هناك: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه فهاهنا أولى.
وإن قلنا هناك: ينتقض الوضوء بالخارج منه فهاهنا وجهان، كما لو انفتح له مخرج دون المعدة، مع انفتاح الأصلي.
وأما
صاحب "المهذب" فذكر: أنه إذا انفتح له مخرج فوق المعدة، مع انفتاح الأصلي
لم ينتقض الوضوء بالخارج منه، من غير تفصيل، ولعله بنى ذلك على الأصح.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الخنثى المشكل إذا بال من فرجيه]
وأما
الخنثى المشكل: إذا بال من فرجيه انتقض وضوؤه. وإن بال من أحدهما، ومن
عادته أن يبول منهما في بعض الحالات فقد قال الشيخ أبو علي السنجي: ينتقض
وضوؤه ببوله من أحدهما.
وقال القاضي أبو الفتوح: يبنى ذلك عندي على من انفتح له مخرج دون المعدة مع انفتاح الأصلي:
فإن قلنا في أحد القولين: إن وضوءه ينتقض بالخارج منه انتقض هاهنا.
وإن قلنا ثم: لا ينتقض فهاهنا مثله.
ولعل السنجي بناه على الأصح عنده.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: أحكام النوم]
وأما النوم: فعلى أربعة أضرب:
أحدها:
أن ينام زائلا عن مستوى الجلوس في غير الصلاة، بأن ينام مضطجعًا على جنبه،
أو مستلقيًا على قفاه ـ قال الشيخ أبو حامد: وهو نوم الأنبياء عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ أو مكبوبًا على وجهه ـ قال: وهو نوم الشياطين ـ
أو متكئًا على أحد جنبيه. أو مستندًا على حائط أو غيره، فينتقض وضوؤه في
هذه الحالات، سواء تحقق خروج شيء منه، أو لم يتحقق، وهو قول عامة العلماء.
وقال
أبو موسى الأشعري، وأبو مجلز، وحميد الأعرج، وعمرو بن دينار: (النوم لا
ينقض الوضوء، حتى يتحقق خروج الخارج منه). وبه قالت الشيعة الإمامية.
وقال مالك: (النوم اليسير في القعود لا ينقض، والكثير ينقض).
وقال
أبو حنيفة: (إذا نام على حالة من أحوال الصلاة في حال الاختيار: إما
قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا لم ينتقض وضوؤه وإن لم يكن في الصلاة. وإن
نام مضطجعًا انتقض وضوؤه؛ لأنه لا يصلي مضطجعًا في حال الاختيار). وبه قال
داود.
قال المسعودي [في "الإبانة": ق\24 ـ 25] وقد نقل البويطي مثل
مذهب أبي حنيفة عن الشافعي، فمن أصحابنا من جعل ذلك قولا آخر له، ومنهم من
قال: غلط البويطي في النقل.
دليلنا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
قال بعض أهل التفسير: أراد إذا قمتم من النوم، ولأن الآية وردت على سبب، وهو: «أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزاة، ففقدت عائشة رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا عقدها، فأقاموا يطلبونه، فناموا، فأصبحوا ولا ماء معهم،
فجاء إليها أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقال: حبست القوم ولا ماء
معهم؟! فنزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]».
والخطاب
إذا ورد على سبب فلا بد أن يكون السبب داخلا فيه، فكان النوم مضمرًا فيها.
ويدل على أن النوم ينقض: حديث صفوان بن عسال المرادي: أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أو نوم ".
وروى علي، ومعاوية: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ».
و (السه): حلقة الدبر.
قال الشاعر:
ادع فعيلا باسمها لا تنسه ** إن فعيلا هي صئبان السه.
وقال آخر:
شأتك قعين غثها وسمينها ** وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر.
والضرب الثاني: أن ينام قاعدًا متمكنًا من القعود، متربعًا كان أو غير متربع، فهل ينتقض وضوؤه؟ فيه قولان:
أحدهما
قال في " البويطي ": (ينتقض وضوؤه). وهو قول المزني، وإسحاق، وأبي عبيد،
لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث صفوان: " أو نوم "،
ولقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العينان وكاء السه، فمن نام
فليتوضأ». ولم يفرق؛ ولأن ما نقض الوضوء في غير حال القعود، نقضه في حال
القعود، كسائر الأحداث.
والثاني ـ وهو المشهور ـ: أنه لا ينتقض وضوؤه؛
لما روي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من نام قاعدًا
فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء». وهذا أخص من الخبرين الأولين،
فقضى به عليهما.
وروى أنس: قال: «كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون العشاء، فينامون قعودًا، حتى تخفق رؤوسهم، ثم
يصلون، ولا يتوضؤون». ومثل هذا لا يخفى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وإن
نام جالسًا، ثم زال عن حالته، نظرت، فإن زالت أليتاه، أو إحداهما، قبل
الانتباه بطلت طهارته. وإن انتبه بزوالهما لم تبطل طهارته. فإن تيقن النوم،
وشك هل نام قاعدًا، أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوؤه؛ لأن الأصل
بقاؤه على الطهارة.
الضرب الثالث: إذا نام في حال الصلاة: إما قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا فهل ينتقض وضوؤه؟ فيه قولان:
أحدهماروى
الزعفراني: أن الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال في القديم: (لا
ينتقض وضوؤه). وهو قول ابن المبارك؛ لما روي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: «إذا نام العبد في سجوده، باهى الله به ملائكته، يقول:
عبدي روحه عندي، وجسده ساجد بين يدي». فسماه: ساجدًا، فدل على أن وضوءه لم
ينتقض.
والثاني:
قال في الجديد: (ينتقض وضوؤه). وهو الصحيح؛ لما ذكرناه في حديث علي،
وصفوان بن عسال، ولأنه نام زائلا عن مستوى الجلوس، فهو كما لو نام في غير
الصلاة. وأما الخبر فالمقصود به: مدحه على الاجتهاد، ومكابرته النوم؛ لأن
النائم لا يمدح على فعله.
إذا ثبت هذا: قال الشافعي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: (فحد النوم الذي ينقض الوضوء: هو الذي يغلب على العقل، قليلا كان
أو كثيرًا. فأما ما لا يغلب على العقل، مثل: طرق النعاس، وحديث النفس فلا
ينقض الوضوء. فإن تيقن الرؤيا، وشك في النوم، انتقض وضوؤه؛ لأن الرؤيا لا
تكون إلا في نوم. وإن خطر بباله شيء، فلم يدر أكان ذلك في حديث نفس، أو
رؤيا؟ لم يلزمه الوضوء؛ لأن الأصل الطهارة، ولا يزول ذلك الأصل بالشك).
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: زوال العقل]
وأما زوال العقل بالجنون والإغماء فينقض الوضوء على أي حال كان؛ لأن حسه أبعد من حس النائم؛ لأن النائم إذا نبه انتبه.
قال
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/32 ـ 33]وقد قيل: (ما جن
إنسان إلا أنزل، فإن كان هكذا، اغتسل المجنون للإنزال، وإن شك فيه أحببت
له أن يغتسل احتياطًا).
قال الشيخ أبو حامد، وغيره من أصحابنا: إن كان
الغالب من المجنون الإنزال لزمه أن يغتسل بمجرد الجنون، كالنائم مضطجعًا.
وإن لم يكن الغالب من حاله الإنزال لم يجب عليه الاغتسال، إلا أن يتحقق
الإنزال، كما قلنا فيمن نام قاعدًا.
وأما من زال عقله بالسكر، فالبغداديون من أصحابنا قالوا: يجب عليه الوضوء؛ لما ذكرناه في المجنون والمغمى عليه.
وقال
المسعودي: [في "الإبانة": ق\24] لا يجب عليه الوضوء؛ لأنه كالصاحي في
ظاهر المذهب، إلا أن يغشى عليه، فحينئذٍ يجبُ عليه الوضوء. وقال: وعلى هذين
الوجهين: هل ينعزل وكيله؟
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: لمس الأنثى]
وأما
لمس النساء: فإذا وقعت الملامسة بين رجل وامرأة ـ يحل له الاستمتاع بها
بحال ـ بأي عضو كان من أبدانهما لا حائل بينهما، انتقض وضوء اللامس منهما،
سواء كان بشهوة أو بغير شهوة. وبه قال ابن مسعود، وابن عمر. والزهري، وربيعة، وزيد بن أسلم.
وقال
أبو حنيفة وأصحابه: (لا تنتقض الطهارة بذلك). وبه قال ابن عباس، وعطاء،
وطاووس، إلا أن أبا حنيفة، وأبا يوسف قالا: (إذا وطئها فيما دون الفرج
وانتشر، انتقضت الطهارة، وكذلك إذا وضع فرجه على فرجها، وإن لم يولج).
وقال مالك وإسحاق: (وإن لمسها بشهوة انتقض وضوؤه. وإن لمسها بغير شهوة لم ينتقض وضوؤه).
قال المسعودي في "الإبانة": ق\25وخرج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولا مثل هذا من لمس ذوات المحارم؛ لأنه لا شهوة فيه.
وقال داود: (إن قصد لمسها، انتقض الوضوء. وإن لم يقصد، لم ينتقض).
دليلنا:
قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]. وحقيقة
اللمس: باليد، ولهذا: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عن بيع الملامسة».
وقال الشاعر:
لمست بكفي كفه طلب الغنى ** ولم أدر أن الجود من كفه يعدي.
وإن لمسها من وراء حائل لم ينتقض الوضوء، سواء كان الحائل صفيقًا أو رقيقًا، بشهوة أم بغير شهوة.
وقال مالك: (إن لمسها بشهوة من وراء حائل رقيق انتقض وضوؤه، وإن كان صفيقًا لم ينتقض).
وقال ربيعة: إذا لمسها بشهوة انتقض وضوؤه وإن كان بينهما حائل، سواء كان صفيقًا أو رقيقًا.
دليلنا: أن اللمس من وراء حائل لا يقع عليه اسم اللمس، ولهذا: لو حلف لا يلمسها، فلمسها من وراء حائل لم يحنث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: بيان طهارة الملموس]
وإذا لمس أحدهما الآخر من غير حائل فهل ينتقض طهر الملموس؟ فيه قولان:
أحدهما: لا ينتقض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فخصهم بذلك.
«وروت
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: افتقدت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة في الفراش، فظننت أنه قد ذهب إلى بعض
نسائه، فقمت أطلبه، فوقعت يدي على أخمص قدمه، وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته
قال: أتاك شيطانك». فلو انتقض طهره لقطع الصلاة.
و (الأخمص): الموضع المنخفض في باطن القدم.
والثاني: ينتقض وضوؤه؛ لأن ما نقض بالتقاء البشرتين استوى فيه اللامس والملموس، كالجماع.
وأما الخبر: فيحتمل أنها لمسته من وراء حائل.
وإن لمس شعرها أو ظفرها أو سنها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا ينتقض الوضوء بذلك؛ لأنه لا يلتذ بمسه.
والخراسانيون قالوا: هو على وجهين:
أحدهما: هذا.
والثاني: ينتقض وضوؤه لأنه لمس جزءًا منها.
وإن لمس يدًا مقطوعة من امرأة، لم ينتقض وضوؤه عند البغداديين من أصحابنا؛ لأنها بالانفصال زال عنها اسم النساء.
وقال الخراسانيون: فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: ينتقض، كما لو كانت متصلة.
وإن لمس امرأة لا يحل له الاستمتاع بها، بنسب أو رضاع ففيه قولان:
أحدهما:
ينتقض وضوؤه. وهو اختيار المسعودي [في "الإبانة" ق\25]؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]. وهذه من النساء.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه. وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأنها ليست بمحل لشهوته، فهو كما لو لمس رجلا.
وإن لمس امرأة كانت حلالا له، ثم حرمت عليه على التأبيد، كأم زوجته، وربيبته، فقد اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه قولان، كذوات المحارم.
ومنهم من قال: ينتقض وضوؤه قولا واحدًا؛ لأنها كانت تحل له، فهي كأم من وطئها بشبهة.
وإن
لمس صغيرة لا تُشتهى، أو عجوزًا لا تُشتهى، فإن كانت أجنبية منه، قال
الشيخ أبو حامد: فإن أصحابنا يحكون فيها قولين. قال: ولا أعرف للشافعي نصًا
في هذا، ولكن أظنهم بنوا ذلك على القولين في ذوات المحارم. وأما الصغائر
والعجائز من المحارم، فمبني على القولين في الكبار منهن.
فإن قلنا: لا ينتقض وضوؤه بلمس الكبار منهن، فالصغار والعجائز منهن أولى.
وإن قلنا: ينتقض وضوؤه بلمس الكبار منهن فهل ينتقض بلمس الصغائر منهن والعجائز؟ على قولين، كالصغائر والعجائز الأجنبيات.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لمس الميتة]
وإن لمس امرأة ميتة، فقد اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: تنتقض طهارته بذلك؛ لأن اللمس إذا نقض الوضوء استوى فيه الحي والميت، كما لو مس فرج ميت.
ومنهم من قال: فيه قولان، كلمس الصغائر والعجائز الأجنبيات. وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الميتة لا تشتهى في العادة.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:35 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لمس الخنثى المشكل]
وإن لمس الخنثى المشكل رجلا أو امرأة، أو خنثى مثله لم ينتقض وضوء أحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى على صفة من لامسه.
فإن
لمس الخنثى رجلا وامرأة في حالة واحدة، أو في حالتين من غير أن يحدث
بينهما وضوء، انتقض وضوؤه، ولم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لأنا نتيقن أنه لمس
من ليس كمثله، ولم نتيقن في حق أحدهما أنه لمس من ليس كمثله.
والذي
يقتضي المذهب: أنه لا يجوز لهذه المرأة أن تأتم بهذا الرجل؛ لأن طهارة
أحدهما منتقضة بيقين، فهما كالمجتهدين في إناءين: أحدهما طاهر، والآخر نجس.
وإن لمس الخنثى رجلا وخنثى، أو امرأة وخنثى، لم ينتقض وضوء واحد منهم؛ لجواز أن يكون اللامس مثل الملموس.
وإن
لمس الخنثى رجلا، فصلى الظهر، ثم لمس امرأة، فصلى العصر، قال القاضي: وجب
عليه قضاء العصر دون الظهر؛ لأنا نتيقن أن طهره قد انتقض في العصر بيقين.
وإن لمس الخنثى رجلا، فصلى الظهر، ثم جدد الطهارة، ثم لمس امرأة، ثم صلى العصر فلا يلزمه إعادة الظهر. وأما العصر:
فإن قلنا: إن تجديد الوضوء يرفع الحدث لم يلزمه إعادتها.
وإن قلنا: لا يرفع الحدث لزمه إعادتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: مس الفرج]
وأما مس الفرج: فقد اختلف العلماء فيه:
فذهب
الشافعي إلى: (أن الرجل إذا مس ذكره ببطن كفه، أو مست المرأة فرجها ببطن
كفها، انتقض وضوؤهما بذلك). وهو قول عمر، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص،
وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وبه قال عطاء، وابن المسيب، وأبان بن
عثمان، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والزهري، ومجاهد. وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: (ينتقض وضوء الرجل، ولا ينتقض وضوء المرأة).
وذهبت طائفة إلى: (أنه لا ينتقض الوضوء بذلك). ذهب إليه علي، وابن مسعود،
وعمار بن ياسر، والحسن البصري، وربيعة، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال جابر بن زيد: إن تعمد مسه انتقض وضوؤه، وإن لم يتعمد مسه لم ينتقض وضوؤه.
دليلنا:
ما روت بسرة بنت صفون: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ». وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
-: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ويل
للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون، ولا يتوضؤون. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن
فرجها فلتتوضأ».
ورواه بضعة عشر نفسًا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعمل به أصحاب الحديث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: أي مس ينقض الطهارة]
وإن مس فرجه بظهر كفه، أو ساعده لم ينتقض وضوؤه.
وقال عطاء، والأوزاعي: ينتقض.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ».
و (الإفضاء) ـ عند أهل اللغة ـ: بباطن الكف، تقول العرب: أفضيت بيدي مبايعًا، وأفضيت بيدي ساجدًا.
وإن مسه بحرف يده، أو بما بين الأصابع، أو برؤوس الأصابع، ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المذهب ـ: أنه لا ينتقض لأنه ليس بآلة لمسه، فهو كما لو مس بظهر الكف.
والثاني: ينتقض؛ لأن خلقته كخلقة الباطن.
وإن كان له أصبع زائدة، أو كف زائدة في محل الفرض، فمس الفرج بباطنها، ففيه وجهان:
أحدهما: لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الخبر ورد في المس، وذلك ينصرف إلى اليد المعهودة، وهي الأصلية.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه ينتقض؛ لأن الزائدة تدخل في اسم اليد، ولهذا يجب غسلها في الوضوء مع الأصلية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: من له ذكران]
وإن
خلق له ذكران، فمس أحدهما قال المسعودي [في "الإبانة" ق\25 ـ 26] فإن
كانا عاملين انتقض وضوؤه؛ لأنه يقع عليه اسم الذكر. وإن كان أحدهما غير
عامل، فمس غير العامل لم ينتقض وضوؤه.
وإن مس ذكرًا مسدودًا لا يخرج منه مني، ففيه وجهان، حكاهما الصيمري:
أصحهما: أنه ينتقض وضوؤه؛ لأنه يقع عليه اسم الذكر.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه؛ لأنه لا يخرج منه مني، فهو كسائر الأعضاء. وهذا يبطل بذكر الصبي والعنين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: مس حلقة الدبر]
وإن مس حلقة دبره، أو دبر غيره انتقض وضوؤه.
وحكى ابن القاص: أن الشافعي قال في القديم: (لا ينتقض وضوؤه). وهو قول مالك، وداود؛ لأنه لا يقصد إلى مسه بشهوة.
قال أصحابنا: لم يوجد هذا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قديم ولا جديد.
والدليل على أنه ينقض: ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل مس فرجه، فليتوضأ».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (والدبر في معنى الفرج، فوجب أن يقاس عليه).
قال ابن الصباغ: وإن مس بذكره دبر غيره انتقض وضوؤه؛ لأنه آلة مسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: مس المخرج غير الأصلي]
وإن انفتح له مخرج غير الأصلي فهل ينتقض الوضوء بمسه؟
كل موضع قلنا: لا ينتقض الوضوء بالخارج منه، لم ينتقض الوضوء بمسه.
وكل موضع قلنا: ينتقض الوضوء بالخارج منه، فهل ينتقض الوضوء بمسه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا ينتقض الوضوء بمسه؛ لأنه لا يقع عليه اسم الفرج.
والثاني: ينتقض؛ لأنه مخرج ينتقض الوضوء بالخارج منه، فأشبه الأصلي.
وهكذا
الوجهان: في وجوب الغسل من الإيلاج فيه، وفي جواز استنجائه منه بالأحجار،
وفي وجوب ستره من الرجل إذا كان فوق السرة، وفي وجوب المهر بالإيلاج فيه،
وفي حصول الإحلال بالإيلاج فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: انتقاض الوضوء بمس الفرج]
وإن مس فرج غيره من كبير، أو صغير، أو حي، أو ميت، انتقض وضوء الماس.
وقال داود: (لا ينتقض وضوؤه بمس ذلك من غيره).
وقال الزهري، والأوزاعي، ومالك: (لا ينتقض الوضوء بمس ذلك من الصغير).
وقال إسحاق بن راهويه: لا ينتقض بمس ذلك من ميت.
دليلنا: ما روي في بعض ألفاظ حديث بسرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فعليه الوضوء»،
ولأنه مس فرج آدمي متصل به، فانتقض وضوؤه، كما لو مس ذلك بنفسه، ولأنه إذا
انتقض وضوؤه بمسه ذلك من نفسه، ولم يهتك به حرمة، فلأن ينتقض بمسه لذلك من
غيره، وقد هتك به حرمة ذلك الغير أولى.
وهل ينتقض وضوء الممسوس؟
من أصحابنا الخراسانيين من قال: فيه قولان، كالملموس.
وأكثرهم
قالوا: لا ينتقض وضوؤه قولا واحدًا. وهو الأصح؛ لأنه علق الطهارة على
المماسة، ولم تحصل هاهنا إلا من واحد، بخلاف الملامسة، فإنها تحصل بين
اثنين، وإن كانت من واحد.
وإن مس ذكرًا مقطوعًا ففيه وجهان:
أحدهما:
ينتقض وضوؤه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مس الذكر
فعليه الوضوء». ولأنه يقع عليه اسم الذكر، وإن كان مقطوعًا.
والثاني: لا ينتقض وضوؤه؛ لأن المقطوع لا يقصد مسه في العادة، فهو كما لو مسه بظهر كفه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: مس الخصيتين]
وإن مس أنثييه، وأليته، أو عانته لم ينتقض وضوؤه.
وحكي عن عروة بن الزبير: أنه قال: (ينتقض وضوؤه).
دليلنا:
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أفضى منكم بيده إلى
ذكره فليتوضأ». فخص الذكر بذلك، ولأنه مس من بدنه غير السبيلين، فلم ينتقض
وضوؤه، كما لو مس فخذه.
وإن مس فرج بهيمة لم ينتقض وضوؤه.
وحكى
ابن عبد الحكم عن الشافعي: أنه قال: (ينتقض وضوؤه). وهو قول الليث؛ لما
روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس الفرج الوضوء»
ووجه القول المشهور: أنه لما لم ينتقض الوضوء بمس الأنثى من البهائم، لم
ينتقض بمس فرج البهيمة، ولأن البهيمة لا حرمة لها، ولا تعبد عليها.
وأما الخبر: فلا يعرف هذا اللفظ فيه، وإن صح فإن إطلاق ذلك لا ينصرف إلى البهيمة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: مس الخنثى أحد فرجيه]
وأما الخنثى المشكل: إذا مس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه؛ لجواز أن يكون ذلك خلقة زائدة.
فإن مس أحدهما، وصلى الظهر، ثم مس الآخر، وصلى العصر، لزمه إعادة العصر دون صلاة الظهر؛ لأن بمسه الثاني انتقضت طهارته بيقين.
وإن مس أحدهما، وصلى الظهر، ثم توضأ، ومس الثاني، وصلى العصر ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\26]:
أحدهما:
يلزمه إعادة الصلاتين؛ لأنه قد صلى إحداهما بغير طهارة بيقين، فإذا أشكل
عينها لزمه إعادتهما، كما لو نسي صلاة من صلاتين لا يعرف عينها.
والثاني
ـ وهو المذهب ـ: أنه لا يلزمه قضاء واحدة منها؛ لأنهما حادثتان لم يتعين
الخطأ في واحدة منهما، فهما كرجلين قال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابًا
فنسائي طوالق، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فنسائي طوالق، فطار ولم يعرف
فإنه لا يطلق نساء واحد منهما.
وإن مس الخنثى ببطن كفه ذكر رجل، أو فرج
امرأة انتقض وضوء الخنثى، سواء كان الممسوس أجنبيًا منه، أو من ذوي محارمه؛
لأنه قد وجد منه المس لا اللمس. ولا ينتقض وضوء الممسوس؛ لجواز أن يكون
الخنثى مثل من مسه.
وإن وضع الخنثى ذكره على فرج امرأة، أو دبرها، لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: مس الخنثى]
وإن
مس رجل ذكر خنثى مشكل انتقض وضوء الرجل؛ لأنه إن كان الخنثى رجلا فقد وجد
المس، وإن كان امرأة فقد وجد اللمس. ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن يكون
رجلا.
وإن مس رجل فرج خنثى لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى رجلا، وهذه خلقة زائدة فيه.
وإن مست امرأة فرج خنثى انتقض وضوء المرأة؛ لأنه قد وجد: إما المس، وإما اللمس، ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن تكون امرأة.
وإن مست امرأة ذكر خنثى لم ينتقض وضوء واحد منهما؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة فيها.
وإن مس ماس فرجي الخنثى انتقض وضوء الماس؛ لأنه قد وجد مس الفرج الأصلي بيقين، ولا ينتقض وضوء الخنثى؛ لجواز أن يكون كمن مسه.
وإن
كان هناك خنثيان مشكلان، فمس أحدهما أحد فرجي الآخر لم ينتقض وضوء واحد
منهما؛ لجواز أن يكونا على صفة واحدة، والفرج الممسوس خلقة زائدة.
وإن
مس هذا ذكر هذا، ومس هذا فرج هذا، فإنا لا نوجب الطهارة على أحدهما؛ لأنهما
إن كانا رجلين، فقد انتقض وضوء ماس الذكر. وإن كانا امرأتين، انتقض وضوء
ماس الفرج. وإن كان أحدهما رجلا، والآخر امرأة انتقض وضوؤهما.
فإذا
احتمل هذه الاحتمالات فإنا نتيقن أن أحدهما قد انتقض طهره، ولكنا لا نعرفه
بعينه، فلم نوجب على أحدهما الطهارة، وهذا مراد صاحب "المهذب" [1/23]
بقوله: و (كذا) لو تيقنا أنه انتقض طهر أحدهما، ولم نعرفه بعينه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: السهو كالعمد في النقض]
وما
أوجب الطهارة فعمده وسهوه سواء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أوجب الطهارة من النوم، والنائم لا يحس بما يخرج منه، ولا يقصد
إليه.
«وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أنه قال: كنت رجلا مذاءً، وكنت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن
أسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكان ابنته مني، فسألت
المقداد أن يسأله، فسأله، فقال: ينضح فرجه بالماء، ويتوضأ». وقال: «كل
فحل مذاء»، فأوجب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوضوء من المذي،
وإن كان يخرج بغير اختياره.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: أمور لا تنقض الوضوء]
وأما دم الفصد، والحجامة، والرعاف، والقيح، والقيء، فلا ينقض الوضوء، سواء كان قليلا أو كثيرًا.
وروي
ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن عباس، وابن أبي أوفى،
وأبي هريرة، وعائشة، وجابر بن زيد، وبه قال سعيد بن المسيب، ومكحول،
وربيعة، ومالك.
وقال أبو حنيفة: (كل نجس خرج من البدن فإنه ينقض الوضوء
إذا سال. وإن وقف على رأس الجرح لم ينقض). وقال في القيء: (إن ملأ الفم نقض
الوضوء، وإن كان دونه لم ينقض). وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأحمد،
وإسحاق.
دليلنا: ما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وصلى، ولم يزد على غسل محاجمه».
وروى
أبو الدرداء، قال: «قاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فأفطر»، وقال ثوبان: «وأنا صببت له وضوءًا»، فقلت: يجب الوضوء من القيء؟
فقال: (لو كان واجبًا لوجدته في كتاب الله تعالى).
ولأنه
لو انتقض الوضوء بالكثير من ذلك لانتقض باليسير منه، كالغائط. ولما لم
ينتقض باليسير منه لم ينتقض بالكثير منه، كالبصاق والمخاط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا يجب الوضوء مما مست النار]
ولا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار، وهو قول الخلفاء الأربعة، وابن عباس، وأبي أمامة، وأبي الدرداء.
وذهب
الحسن البصري، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو مجلز، وأبو قلابة إلى:
(أنه يجب الوضوء من ذلك). وروي ذلك: عن ابن عمر، وأبي طلحة، وأنس، وأبي
موسى، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «توضؤوا مما مسته النار، أو مما غيرته النار».
دليلنا:
ما روي عن جابر: أنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الوضوء مما مسته النار»، وهذا يدل على أن
الأول منسوخ بهذا.
ولا ينتقض الوضوء بأكل لحم الجزور.
وقال أحمد بن
حنبل: (ينتقض الوضوء بذلك). وحكى ابن القاص في " التلخيص ": أن هذا قول
الشافعي في القديم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سُئل: أنتوضأ من لحم الغنم؟ فقال: لا، فقيل له: أنتوضأ من لحم
الإبل، فقال: نعم».
والأول هو المشهور: لما روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الوضوء مما يخرج، لا مما يدخل».
وما
رووه محمول على غسل اليد؛ لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى ذلك غسل
اليد، لما روي عن بعض الصحابة: أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بالوضوء قبل الطعام وبعده»، وإنما فرق بين
لحوم الإبل والغنم؛ لأن لحوم الغنم في الحجاز لا زهومة لها، بخلاف لحوم
الإبل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء]
ولا ينتقض الوضوء بقهقهة المصلي، وبه قال جابر، وأبو موسى، وعطاء، وعروة، والزهري، ومكحول، ومالك.
وقال
الشعبي، والنخعي، والثوري وأبو حنيفة: (ينتقض الوضوء به، ويبطل الصلاة)؛
لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قهقه في صلاته فليعد الوضوء والصلاة».
وروي: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بقوم من أصحابه، فأتى
ضرير فتردى في بئر، فقهقه بعض من كان خلفه، فلما فرغ أمره بإعادة الوضوء
والصلاة».
ودليلنا:
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المقهقه في الصلاة يعيد
الصلاة، ولا يعيد الوضوء». وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: أنه قال: «الضاحك في الصلاة كالمتكلم».
ولأن كل ما لا ينقض الوضوء خارج الصلاة، لم ينقضه داخل الصلاة، كالكلام.
وأما
خبرهم الأول: فنحمله على أنه يعيد الصلاة وجوبًا، والوضوء استحبابًا،
بدليل ما رويناه. وخبرهم الثاني: مرسل على أنه لا يظن ذلك بالصحابة؛ لأنهم
كانوا خيار الأمة، ووصفهم الله بالرحمة والرأفة، فكيف يضحكون من رجل وقع في
بئر؟.
وإن صح حملناه على الاستحباب، بدليل ما ذكرناه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا وضوء من فحش الكلام]
قال في "الأم" [1/18] (ولا وضوء من الكلام، وإن عظم، ولا في إيذاء أحدٍ، ولا في قذف).
قال
ابن الصباغ: وهذا إجماع، غير أنه قد روي عن ابن مسعود: أنه قال: (لأن
أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من الطعام الطيب).
وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: (يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء؟!).
وقال ابن عباس: (الحدث حدثان: حدث الفرج، وحدث اللسان، وأشدهما: حدث اللسان).
فقال
ابن الصباغ: الأشبه بذلك: أنهم أرادوا غسل الفم. وظاهر كلام الشيخ أبي
إسحاق في "المهذب"، والشيخ أبي نصر: أنهم أرادوا به الوضوء الكامل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: لا يؤثر الشك في الحدث]
ومن تيقن بحدث، وشك في الطهارة بنى على تيقن الحدث، بلا خلاف؛ لأن الحدث يقين، فلا يرتفع بالشك.
وإن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة عندنا، سواء كان في الصلاة أو خارجًا منها.
وقال مالك: (يبني على الحدث، سواء كان في الصلاة، أو خارجًا منها).
وقال الحسن: إن كان في الصلاة بنى على يقين الطهارة، وإن كان في غير الصلاة بنى على يقين الحدث، وتوضأ.
دليلنا: ما روي: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سُئل عن الرجل يخيل إليه
الشيء
في الصلاة؟ فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا» وروي أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو
في الصلاة، فينفخ بين أليتيه، فيقول: أحدثت أحدثت، فلا ينصرف حتى يسمع
صوتًا، أو يجد ريحًا».
وإن تيقن الطهارة والحدث، وشك في السابق منهما، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب عليه الوضوء؛ لأنه قد تيقنهما، وليس لأحدهما مزية على الآخر، فلم يجز له دخول الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
والثاني:
ذكره ابن القاص، وهو المشهور: أنه ينظر إلى الحال التي يتيقنها من نفسه
قبلهما: فإن كانت حالة حدث فهو الآن متطهر، لأنه قد تيقن أن الطهارة وردت
على الحدث السابق فأزالته، وهو يشك في ارتفاع هذه الطهارة بحدث، والأصل:
بقاؤها.
وإن كانت حالته قبلهما حالة طهر فهو الآن محدث؛ لأنه قد تيقن أن
الحدث ورد على الطهارة فأزالها، ثم صار يشك: هل ارتفع هذا الحدث بطهارة
بعده؟ والأصل: أنه لم يرتفع.
والوجه الثالث: حكاه الطبري في "العدة":
أنه ينظر إلى الحالة التي تيقنها من نفسه قبلهما فيبني الأمر عليها؛ لأنه
يتعارض اليقينان بعده بالطهارة والحدث فيسقطان، ويبقى على الحالة الأولى،
وهذا أضعف الوجوه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: طهارة المرتد]
وإن توضأ أو تيمم، ثم ارتد ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يبطلان؛ لأن ذلك أعظم من الحدث.
والثاني: لا يبطلان؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6].
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث صفوان: «إلا من غائط، أو بول، أو نوم» فاقتضى أن جميع ذلك نواقض الوضوء.
والثالث:
يبطل التيمم، ولا يبطل الوضوء؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث، فضعف أمره، فبطل
بالردة، والوضوء يرفع الحدث فقوي أمره، فلم يبطل بالردة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: لا صلاة ونحوها إلا بطهارة]
لا يجوز للمحدث فعل الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول».
ولا يصح له الطواف، خلافًا لأبي حنيفة، ويأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة».
ولا يجوز للمحدث مس المصحف، ولا مس حواشيه، ولا مس جلده المتصل به.
ولا يجوز له حمله بعلاقة، ولا بغير علاقة.
وقال داود: (يجوز له مسه).
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة الخراسانيين: يجوز له مس حواشيه التي لا كتاب فيها، ويجوز له مس جلده.
وقال أحمد: (يجوز له حمله بعلاقة، أو بغير علاقة).
وقال أبو حنيفة: (يجوز له حمله بعلاقة، ولا يجوز له حمله بغير علاقة). وبه قال حماد، وعطاء، والحسن.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79].
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في كتاب عمرو بن حزم: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر».
وأما الدليل على أنه لا يجوز مس حواشيه، ودفتيه؛ فلأنه جزء من المصحف فلم يجز للمحدث مسه، كموضع الكتابة.
وأما الدليل على من أجاز حمله؛ فلأن الحمل أعظم في الهتك من المس، فإذا منع المحدث من مسه، فلأن يمنع من حمله أولى.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم ما زين بآيات القرآن]
ويجوز للمحدث: أن يمس ثوبا أو بساطا نقش عليه القرآن؛ لأن القصد منه التزين، دون القرآن.
وفيه وجه آخر: أنه لا يجوز. وليس بشيءٍ.
وهل يجوز للمحدث: أن يقلب أوراق المصحف بين يديه بخشبة من غير أن يحمله، أو يكتب القرآن علي شيء غير حامل له؟ فيه وجهان:
أحدهما:
لا يجوز. وهو اختيار المسعودي في ["الإبانة" ق\20]؛ لأن ما بيده منسوب
إليه، فلم يجز له مس القرآن به، كما لا يجوز له مسه بيده.
والثاني: يجوز. وهو قول البغداديين من أصحابنا؛ لأنه غير ماس له، ولا حامل.
وهل يجوز للصبيان حمل الألواح التي فيها القرآن وهم محدثون؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز. كما لا يجوز ذلك لغيرهم.
فعلى هذا: على الولي والمعلم أن يأمرهم بالطهارة لذلك، فإن لم يفعل ـ أثم بذلك هو دون الصبي.
والثاني: يجوز؛ لأن حاجتهم إلي ذلك كثيرة، وطهارتهم لا تنحفظ، فلو اشترطنا طهارتهم، لأدى ذلك إلى تنفيرهم.
وإن حمل متاعًا وفي جملته مصحف، فهل يجوز؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\20]:
أحدهما: لا يجوز. لأنه يحمل القرآن.
والثاني:
يجوز. وهو قول أصحابنا البغداديين؛ لأن المقصود منه حمل المتاع، فعفي عما
فيه من القرآن؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كتب إلى المشركين {قُلْ يَا أَهْلَ
الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا
نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا} [آل عمران: 64].
وإن حمل كتابا من كتب الفقه، وفيه شيء من القرآن، أو حمل دنانير أو دراهم عليها نقش القرآن، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنه يحمل القرآن.
والثاني: يجوز؛ لأن المقصود بها غير القرآن، ولأن ذلك يشق.
وهل يجوز للمحدث حمل تفسير القرآن؟
قال الشاشي: اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: إن كان القرآن أكثر، لم يجز. وإن كان التفسير أكثر، ففيه وجهان، ككتب الفقه التي فيها آيات من القرآن.
ومنهم
من قال: إن كان القرآن متميزًا عن التفسير، بأن كتب القرآن صدرا في خط
غليظ، وتفسيره تحته بخط أدق منه، لم يجز حمله. وإن لم يتميز عنه في الخط،
كره له حمله.
قال الشاشي: وهذا لا معنى له؛ لأنه إذا لم يترك شيئا من القرآن، فهو مصحف أودع فيه، فلم يجز للمحدث حمله.
وإن كان في موضع من بدنه نجاسة، فمس المصحف بغيره من بدنه وهو متطهر، فهل يجوز؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو القاسم الصيمري: لا يجوز، كما لا يجوز للمحدث مس المصحف بظهره.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجوز. وهو الصحيح؛ لأن النجاسة لا تتعدى محلها، بخلاف الحدث. وبالله التوفيق.





يتبــــــــــــــــــــع





.





كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 89ag110





كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:36 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[باب الاستطابة]
إذا
أراد قضاء الحاجة، ومعه شيء عليه اسم الله تعالى، أو شيء من القرآن،
فالمستحب له: أن ينحيه عنه؛ لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل الخلاء، وضع خاتمه». وإنما وضعه؛ لأنه
كان مكتوبا عليه: محمد رسول الله. ثلاثة أسطر.
وهل يختص ذلك بالبنيان، أو يشترك فيه البنيان والصحراء؟ اختلف أصحابنا فيه: فقال الشيخ أبو حامد: يختص ذلك بالبنيان.
وقال المحاملي، وصاحب " المذهب ": يشترك فيه البنيان والصحراء.
وقال
الشيخ أبو حامد: ومما يختص به البنيان دون الصحراء، إذا أراد دخول الخلاء:
أن يقول عند دخوله: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، لما
روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ستر ما بين عورات أمتي، وأعين الجن: بسم الله».
وروي: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول إذا أراد دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث، الرجس النجس الشيطان الرجيم».
قال أبو عبيد: (الخبث): الشر، و (الخبائث): الشياطين، وأما (الخبيث): فهو الخبيث بنفسه، و (المخبث): هو المخبث لغيره.
ويستحب
إذا خرج أن يقول: «الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك لي ما
ينفعني». لما روي: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان
يقول ذلك). ويستحب أن يقول مع ذلك: «غفرانك، غفرانك». لما روت عائشة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان يقول ذلك.
ويستحب أن يقدم في الدخول رجله اليسرى، وفي الخروج رجله اليمنى؛ لأن الدخول أدنى فقدمت فيه اليسار، والخروج أعلى فقدمت فيه اليمنى.
ويستحب
لمن أراد قضاء الحاجة في الصحراء أن يبعد في المذهب؛ لما روى المغيرة بن
شعبة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا ذهب إلى
الغائط، أبعد، بحيث لا يراه أحد».
ويستحب
أن يستتر عن العيون بشيء؛ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتي الغائط فليستتر».
«وروى
جابر قال: خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
سفر، فرأى شجرتين بينهما نحو أربعة أزرع، فقال: يا جابر، اذهب إلى تلك
الشجرة، فقل لها: قال لك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الحقي بصاحبتك؛ فإنه يريد أن يجلس وراءكما، فقلت لها ذلك، فلحقت بصاحبتها،
فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وراءهما، فلما قضى
حاجته وقام، عادت إلى مكانها».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: حكم استقبال القبلة حال قضاء الحاجة]
وأما استقبال القبلة بالغائط والبول، فاختلف العلماء في جواز ذلك.
فذهب
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: (أنه يجوز ذلك في البنيان،
ولا يجوز ذلك في الصحراء، فإن فعل ذلك ذاكرا عالما بتحريمه أثم). وروي ذلك
عن العباس بن عبد المطلب، وابن عمر، وبه قال مالك وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة إلى: (أن ذلك لا يجوز في البنيان، ولا في الصحراء). وبه قال أبو أيوب الأنصاري، والنخعي.
وذهب عروة بن الزبير، وربيعة، وداود إلى: (أنه يجوز ذلك في البنيان والصحراء).
دليلنا:
ما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فلا يستقبل القبلة
لغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار».
ونهى عن الروث والرمة، وهذا دليل على منع ذلك في الصحراء.
وأما الدليل على جواز ذلك في البنيان: فما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ذكر
لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن قوما يكرهون
استقبال القبلة بفروجهم، فقال: أوقد فعلوا ذلك؟ استقبلوا بمقعدتي إلى
القبلة». وكان ذلك في البنيان.
وروى ابن عمر، قال: «اطلعت
على إجار ببيت حفصة، فرأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يقضي حاجته قاعدا على لبنتين، مستقبل الشام، مستدبرا القبلة». فإن قيل:
كيف جاز لابن عمر أن ينظر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
على تلك الحال؟.
قلنا: يحتمل أنه لم يقصد النظر، ولكن فاجأته النظرة، ويحتمل أنه رأى ظهره وأعالي بدنه.
وإذا
ثبت هذا: فروى معقل بن أبي معقل الأسدي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن استقبال القبلتين». فتأول أصحابنا ذلك
بتأويلين:
أحدهما:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينهى عن استقبال بيت
المقدس، حين كان قبلة، ثم نهى عن استقبال الكعبة، حين صارت قبلة، فجمع
الراوي بينهما.
والثاني أن هذا ورد على أهل المدينة، ومن كان في سمتهم
من البلدان؛ لأن من هناك إذا استقبل الكعبة، استدبر بيت المقدس، وإذا
استدبر الكعبة، استقبل بيت المقدس. وسمي بيت المقدس قبلة؛ لأنه كان قبلة
على عادة العرب في استصحاب الاسم بعد زواله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم استقبال القبلة في الأبنية]
البنيان الذي يجوز فيه استقبال القبلة واستدبارها.
قال
المسعودي [في "الإبانة" ق\21] يجب ألا يكون البناء أقل من مؤخرة الرحل،
ويشترط أن يكون بقرب البناء، فإن كان بينه وبين البناء أكثر مما بين
الصفين، كان كالصحراء.
ولا يشترط البناء والتسقيف، بل لو كان بينه وبين القبلة دابة، أو أرسل ثوبه من خلفه، كان كالبناء؛ لأن ذلك يستره عن القبلة.
فإن كان في وهدة من الأرض، وبينه وبين القبلة شيء يستره من الأرض، أو كان بينهما شجرة، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يكون ذلك كالبنيان، لأنه يقع عليه اسم الصحراء.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه يكون كالبنيان؛ لأن ذلك يستره عن القبلة، فهو كالبنيان.
ولا
يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرفع ثوبه، حين رآه من فوق سطح بيت حفصة
حتى دنا من الأرض».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تهيئة مكان البول وما يكره فيه من أمور]
وإذا
أراد أن يبول، ارتاد لبوله موضعا لينا؛ لا يترشش عليه البول: إما رملا، أو
ترابا لينا، فإن كان الموضع صلبا، دقه بحجر؛ لما «روى
أبو موسى الأشعري، قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثا في أصل جدار، فبال فيه، ثم قال: إذا
أراد أحدكم أن يبول، فليرتد لبوله، ولا يستقبل الريح؛ فإنها ترده عليه». و
(الدمث): الموضع اللين. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يتمخر الريح إذا أراد أن يبول».
ويستحب أن يجلس إذا أراد أن يبول، ويكره أن يبول قائما من غير عذر؛ لما روي عن عمر: أنه قال: (ما بلت قائما منذ أسلمت).
وقال ابن مسعود: (من الجفاء أن تبول وأنت قائم). ولأنه لا يأمن أن يترشش عليه.
وروي
عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنها قالت:
«كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يبول تفاج؛
حتى إنا لنأوي له».
فإن كان له عذر عن الجلوس، لم يكره له البول قائما؛
لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال قائما لعلة
بمأبضه» و (المأبض): ما تحت الركبة من كل حيوان.
ويكره أن يبول في جحر
من الأرض؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى
عن البول في الجحر، قيل لقتادة: فما بال الجحر؟ فقال: يقال: إنها مساكن
الجن».
وقيل: إن سعد بن عبادة خرج إلى الشام، فسمع أهله هاتفا يهتف في داره ويقول:
نحن قتلنا سيد الخز ** رج سعد بن عباده.
قد رميناه بسهمي ** ن فلم نخط فؤاده.
ففزع أهله من ذلك، وتعارفوا خبره، فكان قد مات في تلك الليلة.
وقيل: إنه قد كان جلس يبول في جحر، فاستلقى ميتا.
ولأنه لا يؤمن أن يخرج من الجحر بالبول شيء يلسعه، أو يرد عليه بوله.
ويكره
أن يبول في الماء الراكد؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى عن البول في الماء الراكد»؛ لأنه ربما أفسده.
ويكره أن يبول في الظل، والطريق، والموارد؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل المقصود».
قال أبو عبيد: فسميت ملاعن؛ لأن من رأى ذلك، قال: من فعل هذا، لعنه الله؟!
ويكره أن يبول في مساقط الثمار؛ لأنه يقع عليه فينجس.
ويكره
أن يبول في موضع ويتوضأ فيه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة
الوسواس منه».
ولا بأس أن يبول في الإناء؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدح يبول فيه بالليل يوضع تحت سريره».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: كراهة استقبال النيرين]
قال الصيمري: ويكره له استقبال الشمس والقمر، واستدبارهما بفرجه، ولا يحرم.
ويستحب لمن كان في قضاء حاجته أن يقنع رأسه، ولا ينظر إلى فرجه، ولا إلى ما يخرج منه، ولا يرفع بصره إلى السماء، ولا يعبث بيده.
ويكره
أن يتكلم على الخلاء؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما
يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك».
ويكره له أن يرد السلام؛ لما روي: «أن
المهاجر بن قنفذ سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو
يبول، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم رد عليه، وقال: كرهت أن أذكر الله تعالى
إلا على طهر».
ويكره
أن يحمد الله تعالى إذا عطس، أو يجيب المؤذن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر».
ويستحب
أن يتكئ على رجله اليسرى، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد أحدكم لحاجته، فليعتمد على رجله اليسرى». ولأنه
أسهل في قضاء الحاجة.
ويستحب
له ألا يطيل الجلوس على قضاء الحاجة؛ لما روي عن لقمان أنه قال: (إن طول
القعود على الحاجة، تتجع منه الكبد، ويأخذ منه الباسور، فاقعد هوينا
واخرج).
وإذا
بال، تنحنح ومسح ذكره من مجامع عروقه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم، فلينتر ذكره ثلاث مرات».
ولأنه يخرج إن كان هناك بقية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: حكم الاستنجاء]
الاستنجاء واجب من الغائط، فإن صلى قبل أن يستنجي لم تصح صلاته، وبه قال مالك في إحدى الروايتين، وأحمد، وإسحاق، وداود.
وقال
أبو حنيفة: (لا يجب، بل هو مستحب). وهي الرواية الثانية عن مالك، وحكي ذلك
عن المزني. وقدر أبو حنيفة النجاسة التي تصيب البدن والثوب بموضع
الاستنجاء، وقال: (لا يجب إزالتها). وقدرها أيضًا بالدرهم الأسود البغلي.
وإنما يعتبر هذا القدر في المساحة دون السمك، فلو علت أيضًا شبرًا أو أكثر، ولم تزد مساحتها على قدر الدرهم لم يجب إزالتها.
دليلنا:
ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وليستنج بثلاثة أحجار». وهذا أمر، والأمر
يقتضي الوجوب، ولأنها نجاسة لا تلحق المشقة في إزالتها غالبًا، فلم تصح
الصلاة معها، كما لو زادت على قدر الدرهم.
ويجب الاستنجاء من البول، كما يجب من الغائط.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب الاستنجاء منه).
دليلنا: ما روى ابن عباس رضى الله عنهما: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بقبرين، فقال: إنهما
يعذبان، وما يعذبان بكبير، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر:
فكان لا يستنزه من البول». وروي «لا يستبرئ من البول».
وروي
أن عبد الله بن عمر خرج في سفر، قال: فدفع بي الطريق إلى مقبرة، فأويت إلى
امرأة، فلما جنني الليل سمعت صوتًا من المقبرة وهو يقول: شن وما شن، بول
وما بول، فجزعت من ذلك، فقلت للمرأة: ما هذا؟ فقالت: ولدي، قدم علينا رجل
في يوم صائف شديد الحر، فاستسقى ماء، فقال ولدي: قم إلى الشن، فاشرب منه،
ولم يكن في الشن شيء، فقام ليشرب، فلم ير فيه شيئًا، فوقع فمات، وكان لا
يستبرئ من البول، وكنت أنهاه عن ذلك، فلا ينتهي، فلما مات دفنته في هذه
المقبرة، فكلما جن الليل يصيح: شن وما شن، بول وما بول. فحدث ابن عمر النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فـ: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسافر الرجل وحده».
قال أصحابنا: فيحتمل أن يكون نهى عن ذلك؛ لأن ابن عمر جزع مما أصابه، ويحتمل أن يكون لأجل ما أصاب الرجل من العطش.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم الخارج غير البول والغائط]
قال ابن الصباغ: ولا يجب الاستنجاء من المني، ولا من الريح؛ لأنهما طاهران، فلا يجب منهما الاستنجاء.
وإن خرج منه حصاة أو دودة، عليها رطوبة وجب منها الاستنجاء. وإن كان لا رطوبة عليها، فهل يجب منها الاستنجاء؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجب؛ لأنه لا بلل معه، فهو كالريح.
والثاني:
يجب؛ لأنه لا يخلو من بلل. والأول أصح. قال ابن الصباغ: وإن خرجت منه
بعرة، لا بلل عليها، فهي كالدودة والحصاة التي لا رطوبة معها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: تقديم الاستنجاء على الوضوء]
والمستحب:
أن يستنجي أولا، ثم يتوضأ إن كان واجدًا للماء قادرًا على استعماله. وإن
كان عاجزًا عن الماء، أو عن استعماله، تيمم بعد الاستنجاء. فإن توضأ ثم
استنجى، أو تيمم ثم استنجى، ولم يمس شيئًا من عورته فهل يصح؟ اختلف أصحابنا
فيهما على ثلاث طرق:
فـالأول: قال أبو علي في "الإفصاح" قولان.
والثاني: قال أبو العباس ابن القاص: يصح الوضوء قولا واحدًا، وفي التيمم قولان.
والثالث
قال أكثر أصحابنا: يصح الوضوء، ولا يصح التيمم قولا واحدًا. والفرق
بينهما: أن الوضوء يرفع الحدث، وذلك يصح مع بقاء النجاسة. والتيمم لا يرفع
الحدث، وإنما يستباح به فعل الصلاة، فلم يصح مع بقاء النجاسة.
فإذا قلنا: لا يصح تيممه قبل أن يستنجي، فكان على بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء، فتيمم قبل إزالتها فهل يصح تيممه؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المنصوص في "الأم" ـ: (أنه لا يصح؛ لما ذكرناه في النجاسة في موضع الاستنجاء).
والثاني
ـ وهو قول أبي علي الطبري ـ: أنه يصح. والفرق ـ بين النجاسة على موضع
الاستنجاء، وبين غيره من البدن ـ: أن خروج النجاسة إلى موضع الاستنجاء توجب
الطهارة، فجاز أن يكون بقاؤها فيه يمنع صحة الطهارة. وليس كذلك النجاسة في
غير موضع الاستنجاء، فإن خروجها إليه لا يوجب الطهارة، فكان بقاؤها فيه لا
يمنع صحة الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: أفضلية استعمال الحجر والماء معًا]
وإذا أراد الاستنجاء، وكان الخارج غائطًا أو بولا، ولم يجاوز الموضع المعتاد، فالأفضل أن يستنجي بالأحجار أولا، ثم بالماء بعده.
وحكى ابن المنذر، عن سعد بن أبي وقاص، وابن الزبير، وحذيفة: أنهم كانوا لا يرون استعمال الماء.
وقال سعيد بن المسيب: ما يفعل ذلك إلا النساء. وقال عطاءٌ: غسل الدبر محدث.
وكان الحسن لا يغسل بالماء.
دليلنا:
ما روي عن أبي هريرة: أنه قال: (إن هذه الآية نزلت في أهل قباء: {فِيهِ
رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]. قال: وكانوا يستنجون بالماء).
وقال جابر، وأنس: لما نزلت هذه الآية دعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأنصار، فقال: «إن
الله عز وجل قد أحسن عليكم الثناء، فما تصنعون؟ فقالوا: نتوضأ للصلاة،
ونغتسل من الجنابة، فقال: هل غير هذا؟ فقالوا: لا، إلا أن أحدنا إذا خرج
من الخلاء أحب أن يستنجي بالماء، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: هو ذاك، فعليكم به».
وهذا يدل على: أنهم كانوا
يستعملون الحجارة أولا؛ لأنهم لا يخرجون إلا بعد استعمال الحجارة. وقد روي:
أنهم قالوا: (نتبع الحجارة الماء).
فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالأفضل: أن يقتصر على الماء؛ لأنه أبلغ في الإنقاء.
وإن أراد الاقتصار على الأحجار جاز، سواء كان الماء موجودًا أو معدومًا.
وقال قوم من الزيدية، والقاسمية: لا يجوز الاقتصار على الأحجار، مع وجود الماء.
دليلنا:
ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة
أحجار، يستطيب بها، فإنها تجزئ عنه».
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، فقام عمر خلفه بكوز من
ماء، فقال: ما هذا يا عمر؟، فقال: ماء تتوضأ به، فقال: ما أمرت كلما بلت
أن أتوضأ، ولو فعلت ذلك لكان سنة». وهذا يبطل ما قالوه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: كيفية الإنقاء]
إذا استنجى بالماء لزمه إذهاب الأجزاء، وإذهاب الرائحة، لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء الأجزاء.
وإذا
استنجى بالأحجار لزمه أبعد الأمرين من الإنقاء، واستيفاء ثلاثة أحجار، فإن
لم ينق بالثالث لزمه أن يزيد رابعًا. فإن أنقى بالرابع أجزأه، ولا يلزمه
استيفاء ستة أحجار.
وحكى في "الفروع": أن ابن خيران قال: يلزمه ذلك. وليس بشيء؛ لأن المقصود قد حصل.
وإن أنقى بحجر أو بحجرين لزمه استيفاء الثلاثة.
وقال مالك، وداود: (لا يلزمه ذلك)، وحكي ذلك عن بعض أصحابنا، وليس بمشهور.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار». وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار».
فإن
استنجى بحجر له ثلاثة أحرف، فمسح بكل حرف مرة، وأنقى أجزأه؛ لأن المقصود
قد حصل، وهو المسح والإنقاء، فصار كما لو مسح بثلاثة أحجار وأنقى.
و
(الإنقاء) ـ في الأحجار ـ هو: أن لا يبقى إلا أثر لاصق لا يزيله إلا الماء،
فيعفى عن ذلك الأثر؛ لأنا قد بينا أن استعمال الماء غير واجب.
قال الصيدلاني: فلو عرق محل النجو وجاوزه، نجسه، ووجب عليه غسله بالماء. وإن لم يجاوزه عفي عنه، على الأصح.
قال الصيمري: وإن بقيت بعد الأحجار بقية يخرجها حجر صغير، أو ما صغرَ من الخزف ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه إخراجها، كما لو بقيت بقية يخرجها حجر كبير.
والثاني: لا يلزمه، كما لا يلزمه إخراج الأثر اللاصق الذي لا يزيله إلا الماء.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:36 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: كيفية الاستجمار]
قال
أصحابنا: وأما كيفية الاستنجاء بالأحجار: فليس فيه تقدير واجب، وإنما يجب
أن يمر كل حجر من الأحجار الثلاثة على كل موضع من مواضع الاستنجاء.
وأما كيفية الاستنجاء: ففيه وجهان:
أحدهما
قال أبو إسحاق: يأخذ حجرًا فيمره على الصفحة اليمنى ويرمي به، ثم يأخذ
حجرا آخر فيمره على الصفحة اليسرى ويرمي به، ثم يأخذ حجرًا فيمره من مقدم
على المسربة ويرمي به، لما روى سهل بن سعد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يكفي أحدكم إذا قضى حاجته أن يستنجي بثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين، وحجر للمسربة».
والثاني:
قال أبو علي بن أبي هريرة: يأخذ حجرًا فيمره من مقدم صفحته اليمنى إلى
مؤخرها، ثم يديره إلى اليسرى من مؤخرها إلى مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثانيًا
فيمره من مقدم صفحته اليسرى إلى مؤخرها، ويديره من مؤخر صفحته اليمنى إلى
مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثالثًا فيمره على جميعهما وعلى المسربة؛ لما روي: أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقبل بحجر، ويدبر
بحجر، ويحلق بالثالث». وهذا أصح؛ لأنه يستعمل جميع الأحجار، في جميع مواضع
الاستنجاء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: كيفية استنجاء غير الرجل]
واستنجاء المرأة في الدبر كاستنجاء الرجل.
وأما استنجاؤها من البول: فإن كانت بكرًا فإنها تستنجي في مواضع البول بالأحجار والماء كالرجل.
وأما
موضع البكارة: فلا تعلق للبول فيه؛ لأنه مسدود تحت ثقبة البول، ولا يصل
إليه البول، ولكن يستحب لها: أن تدخل أصبعها في الثقب الذي في الفرج، فإن
لم تفعل لم يلزمها شيء.
وأما الثيب: فإنها إذا جلست للبول انفرج ذلك
الموضع، فربما ينزل إليه البول، فإن تحققت وصول البول إلى موضع البكارة ـ
وهو مدخل الذكر، ومخرج الحيض،
والمني، والولد ـ وجب غسله بالماء. وإن لم يتحقق وصول البول إليه استحب لها: أن تغسله، ولا يجب عليها.
وحكى في "الفروع" وجهًا آخر: أن الثيب لا يجزئها الاستنجاء بالحجر. وليس بشيء.
وأما الخنثى المشكل: فحكمه في الاستنجاء في الدبر حكم غيره.
وإن
خرج البول من أحد فرجيه، ومن عادته أن يبول منهما فقد مضى ذكره في الحدث.
وإن بال منهما وجب عليه الاستنجاء فيهما؛ لأن أحدهما أصلي بيقين، ولكن لا
نعرفه بعينه، فلزمه الاستنجاء فيهما؛ ليسقط الفرض بيقين.
فإن أراد الاستنجاء بالماء فيهما جاز.
وإن أراد الاقتصار فيهما على الحجر فهل يجزئه؟ فيه وجهان ـ بناء على من انفتح له مخرج دون المعدة، مع انفتاح المعتاد ـ:
إذا قلنا: ينتقض الوضوء بمسه فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
فإذا قلنا: يجزئه فيه الحجر وجب لكل واحد منهما أبعد الأمرين من ثلاثة أحجار، أو الإنقاء، كما قلنا في الأصلي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: النهي عن استعمال اليمين في الاستنجاء]
ويكره
أن يستنجي بيمينه؛ لما روى أبو قتادة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا خلا فلا
يستنجي بيمينه».
وروي عن عائشة: أنها قالت: «كانت يد رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليمنى لطعامه وشرابه وطهوره، ويده
اليسرى للاستنجاء».
ويستحب أن لا يستعين بيمينه في الاستنجاء على شيء يمكنه فعله بغيرها، فإن كان يستنجي بالحجر من الغائط أخذها بيساره ومسح بها.
وإن كان يستنجي بالحجر من البول، فإن كان يستنجي على حائط أو أرض أو حجر كبير أخذ ذكره بيساره ومسحه بها.
وإن
كان يستنجي بحجر صغير ترك الحجر بين عقبيه أو إبهامي رجليه، ومسح عليه
ذكره بيساره، وإن لم يمكنه، أمسكه بيمينه ومسحه بها. وهكذا إن كان يستنجي
بالماء فإنه يصب الماء بيمينه على موضع الاستنجاء، ويدلكه بيساره؛ لأنه لا
يمكنه غير ذلك.
وإن كان أقطع اليسار لم يكره له أن يستنجي بيمينه؛ لأنه موضع ضرورة.
فإن استنجى بيمينه مع تمكنه من فعله بيساره أجزأه؛ لأن الاستنجاء يقع بما يأخذه بها، لا بها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: ما يقوم مقام الحجر]
وإن استنجى بما يقوم مقام الحجر أجزأه.
وقال داود وأهل الظاهر، وزفر، وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا:
ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أعواد، أو بثلاث
حثيات من تراب». ذكره الدارقطني.
إذا ثبت هذا: فإن ما يقوم مقام الحجر ما اجتمع فيه ستة شروط:
الشرط
الأول: أن يكون جامدًا، فإن استنجى بمائع غير الماء، كالخل، واللبن وما
أشبههما لم يجز؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز عندنا بغير الماء، وقد مضى
ذكره.
الشرط
الثاني: أن يكون الجامد طاهرًا؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث، والرمة». وإنما نهى عنهما لنجاستهما؛
بدليل ما روي: «عن
ابن مسعود: أنه قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بحجرين
وروثة ليستنجي به، فأخذ الحجرين، ورمى بالروثة، وقال: إنها ركس». ولأن
الماء النجس لا يجوز إزالة النجاسة به، فكذلك الجامد النجس.
إذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال في " المختصر " [1/12] (فإن استطاب بما يقوم مقام الحجر من الخزف والآجر وأنقى ما هنالك أجزأه).
وذكر أيضًا في "الأم" [1/19] (أن الاستنجاء بالآجر يجوز).
قال
الشيخ أبو حامد: فيحتمل أن يكون الآجر عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لا يطرح فيه روث، وقد قيل: إن طرح الروث فيه لم يكن قبل، ثم حدث، ويحتمل أن
يكون علم أن فيه روثًا، ولكنه حكم بأن النار أكلته، فإذا غسل طهر ظاهره،
فيجوز الاستنجاء به. فإن كسر موضع منه فموضع الكسر نجس، لا يجوز الاستنجاء
به وإن غسله؛ لأن الأعيان قائمة فيه لم تحرقها النار.
ولا يستنجي بحجر قد استنجى به هو، أو غيره قبل أن يغسل الحجر بالماء.
فإن
غسل بشيء من المائعات، كالخل، وماء الورد فالمشهور من المذهب: أنه لا يحكم
بطهارته، ولا يجوز الاستنجاء به؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز بغير الماء.
وحكى
الصيمري قولا آخر: أنه يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأرض يطهر بعضها بعضًا». ولأن المقصود
إزالة عين النجاسة، وقد زالت. وهذا قول أبي حنيفة.
فإن جفت النجاسة بالشمس، وذهبت عينها فهل يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: يحكم بطهارته بالشمس فهل يحكم بطهارته إذا ذهبت عين النجاسة بالظل والرياح؟ فيه قولان.
وإن استنجى بحجر، ثم وجده وشك: هل جرى عليه ماء طهره أم لا؟ لم يستنج به؛ لأن الأصل بقاؤه على النجاسة.
وإن رأى حجرا وشك: هل استنجى به هو، أو غيره؟
قال الشافعي: (كرهت له أن يستنجي به، فإن فعل به أجزأه؛ لأن الأصل أنه لم يستنج به).
فإن استنجى بشيء نجس، أو بمائع غير الماء فهل يجزئه الاستنجاء بالأحجار من ذلك؟ فيه وجهان.
أحدهما:
لا يجزئه إلا الماء؛ لأن هذه النجاسة من غير الخارج من السبيلين، فلم
يجزئه إلا الماء، كما لو وقعت نجاسة على موضع من بدنه غير موضع الاستنجاء.
والثاني: تجزئه الأحجار؛ لأن هذه النجاسة تابعة للنجاسة التي على المحل، فزالت بزوالها.
الشرط
الثالث: أن يكون الجامد منقيًا، فإن كان غير منقٍ، كالزجاج، والحديد
الصقيل، وما أشبه ذلك لم يجزه الاستنجاء به، لأن المقصود إزالة عين النجو،
وهي لا تزول بذلك. وكذلك اللزج الذي لا يجري على موضع الاستنجاء لا يصح الاستنجاء به، لأن عين النجاسة لا تزول به.
وأما الفحم: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يصح الاستنجاء به؛ لأنه لا يزيل العين، فهو كالزجاج.
وقال
المسعودي [في "الإبانة" ق\23] قد اختلف نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فيه، والصحيح: إن كان صلبًا صح الاستنجاء به، وإن كان رخوًا لم يصح
الاستنجاء به.
وإن استنجى بحجر فيه رطوبة فهل يصح؟ فيه وجهان.
قال الصيمري: ويمكن أن يقال: إن كانت الرطوبة يسيرة صح، وإن كانت كثيرة لم يصح.
فإن استنجى بشيء أملس، كالزجاج الأملس، والحديد الصقيل، فهل يصح الاستنجاء بعده بالحجر؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القفال: لا يصح.
والثاني: قال غيره: يصح.
الشرط الرابع: أن لا يكون الجامد مطعومًا، فإن استنجى بمطعوم، كالخبز والعظم لم يجز.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجوز الاستنجاء بالعظم).
فأما مالك: فلأنه مزيل عنده للعين.
وأما أبو حنيفة: فلأن الاستنجاء عنده غير واجب.
ودليلنا:
ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرويفع بن
ثابت الأنصاري: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من استنجى
بعظم، أو رجيع فقد برئ من محمد».
وروى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة»: وهي العظم البالي.
وروى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظام، وقال: هي زاد إخوانكم من الجن».
إذا
ثبت هذا: فإن استنجى بالخبز وأنقى، أو بعظم طاهر وأنقى، فقد فعل فعلا
محرمًا، ويأثم به إذا علم تحريمه. وهل يصح استنجاؤه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، فصح استنجاؤه، وإنما منع منه للحرمة، كما لو صلى في ثوب حرير.
والثاني:
لا يصح، وهو صحيح؛ لأن الاستنجاء بغير الماء رخصة، والرخص لا تتعلق
بالمعاصي. فإذا قلنا بهذا. أجزأه الاستنجاء بالأحجار وجهًا واحدًا، هكذا
ذكره في "الفروع".
الشرط الخامس: أن لا يكون للجامد حرمة. فإن كان له
حرمة، بأن استنجى بما فيه قرآن، أو حديث، أو فقه لم يجز؛ لأن فيه استخفافًا
بالشريعة. فإن استنجى بشيء من ذلك وأنقى فهل يصح؟ فيه وجهان، كما ذكرنا في
الخبز والعظم. فإذا قلنا: لا يصح، أجزأه الإعادة بالأحجار وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة خشنة من ذهب، أو فضة، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: لا يصح؛ لأن فيه سرفًا.
فعلى هذا: يصح إعادة الاستنجاء بالحجر وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة ديباج أجزأه؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، لا حرمة له، فأجزأه كالحجر.
قال
في " حرملة ": (وإن استنجى بخرقة من أحد جانبيها، وكانت رقيقة بحيث تصل
النجاسة إلى الجانب الآخر، لم يجز الاستنجاء في الجانب الآخر؛ لأنها تتندى
بالرطوبة النجسة، فتصير نجسة، إلا أن تلف الخرقة بعضها على بعض، بحيث لا
تتندى النجاسة إلى الجانب الآخر، أو تكون ثخينة لا تصل النجاسة إلى الجانب
الآخر منها، فيجوز حينئذ أن يستنجي بالجانب الآخر؛ لأن النجاسة من الجانب
الآخر لا تصل إليه).
الشرط السادس: أن لا يكون جزءًا من حيوان متصل به؛ لأن له حرمة.
فإن استنجى بشيء طاهر من ذلك، مثل أن يستنجي بيده، أو عقبه، أو بيد غيره، أو بذنب حمار متصل به، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: يصح؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: لا يصح؛ لأن له حرمة، فلم يصح الاستنجاء به، كالعظم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الاستنجاء بالصوف]
قال في " حرملة ": (وإذا نتف الصوف من ظهر الحيوان المأكول، واستنجى به، كرهته، وأجزأه).
قال
أصحابنا: إنما كره النتف؛ لأن فيه تعذيب الحيوان. فأما الاستنجاء بالصوف
من الحيوان المأكول: فلا يكره؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فهو كالحجر.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الاستنجاء بالجلد]
وهل يجوز الاستنجاء بالجلد بعد الدباغ؟ فيه قولان:
أحدهما
قال في " البويطي "، و" حرملة ": (لا يجوز)؛ لـ «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالرمة». وهذا الجلد في
معنى الرمة.
والثاني: يجوز؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأشبه الحجر.
فإن قيل: هلا قلتم: لا يجوز؛ لأنه مأكول؟
قلنا: هو في العادة لا يقصد أكله، ولهذا يجوز بيع جلدين بجلد.
وإن استنجى بجلد حيوان مأكول مذكى، غير مدبوغ، فهل يصح؟ فيه قولان:
أحدهما: يصح، كما يصح بالخرق.
والثاني: لا يصح؛ لأنه لا يقلع النجو للزوجته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: تجاوز الخارج المخرج]
وإذا
خرج منه الغائط، فكان على المخرج وما حوله مما ينتشر إليه في العادة،
أجزأه فيه الحجر، بلا خلاف بين أصحابنا؛ لأن هذا هو المعتاد في عموم الناس،
فحمل لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
قال
أصحابنا: وقد روى المزني: (إذا عدى المخرج لم يجزئه إلا الماء). وهذا غير
صحيح، بل الصحيح: ما نقله عن القديم: (أنه يستطيب بالأحجار، إذا لم ينتشر
منه إلا ما ينتشر في العادة من العامة، في ذلك الموضع وحوله).
فإن تغوط
وقام، أو جف الغائط لم يجزئه إلا الماء؛ لأن بقيامه يزول الغائط الخارج عن
موضعه بفعله. وبجفافه لا يزول بالحجر، فانحتم الماء فيه.
وإن انتشر الغائط إلى باطن الأليتين، ولم يخرج شيء منه إلى ظاهرهما فهل يجزئه الحجر؟ فيه قولان:
أحدهما قال في القدم: (لا يجزئه إلا الماء؛ لأن ذلك يندر ويقل، فلا حاجة به إلى استعمال الأحجار فيه).
والثاني:
قال في "الأم" [1/19] يجزئه الأحجار؛ لأن المهاجرين لما قدموا المدينة
أكلوا التمر - وكانت أقواتهم الحنطة والشعير - والتمر يرق بطن من لا يعتاد
أكله.
ومعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لهم في الاستنجاء بالأحجار. ولأن ذلك يتعذر ضبطه، فجعل الباطن كله حدًا.
وإن
خرج الغائط إلى ظاهر الأليتين لم يجزئه فيما خرج عن الأليتين إلا الماء
قولا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، فلم يجزئه إلا الماء، كالنجاسة على سائر بدنه.
فإن
قلنا بقوله في "الأم"، وأن المنتشر إلى باطن الألية يجزئ فيه الحجر. قال
الشيخ أبو حامد: وجب عليه استعمال الماء فيما ظهر على ظاهر الأليتين،
وأجزأه الحجر في المخرج وفي باطن الأليتين.
وإن قلنا بقوله القديم، وأنه
لا يجزئه الحجر في باطن الأليتين، فلا يمكن ـ هاهنا ـ أن يقال: يستعمل
الحجر في المخرج وما حوله، والماء فيما زاد على ذلك؛ لأنه لا يتأتى الفصل
بينهما، فإن أمكنه ذلك أجزأه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم انتشار البول فوق المعتاد]
وأما
البول: فإن كان على ثقب الذكر وما حوله، مما جرت العادة بانتشار البول
إليه، أجزأه الحجر قولا واحدًا؛ لأنه هو المعتاد في عموم الناس.
وإن جاوز البول موضع الطوق من باطن الذكر، أو ظاهره، لم يجزئه فيما جاوز الطوق إلا الماء؛ لأن ذلك نادر.
وإن جاوز البول الثقب وما حوله، ولم يتجاوز الطوق، فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه طريقان:
أحدهما من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالقولين في الغائط إذا جاوز المخرج وما حوله إلى باطن الأليتين:
أحدهما: لا يجزئه إلا الماء؛ لأنه يندر.
والثاني: يجزئه الحجر؛ لأنه قد ينتشر إليه في العادة، فجعل الطوق كله حدًا، ووجب الماء فيما زاد.
والطريق الثاني قال الشيخ أبو إسحاق: لا يجزئه إلا الماء قولا واحدًا؛ لأن ما ينتشر من البول نادر بخلاف الغائط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم الخارج غير المعتاد]
وإن
كان الخارج من السبيلين غير الغائط والبول، فإن كان دم حيض، أو نفاس، أو
منيًا، فإن هذا لا مدخل لاستعمال الأحجار فيه؛ لأن ذلك يوجب الطهارة
الكبرى.
وإن كان دما غير الحيض والنفاس، أو قيحًا، أو صديدًا، فإن ذلك
يوجب الاستنجاء؛ لأنه مائع نجس، فأوجب الاستنجاء كالغائط والبول. وهل يجزئ
فيه الأحجار؟ فيه قولان.
وكذلك إذا خرج منه دودة أو حصاة لا رطوبة معها، وقلنا: يجب منها الاستنجاء، ففيه قولان:
أحدهما: يجزئ فيه الحجر؛ لأنه نجس خارج من السبيلين، فأشبه البول والغائط.
والثاني:
لا يجزئ فيه الحجر؛ لأن الأحجار إنما أجزأت في الغائط والبول؛ لتكررهما
ولخوف المشقة باعتياد الماء فيهما، وهذا لا يوجد في هذه الأشياء النادرة،
فانحتم فيها الماء. وبالله التوفيق.






يتبــــــــــــــــــــع






.






كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 89ag110






كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:37 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[باب ما يوجب الغسل]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: إيلاج الحشفة في الفرج]
والذي يوجب الغسل: إيلاج الحشفة في الفرج، وخروج المني، والحيض، والنفاس.
فأما إيلاج الحشفة في الفرج: فإنه يوجب الغسل، سواء أنزل أو لم ينزل، وهو قول كافة العلماء.
وقال
سعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل،
وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، ورافع بن خديج: (لا غسل عليه، ما
لم ينزل). وبه قال عروة، وداود. وقيل: إن أبيًا، وزيد بن أرقم رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والجنابة عند العرب: الجماع، وإن لم يكن معه إنزال).
وروي
عن عائشة: أنها قالت: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إذا التقى الختانان وجب الغسل»، فعلته أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلنا.
وروى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع، وألصق
ختانه بختانها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل». وهذه نص.
قال الزهري: وشعبها الأربع: هي شعبتا رجليها، وشعبتا شفري فرجها.
وإلصاق
الختان بالختان لا يوجب الغسل، وإنما عبر به عن إيلاج الحشفة؛ لأن (ختان
المرأة) هو: أن يقطع منها جلدة فوق ثقبة البول في أعلى الفرج. و (مدخل
الذكر) هو ثقبة في أسفل الفرج. فإذا غيب الحشفة فيه تحاذى (ختانه) ـ وهو:
موضع القطع من ذكره المنحسر عن الحشفة ـ وختانها.
قال الشافعي: (والعرب تقول: التقى الفارسان: إذا تحاذيا، وإن لم يتضاما).
فعبر عن الإيلاج بالتقائهما لتقاربهما.
وإن أولج بعض الحشفة لم يجب الغسل؛ لأن التقاء الختانين لا يحصل بذلك.
فإن كان مقطعوع الحشفة ففيه وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما: لا يجب عليهما الغسل، إلا بتغييب ما بقي من الذكر؛ لأنه لم يبق حد يعتبر، فاعتبر الجميع.
والثاني: يجب عليهما الغسل، إذا غيب من الباقي قدر الحشفة.
فإن
أولج ذكره في دبر امرأة، أو دبر رجل، أو دبر خنثى مشكل، وجب عليهما الغسل،
لأنه أحد السبيلين، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه كالفرج.
وإن أولج ذكره في دبر بهيمة أو فرجها، أو فرج امرأة ميتة أو في دبرها وجب عليه الغسل.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب).
دليلنا: أنه يقع عليه اسم الفرج، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه، كفرج المرأة الحية.
وهل يجب غسل المرأة الميتة بذلك؟ فيه وجهان.
وهل يجب الحد على المولج فيها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجب؛ لأنه فرج محرم، فوجب بالإيلاج فيه الحد، كالمرأة الأجنبية الحية.
والثاني: لا يجب؛ لأنه فرج غير مقصود.
والثالث: إن كانت زوجته أو جاريته فلا حد عليه؛ للشبهة. وإن كانت أجنبية منه وجب عليه الحد؛ لأنه لا شبهة له فيه.




كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الإيلاج في الخنثى]
وإن أولج رجل ذكره في فرج خنثى مشكل لم يجب عليهما الغسل ولا الوضوء؛ لجواز أن يكون الخنثى رجلا، وهذه خلقة زائدة فيه.
وإن
أولج الخنثى ذكره في دبر رجل لم يجب الغسل على واحد منهما؛ لجواز أن يكون
الخنثى امرأة، وهذه خلقة زائدة، فلا يجب بإيلاجها الغسل.
قال القاضي:
وأما الوضوء: فإنه يجب على الرجل بالإخراج لا بالإيلاج، ويجب الوضوء أيضًا
على الخنثى؛ لأن الخنثى إن كان رجلا فقد وجب عليهما الغسل، وإن كان امرأة
وجب عليهما الوضوء بالملامسة، فوجوب غسل أعضاء الوضوء متيقن.
وهل يجب الترتيب في الوضوء؟
قال القاضي أبو الفتوح: أما وضوء الرجل: فيجب فيه الترتيب بلا خلاف.
وأما الخنثى: فهل يجب عليه الترتيب في الوضوء؟ فيه وجهان.
والذي
يقتضي المذهب: أن الوضوء إنما يجب عليهما بالإيلاج لا بالإخراج؛ لأن
الخنثى إن كان رجلا وجب عليه الغسل بالإيلاج، وإن كان امرأة وجب عليهما
الوضوء بالتقاء بشرة الذكر وبشرة الدبر.
ولا يجب الترتيب في وضوء الرجل؛
لأن له حالتين: حالة يجب عليه فيها الغسل دون الترتيب، وهو: إذا كان
الخنثى رجلا. وحالة يجب عليه فيها الوضوء مرتبًا، وهو: إذا كان الخنثى
امرأة، فأوجبنا المتيقن من ذلك، وهو: غسل أعضاء الطهارة، وأسقطنا المشكوك
فيه، وهو: غسل ما زاد على أعضاء الطهارة، والترتيب في أعضاء الطهارة.
وإن أولج الخنثى ذكره في فرج امرأة أو دبرها لم يجب على واحد منهما الغسل؛ لجواز أن يكون الخنثى امرأة، وهذه بضعة زائدة فيه.
وأما
الوضوء: فلا يجب على الخنثى؛ لجواز أن يكون امرأة. ويجب على المرأة؛ لأن
الخنثى إن كان رجلا وجب عليهما الغسل. وإن كان امرأة فهذا عضو زائد فيهما،
فيجب على المرأة الوضوء بإخراج ذلك منها، كما لو أدخلت في فرجها مسبارًا،
وأخرجته. وهل يجب عليها الترتيب في الوضوء؟ يحتمل أن يكون على الوجهين
اللذين حكاهما القاضي أبو الفتوح في الأولى.
وإن أولج الخنثى ذكره في قبل خنثى مثله لم يجب على واحد منهما وضوء ولا غسل؛ لجواز أن يكونا رجلين، والفرجان زائدان.
وإن أولج الخنثى ذكره في دبر خنثى مثله لم يجب على المولج غسل ولا وضوء؛ لجواز أن يكونا امرأتين.
قال
القاضي: ويجب على المولج فيه الوضوء مرتبًا؛ لأن المولج إن كان رجلا فقد
وجب عليهما الغسل. وإن كان امرأة صار ذلك خلقة زائدة فيه، فصار كما لو أدخل
في دبره مسبارًا وأخرجه فيجب الوضوء بالإخراج لا بالإيلاج.
وإن كان
هناك خنثيان، فأولج كل واحد منهما ذكره في فرج صاحبه لم يجب على واحد منهما
وضوء ولا غسل؛ لجواز أن يكونا رجلين، والفرجان عضوين زائدين، فلا يجب
بإيلاجهما شيء.
وإن أولج كل واحد منهما ذكره في دبر صاحبه، قال القاضي:
وجب على كل واحد منهما الوضوء مرتبًا؛ لأنهما إن كانا رجلين، أو أحدهما
رجلا، وجب عليهما الغسل. وإن كانا امرأتين صار الذكران كالمسبارين، فيجب
الوضوء بإخراجهما لا بإيلاجهما على المولج فيه، وكل واحد منهما مولج فيه،
فوجب عليهما الوضوء؛ لأنه متيقن.
وإن أولج أحدهما ذكره في فرج صاحبه، وأولج الآخر ذكره في دبر الذي أولج فيه، فذكر القاضي أبو الفتوح: أنه لا يجب على واحد منهما غسل.
وأما الوضوء: فإنه يجب على المولج في دبره بالإخراج لا بالإيلاج، ولا يجب الوضوء على المولج في قبله.
والذي
يقتضي المذهب: أنه يجب الوضوء أيضًا على المولج في قبله؛ لأنهما إن كانا
رجلين، أو أحدهما رجلا وجب عليهما الغسل. وإن كانا امرأتين كان الذكران
كالمسبارين يجب الوضوء بإخراجهما على المولج في دبره، وعلى المولج في قبله،
فعلى أي تنزيل نزلتهما فلا بد من غسل أعضاء الوضوء، فوجب غسلهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: وجوب الغسل من خروج المني]
وأما خروج المني: فإنه يوجب الغسل، سواء خرج بشهوة أو بغير شهوة.
وقال مالك، وأبو حنيفة وأحمد: (لا يوجب الغسل، إلا إذا خرج بدفق وشهوة).
دليلنا:
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء». ولم
يفرق. ولأنه آدمي خرج المني من مخرجه المعتاد، فأوجب الغسل، كما لو خرج
بدفق وشهوة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: خروج المني من فرج المرأة]
وإن خرج المني من فرج المرأة وجب عليها الغسل.
وقال النخعي: لا يجب عليها.
دليلنا: ما روت أم سلمة، «أن أم سليم، قالت: يا رسول الله: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم، إذا رأت الماء».
قال أبو العباس بن القاص: وإن استدخلت المرأة المني، ثم خرج منها لم يجب عليها الغسل، وإنما يجب الوضوء عليها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: خروج مني المشكل]
وإن خرج المني من قبلي الخنثى المشكل وجب عليه الغسل؛ لأنه قد خرج من الفرج الأصلي بيقين.
وإن خرج من أحدهما، فقد قال أبو علي السنجي: يجب عليه الغسل.
قال
القاضي أبو الفتوح: وعندي أنها تكون على وجهين، كما لو خرج المني من دبره،
وهذا ـ من قول القاضي ـ يدل على: أن المني إذا خرج من دبر الرجل أو المرأة
هل يجب عليه الغسل منه؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تكرار خروج المني]
إذا خرج من الإنسان المني فاغتسل، ثم خرج منه المني ثانيًا وجب عليه الغسل، سواء خرج قبل البول، أو بعده.
وقال
أبو حنيفة، والأوزاعي: (إن خرج قبل البول وجب عليه إعادة الغسل؛ لأنه بقية
ماء خرج بدفق وشهوة. وإن خرج بعد البول لم يجب عليه؛ لأنه خرج بغير دفق
وشهوة).
وقال مالك، والزهري، والليث، وعطاء، وأحمد، وإسحاق: (لا غسل عليه، وإنما عليه الوضوء، سواء خرج قبل البول أو بعده).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء». ولم يفرق.
ولأنه مني آدمي خرج من محله، فأوجب الغسل، كما لو خرج ابتداءً.
وإن أحس الإنسان بانتقال المني منه، ولم يخرج فلا غسل عليه.
وقال أحمد: (يجب عليه الغسل).
دليلنا: أن ما أوجب الطهارة، كان الاعتبار فيه بالظهور لا بالانتقال كالحدث.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تيقن وجود المني]
وإن وجد المني على فخذه، أو في ثوب لا ينام فيه غيره، ولم يتيقن خروجه منه ففيه وجهان:
أحدهما قال صاحب "الفروع"، وأبو المحاسن: لا يجب عليه الغسل؛ لأنه لم يتيقن خروجه منه، فلم يجب عليه الغسل.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يجب عليه الغسل؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سئل عن الرجل يجد البلل،
ولا يذكر الاحتلام؟ فقال: يغتسل. وسئل عن الرجل يرى أنه احتلم، ولم يجد
البلل؟ فقال: لا غسل عليه».
ولأن الظاهر: أنه خرج منه.
فعلى
هذا: يجب عليه إعادة كل صلاة صلاها قبل الاغتسال بعد أقرب نومة نامها؛ لأنه
اليقين. والمستحب: أن يعيد كل صلاة صلاها من الوقت الذي تيقن أنه لم يكن
معه المني إلى أن رآه.
وإن احتلم، ولم يجد البلل، أو شك: هل خرج منه المني؟ لم يجب عليه الاغتسال؛ لما ذكرناه من الخبر.
وإن
رأى المني على فراش، أو ثوب يبتذله هو، وغيره، لم يجب عليه الغسل؛ لجواز
أن يكون من غيره، والمستحب له: أن يغتسل؛ لجواز أن يكون منه.
وإن تحقق
أن المني خرج منه في النوم، ولم يعلم متى خرج منه وجب عليه أن يغتسل، ووجب
عليه أن يعيد كل صلاة صلاها بعد أقرب نومة نامها. ويستحب له أن يعيد ما صلى
من الوقت الذي تيقن أنه حدث بعده.
قال في " المذهب ": وإن تقدمت منه رؤيا فنسيها، ثم ذكرها عند وجود المني فعليه إعادة ما صلى بعد ذلك؛ لأن معه علامة ودليلا.
و
(مني الرجل): هو الأبيض الثخين الذي تشبه رائحته رائحة طلع النخل في حال
رطوبته، وتشبه رائحته رائحة البيض في حال يبوسته، وقد يجهد الرجل نفسه في
الجماع فيخرج منيه أحمر وقد تصيب الرجل علة فيخرج منيه أصفر رقيقًا.
وأما (مني المرأة): فهو أصفر رقيق.
والمني: مشدد لا غير، قال الله تعالى {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37].
وسمي المني منيًا؛ لأنه يمنى، أي: يراق، ولهذا سميت البلد: منى بهذا الاسم؛ لما يراق فيها من الدماء، يقال: منى الرجل وأمنى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا غسل من المذي]

(ولا يجب الغسل من المذي) ـ وهو: ماء أصفر رقيق، يخرج بأدنى شهوة من غير
دفق، وهو مخفف، يقال: أمذى الرجل يمذي ـ ويجب منه الوضوء، وغسل الموضع الذي
يصيبه لا غير.
وقال مالك: (يجب عليه غسل جميع الذكر).
وقال
أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ: يجب عليه غسل جميع الذكر، والأنثيين مع
الوضوء؛ لما روي في بعض ألفاظ حديث علي: «يغسل ذكره وأنثييه».
دليلنا: أنه قد روي في حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ينضح الماء على فرجه ويتوضأ».
ولأن هذا خارج لا يوجب غسل جميع البدن، فلا يوجب غسل ما لم يصبه من الذكر والأنثيين، كالبول.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا غسل من الودي]

(ولا يجب الغسل من خروج الودي) ـ وهو: ماء كدر ثخين، يخرج عقيب البول ـ
لأن الغسل إذا لم يجب لخروج المذي، وهو أقرب إلى صفة المني، فلأن لا يجب
بخروج الودي ـ وهو أقرب إلى البول ـ أولى.
والودي بالتخفيف: هو ما يخرج بعد البول، وبالتشديد: صغار النخل.
فإن خرج منه شيء يشبه المذي، أو المني، أو الودي، ولم يتميز له ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب منه الوضوء لا غير؛ لأن غسل أعضاء الوضوء متيقن، فوجب. وما زاد على ذلك مشكوك فيه، فلم يجب.
والثاني:
أنه مخير بين أن يجعل حكمه حكم المني، فيجب الغسل منه، ولا يجب غسل الثوب
منه. وبين أن يجعل حكمه حكم المذي، فيجب منه الوضوء مرتبًا، ويجب غسل الثوب
منه؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.
والثالث ـ وهو قول الشيخ أبي
إسحاق ـ: أنه يجب عليه أن يجعل حكمه حكم المني وحكم المذي، فيجب عليه غسل
جميع بدنه، ويجب عليه الترتيب في الوضوء، ويجب غسل الثوب؛ لأنه ليس لأحدهما
مزية على الآخر، فوجب عليه أن يجمع بين حكميهما؛ ليسقط الفرض عنه بيقين.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:37 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: الغسل من الحيض]
وأما الحيض: فإنه يوجب الغسل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222].
فموضع الدليل: قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]ـ بالتشديد ـ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222].
والمراد به: الاغتسال.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي».
وهل وجب الغسل برؤية الدم، أو بانقطاعه؟ فيه وجهان:
أحدهما:
أنه وجب بانقطاعه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا
أدبرت فاغتسلي وصلي». فأمر بالاغتسال عند الإدبار، فدل على: أنه وجب بذلك.
والثاني:
أنه وجب برؤية الدم، لأن ما أوجب الطهارة، وجب بالخروج لا بالانقطاع،
كخروج البول والمني. وأما الخبر: فإنما أمر بالغسل في الوقت الذي يصح فيه
الغسل.
وإن خرج الدم من أحد قبلي الخنثى المشكل، أو منهما، لم يجب عليه
الغسل، سواء استمر يومًا وليلة، أو لم يستمر؛ لأنه إن خرج الدم من فرج
الرجال فهو دم خرج من غير محل الحيض. وإن خرج من فرج النساء أو منهما فيجوز
أن يكون الخنثى رجلا، وهذا عضو زائد خرج منه الدم فلم يجب عليه الغسل، كما
لو خرج الدم من جروح في بدنه.
وأما دم النفاس: فإنه يوجب الغسل؛ لأنه حيض مجتمع احتبس لأجل الولد.
وهل يجب الغسل برؤيته أو بانقطاعه؟
يحتمل أن يكون على الوجهين في دم الحيض.
وإن ولدت المرأة ولدًا، ولم تر دمًا فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليها الغسل؛ لأن خروج المني منها يوجب الغسل، والولد من المني.
والثاني: لا يجب عليها الغسل؛ لأنه لا يقع عليه اسم المني.
فعلى هذا: يجب عليها الوضوء، كما لو خرج من فرجها قطنة أو مسبار.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: إيلاج الصغير]
وإن
أولج صبي ذكره في فرج امرأة فلا أعرف فيه نصًا، والذي يقتضي المذهب: أنه
يصير جنبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
و
(الجنابة) ـ عند العرب ـ: الجماع، وهذا جماع؛ بدليل أنه يجب على المرأة
المولج فيها الغسل؛ ولأنه حدث، فصح من الصبي، كخروج البول، ولكن لا يجب على
الصبي الغسل إلا بعد البلوغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على الصبي
كالصلاة. فإن اغتسل في حال صغره، وهو مميز صح غسله، ولم يجب عليه إعادته
بعد البلوغ، كما لو توضأ وهو مميز، ثم بلغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: غسل الكافر للإسلام]
إذا
أسلم الكافر، ولم يكن وجب عليه الغسل في حال كفره، فالمستحب له: أن يغتسل؛
لما «روي أنه أسلم قيس بن عاصم، وثمامة بن أثال، فأمرهما النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغتسلا». ولا يجب عليه الغسل.
وقال أحمد، وأبو ثور، وابن المنذر: (يجب عليه الغسل؛ لحديث قيس بن عاصم، وثمامة بن أثال).
دليلنا:
أنه أسلم خلق كثير من الناس، ولم يأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بالغسل، ولو أمرهم بذلك لنقل نقلا ظاهرًا.
وأما أمره لقيس وثمامة بن أثال: محمول على الاستحباب، ويحتمل: أنه علم أن عليهما غسلا من جنابة لم يغتسلا منه.
وإن كان قد وجب على الكافر غسل في حال كفره، ثم أسلم قبل أن يغتسل وجب عليه الغسل.
وحكى الشاشي وجهًا آخر: أنه لا يجب عليه. وليس بشيء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
وإن كان قد اغتسل في حال كفره فهل يجب عليه إعادته بعد الإسلام؟ فيه وجهان:
أحدهما
من أصحابنا من قال: لا يجب عليه الإعادة؛ لأن غسل الكافر غسل صحيح، بدليل:
أن المسلم إذا تزوج ذمية، فاغتسلت من الحيض حل له وطؤها، فلولا أن غسلها
صحيح لم يحل له وطؤها.
والثاني: يجب عليه الإعادة، وهو المنصوص؛ لأن
الغسل عبادة بدنية تفتقر إلى النية، فلم يصح من الكافر، كالصلاة والصوم؛
ولأن وضوء الكافر لا يصح، فكذلك غسله.
وأما غسل الذمية من الحيض: فقد اختلف أصحابنا فيه:
فقال الشيخ أبو حامد: يصح في حق الآدمي، ولا يصح في حق الله تعالى، فيجب عليها إعادته بعد الإسلام؛ لأن غسلها يتعلق به حقان:
حق الآدمي لاستباحة الوطء، فصح منها؛ لأنه لا يفتقر إلى النية.
وحق
الله تعالى، وذلك قربة يفتقر إلى النية، ولا تصح منها النية، فإذا أسلمت
لزمها إعادته لحق الله تعالى، كما تقول فيمن وجبت عليه الزكاة فامتنع من
بذلها، فإن الإمام يأخذها منه قهرًا، فإذا أخذها منه سقط بها حق الآدمي،
ولا يجب عليه الدفع إليهم ثانيًا، ولا يسقط بذلك حق الله تعالى، وهو
القربة.
وقال ابن الصباغ: لا يجب على الذمية إعادة الغسل لحق الله
تعالى؛ لأنه لا حق للآدمي في غسلها، وإنما حقه في الوطء، ومن شرط استباحة
الوطء صحة الغسل لحق الله تعالى، فلو لم يصح غسلها في حق الله تعالى لما
استباح وطأها، ولأنه لو كان للآدمي حق في غسلها لسقط عنها بترك الزوج له،
وإنما صح غسلها في حال كفرها لموضع الحاجة إليه، كما أن من شرط دفع الزكاة
النية، وإذا امتنع من عليه الزكاة أخذها منه الإمام قهرًا من غير نية لموضع
الحاجة.
قال الشافعي: (وينبغي أن يقال: إن الذمية إذا اغتسلت، ولم تنو
أنه للحيض لم يستبح الزوج وطأها، كالذمي إذا وجبت عليه الكفارة في الظاهر،
فأعتق من غير نية لم يجزئه. وإن نوى العتق عن الظهار أجزأه عنه، واستباح
وطء المظاهر منها).

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: فيما يحرم بالجنابة]
ولا يجوز للجنب: أن يصلي، ولا أن يطوف بالبيت، ولا يمس المصحف، ولا يحمله؛ لأنه إذا لم يجز ذلك للمحدث فالجنب بذلك أولى.
ولا يجوز له: أن يقرأ شيئًا من القرآن.
وقال أبو حنيفة: (يجوز له أن يقرأ صدر الآية، ولا يقرأ إتمامها، ولا يكون المقصود من ذلك القراءة، وإنما هو بمنزلة التسبيح والذكر).
وقال مالك: (يقرأ الجنب الآية والآيتين، على سبيل التعوذ).
وقال داود: (يقرأ الجنب ما شاء من القرآن).
وحكي عن ابن عباس: (أنه كان يقرأ ورده وهو جنب).
وقال ابن المسيب لابن عباس: أيقرأ الجنب القرآن؟
فقال: (نعم، أليس هو في صدره).
وقال الأوزاعي: لا يقرأ الجنب إلا آية الركوب والنزول، كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13]، وكقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا} الآية [المؤمنون: 29].
دليلنا: ما «روى
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قلت: يا رسول الله، إنك تأكل وتشرب،
وأنت جنب؟! فقال: " أنا آكل وأشرب وأنام وأنا جنب، ولا أقرأ وأنا جنب».
وروي
عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: «ما كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحجزه عن قراءة القرآن شيء، ليس الجنابة».
وروى
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقرأ الجنب، ولا الحائض شيئًا من القرآن».
وروى
ابن عباس قال: كان عبد الله بن رواحة نائمًا مع امرأته في الفراش، فقام
إلى جارية له في جانب البيت فأتاها، فانتبهت امرأته، فطلبته فلم تجده،
فقامت تطلبه، فوجدته مع الجارية، فرجعت وأخذت الشفرة، فتلقاها فقال: ما هذه
الشفرة؟! فقالت له: لو وجدتك في الموضع الذي رأيتك لوجأتك بها بين كتفيك،
فقال: وأين كنت؟! فقالت: مع الجارية. فقال: ما كنت معها، أليس قد نهى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجنب عن القراءة؟ فقالت:
اقرأ، فأنشدها:
أتانا رسول الله يتلو كتابه **كما لاح مشهور من النجم طالع.
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات أن ما قال واقع.
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا هو المشهور. وذكر بعضهم: أنه أنشدها:
شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا.
وأن العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا.
وتحمله ملائكة شداد ** ملائكة الإله مسومينا.
فقالت
زوجته: صدق الله وكذب بصري. ثم غدا عبد الله بن رواحة إلى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك، فضحك حتى بدت نواجذه. فأقره
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
وإن لم يجد الجنب ماء ولا ترابًا فإنه يصلى على حسب حاله، ويقرأ ما لا بدَّ له منه من القرآن؛ لموضع الحاجة والضرورة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: ما يكره في الحمَّام]
ولا تكره قراءة القرآن في الحمَّام، وبه قال محمَّد.
وقال أبو حنيفة: (تكره).
دليلنا: أنه موضعٌ نظيفٌ ' فلم تكره فيه قراءة القرآن، كغير الحمَّام.
وإن نجس فوه ولسانه بدم أو غيره كره له قراءة القرآن، وهل يحرم؟ فيه وجهان، حكاهما أبو المحاسن من أصحابنا.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره).
دليلنا: أن فيه استهانة بالقرآن، فأشبه القراءة على الخلاء، وعلى الجنابة.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: اللبث في المسجد]
ولا يجوز للجنب اللبث في المسجد، ويجوز له العبور فيه. وبه قال ابن عباسٍ، وابن مسعودٍ.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا يجوز له اللبث فيه، ولا العبور، إلا أن يحتلم في المسجد فيعبر فيه ليخرج).
وقال الثوري: يتيمَّم، ثمَّ يخرج منه.
وقال أحمد، وإسحاق: (إذا توضأ الجنب جاز له اللبث في المسجد).
وقال المزني، وداود: (يجوز له اللبث فيه).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى
تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. وأراد به: موضع الصلاة ـ فعبّر بـ
(الصَّلاةِ) عن موضعها، كقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ}
[الحج: 40]. والصلوات: لا تهدّم، وإنما أراد به: مواضع الصلوات، وهي
المساجد ـ لأن العبور لا يمكن في الصلاة، فثبت أنه أراد موضعها.
وقال
جابٌر: (كان أحدنا يمرُّ في المسجد، وهو جنبٌ مجتازًا). ولا يفعلون ذلك في
زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بإذنه.
والدليل
ـ على من جوز اللبث ـ: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا أحل المسجد لجنب، ولا
لحائض».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: النوم مع الجنابة]
ويجوز
للجنب: أن ينام قبل أن يغتسل؛ لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
-: أنَّها قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينام
وهو جنبٌ لا يمس ماء».
والمستحبُّ له: أن يتوضَّأ، ثمَّ ينام؛ لما روي «عن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: أيرقد أحدنا وهو جنبٌ؟ فقال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد».
قال
أبو عليّ الطبريُّ: وكذلك يستحبُّ له: أن يتوضأ إذا أراد أن يأكل، أو
يشرب، أو يطأ ثانيًا؛ لأن هذه الأسباب في معنى النوم. ولا يستحب ذلك
للحائض؛ لأن حدثها لا يتخفَّف بالوضوء، بخلاف الجنب.
ولا يكره للجنب: أن يصافح غيره؛ لما روي «عن
أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه وهو
جنبٌ، قال: (فانخنست) ـ يعنى: تنحَّيت ـ فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت؟
قلت: كنت نجسًا، فقال: إن المسلم لا ينجس».
وبالله التوفيق.








يتبــــــــــــــــــــع







.







كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 89ag110







كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:38 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[باب صفة الغُسلِ]
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: كيفية الغسل ومستحباته]
ِ
إذا أراد أن يغتسل من الجنابة فالمستحبُّ أن يقول: بسم الله، على جهة
الذكر، ولا ينوي بذلك التلاوة، وينوي الغسل من الجنابة، أو الغسل لأمر لا
يستباح إلا بالغسل، كقراءة القرآن، أو الجلوس في المسجد، ثمَّ يغسل كفَّيه
ثلاثًا قبل إدخالهما الإناء، ثم يغسل ما على فرجه من الأذى، ثمَّ يصبَّ
الماء بيمينه على شماله، فيغسل ما بها من أذى، ثمّ يتمضمض ويستنشق ثلاثًا،
ثمّ يتوضأ وضوءه للصّلاة، ثمّ يدخل أصابعه العشر في الماء، ويشرب بها أصول
شعر رأسه ولحيته؛ ليكون أسهل لدخول الماء، ثمّ يحثي على رأسه ثلاث حثياتٍ
من ماءٍ، ثمّ يفيض الماء على سائر جسده، ويدلك ما قدر عليه من بدنه بيديه.
والأصل
فيه: ما روي «أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وميمونة، وصفتا غسل
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما وصفنا».
وهل يندب إلى غسل الرجلين بعد فراغه من الاغتسال؟
فيه قولان، حكاهما في "الإبانة" [ق\27].
أحدهما: يندب إليه؛ لما روي في حديث ميمونة: «ثمّ تحوَّل عن مكانه، فغسل قدميه».
والثاني: لا يندب، كسائر أعضاء الوضوء.
إذا
ثبت هذا: فالواجب منه ثلاثة أشياء: النّيّة، وإزالة النجاسة، وإيصال الماء
إلى البشرة الظاهرة وما عليها من الشّعر. وما زاد على ذلك سنّةٌ.
وقال أبو ثورٍ، وداود: (يجب الوضوء).
وقال مالكٌ، والمزنيُّ: (إمرار اليد على ما تناله من البدن واجبٌ).
وقال أبو حنيفة: (المضمضة والاستنشاق في الجنابة، واجبان).
دليلنا: ما روي: «أنّ
أمّ سلمة قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
الغسل من الجنابة؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما
يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ من ماءٍ، ثمّ تفيضي الماء على سائر
جسدك، فإذا أنت قد طهرت».
ولم يأمرها بالوضوء، ولا بالتدليك، ولا بالمضمضة والاستنشاق.
«وروى
جبير بن مطعم قال: تذاكرنا الغسل من الجنابة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما أنا: فيكفيني أن أصب الماء على رأسي ثلاثًا،
ثمّ أفيض الماء بعد ذلك على سائر جسدي».
قال في "الأم" [1/35-36] (ويغسل ظاهر أذنيه وباطنهما؛ لأنهما ظاهرتان، ويدخل الماء فيما ظهر من صماخيه، وليس عليه غسل ما بطن).
قال الصيدلاني: وإن كان داخل عينيه شعرٌ لم يلزمه غسله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: غسل المرأة]
وإن
كانت المرأة تغتسل كان غسلها كغسل الرجل. فإن كان لها ضفائر، فإن كان
الماء يصل إليها من غير نقضها لم يجب عليها نقضها. وإن كان لا يصل إليها
إلا بنقضها وجب عليها نقضها.
وقال النّخعيّ: يجب عليها نقضها بكل حالٍ.
وقال الحسن، وطاووسٌ: يجب عليها نقضها في غسل الجنابة دون الحيض.
دليلنا: ما روي «أنّ
أم سلمة، قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للغسل من
الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ من ماءٍ، ثمّ
تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت».
وإنما لم يأمرها بنقضها، لعلمه أنّ شعرها خفيف يصل الماء إليه من غير نقضٍ؛ لأنّ شعور العرب خفيفةٌ.
فإن
كان في رأسها حشوٌ، فإن كان رقيقًا لا يمنع من وصول الماء إلى باطنه لم
يلزمها إزالته، ولا اعتبار بأن يصل الماء إلى ما تحته صافيًا؛ لأن تغيّر
الماء على العضو غير مؤثرٍ. وإن كان الحشو ثخينًا يمنع من وصول الماء إلى
باطنه وجب إزالته ليصل الماء إلى باطن الشعر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحت كل شعرةٍ جنابةٌ».
وإن كان على الرجل شعرٌ فحكمه حكم شعر المرأة.
وإن
كانت المرأة تغتسل من الحيض أو النفاس فالمستحبّ: أن تأخذ قطعة من مسكٍ
فتتبع بها أثر الدّم؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن
امرأة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله عن
الغسل من الحيض، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذي
فرصةً من مسكٍ فتطهري بها، فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقال: سبحان الله! تطهري
بها قالت عائشة: فاجتذبتها، وعرَّفتها الذي أراد، فقلت: تتبعي بها أثر
الدّم».
و (الفرصة): القطعة، و (الفرص): القطع.
قال المزني: فإن لم تجد مسكًا فطيبًا غيره، فإن لم تجد فالماء كافٍ.
فمن
أصحابنا من صحّف ذلك، وقال: فطينًا بالنون، والصحيح: أنه أراد الطيب، وقد
بيَّنه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/39]، فقال: (وإن لم يكن
مسكٌ فطيب ما كان، اتباعا للسنّة).
قال ابن الصبّاغ: فإن تتبعته بالطين فلا بأس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: قدر ماء الغسل]
ويستحبّ:
أن لا ينقص في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مدّ؛ لما روي: «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يَغْتَسِلُ بِصَاعٍ،
وَيَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ».
وروي: أنه «سئل
جابرٌ عن الغسل؟ فقال:كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يغتسل بالصّاع، ويتوضأ بالمدّ. فقال رجلٌ: إنه لا يكفيني، قال جابرٌ: قد
كان يكفي من هو خيرٌ منك، وأوفر منك شعرًا».
فإن أسبغ دون ذلك، وأقله: أن يجري الماء على ما أمر بغسله.. أجزأه.
وقال أبو حنيفة ومحمّدٌ: لا يجزئه. وروي ذلك عن عمر في الغسل.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، إلى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. ولم يفرق.
وروى عبد الله بن زيد: «أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ بثلثي مدّ».
ولأن ذلك يختلف باختلاف الأبدان وبالخرق والرّفق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: وضوء الجماعة من إناء]
ويجوز أن يتوضأ الاثنان والثلاثة من إناء واحد؛ لما روى أنسٌ قال: «رأيت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بوضوء في إناء؛ فوضع يده
في ذلك الإناء، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، وأمر النّاس أن يتوضؤوا،
فتوضأ الناس من عند آخرهم، وكانوا نحوا من سبعين رجلاً».
وهذا من
معجزات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أبلغ في الإعجاز
من انفجار الماء لموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصخرة؛
لأن العادة جرت أنّ الماء يخرج من الحجر، ولم تجر العادة أنّ الماء يخرج من
اليد.
ويجوز:
أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - من إناء واحد».
وروى «ابن عمر: قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناءٍ واحدٍ».
ويجوز أن يتوضأ أحدهما، ويغتسل بفضل الآخر في الإناء.
وقال أحمد: يجوز للمرأة أن تتوضأ وتغتسل بفضل الرجل وبفضل المرأة، ولا يجوز للرجل أن يتوضأ أو يغتسل بفضل المرأة، إذا خلت به.
دليلنا: ما روي عن ميمونة: أنها قالت: «أجنبت
فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يغتسل منها، فقلت: إني اغتسلت منه، فقال: إن الماء ليس عليه
جنابةٌ واغتسل منه».
ولأن ما جاز للمرأة أن تتوضأ به.. جاز للرجل أن يتوضأ به، كفضل الرّجل، وعكسه الماء النجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: ليس في الغسل ترتيب الأعضاء]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وما بدأ به الرجل والمرأة في الغسل.. أجزأهما).
وهذا
صحيح؛ لأن الترتيب في الغسل ليس بواجب؛ لأنه فعل واحد في جميع البدن فهو
كالعضو الواحد في الوضوء، إلا أنّ المستحبّ: أن يبدأ بما قدمناه.
قال في
" البويطي ": (وأكره للجنب أن يغتسل في البئر، معينة كانت أو دائمة، وفي
الماء الراكد قليلاً كان أو كثيرا، وكذلك التوضؤ فيه)؛ لما روي: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة».
و (الدائم): هو الراكد، و (المعين): السائل.
فإن
انغمس في بئر، أو نهر، أو وقف تحت ميزاب ماءٍ أو مطرٍ، فأتى الماء على
جميع بشرته الظاهرة، وما عليها من الشعر، ونوى الغسل من الجنابة.. أجزأه،
كما لو غسل ذلك بنفسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم وجود الحائل على الذّكر حال الجماع]
إذا لفّ على ذكره خرقةً، وأولجه في فرج امرأةٍ ولم ينزل.. ففيه ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنه لا يجب عليهما الغسل؛ لأن ما أوجب الطهارة من الملامسة من غير حائل لم يوجب الغسل مع الحائل، كالطهارة الصّغرى.
والثاني: يجب عليهما الغسل؛ لأنه يسمّى مولجًا.
والثالث
ـ وهو اختيار الصّيمري ـ: إن كانت الخرقة رقيقة..وجب عليهما الغسل؛ لأنّ
وجودها كعدمها. وإن كانت صفيقةً.. لم يجب عليهما الغسل.
وإذا قلنا بالوجه الثاني، أو كانت الخرقة رقيقة في الثالث، ولم يباشر بدنه بدنها.. فإنه يكون جنبًا غير محدث.
وإن
نظر إلى امرأة وهو على طهارةٍ، فأنزل، أو باشرها من وراء حائل وهو على
طهارة، فأنزل، أو نام قاعدًا وهو على طهارة، فاحتلم.. فقد قال الشيخ أبو
حامدٍ: إنه يكون جنبًا غير محدثٍ؛ لأنه يقال له: جنبٌ، ولا يقال له: محدثٌ.
وقال
القاضي أبو الطيب: هو محدثٌ جنبٌ؛ لأنّ الحدث يحصل بخروج الخارج من أحد
السبيلين، والجنابة تحصل بخروج المنيّ، فاجتمع فيه العلتان.
وإن كان
الرجل جنبًا غير محدثٍ.. فإنه يجب عليه غسل جميع بدنه مرةً واحدةً من غير
ترتيب، ويستبيح به ما يستبيح بالوضوء. وإن كان الرجل جنبًا محدثًا، بأن
يولج ذكره في فرجها من غير حائل، أو ينام مضطجعًا فيحتلم، وما أشبه ذلك..
فقد وجب عليه الوضوء والغسل، وفيما يجزئه من ذلك من خمسة أوجهٍ:
أحدها ـ
وهو المنصوص عليه ـ: (أنه إذا اغتسل بنية الجنابة، وأمر الماء على أعضاء
الطهارة
مرّةً واحدة من غير ترتيبٍ.. أجزأه عنهما)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا
جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. ولم
يفرّق؛ ولأنهما طهارتان فتداخلتا، كغسل الجنابة والحيض.
والوجه
الثاني: يجب عليه الوضوء مرتبًا والغسل؛ لأنهما حقان مختلفان، يجبان
بسببين مختلفين، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كحد الزنا والسرقة.
فعلى
هذا: يجب عليه إمرار الماء على أعضاء الطهارة مرتين، ويجب عليه الترتيب في
أعضاء الطهارة، ويحتمل: أن تجب عليه نيّة الوضوء مع نيّة الجنابة. ولا فرق
بين أن يتوضأ أولا ثمّ يغتسل، أو يغتسل أولا ثمّ يتوضأ.
والثالث: يجب عليه الوضوء مرتبًا، ويجب عليه غسل سائر بدنه؛ لأنهما متفقان في الغسل مختلفان في الترتيب، فتداخلا فيما اتفقا فيه.
فعلى هذا: يجزئه إمرار الماء على أعضاء الطهارة مرّة واحدة لهما، ويحتمل: أن تجزئه نيّة الجنابة عن نيّة الوضوء، على هذا.
والرابع: أنه يقتصر على غسل واحد، ولا يجب عليه الترتيب؛ إلاّ أنه يجب عليه أن ينويهما، كما نقول فيمن جمع بين الحج والعمرة.
والخامس ـ حكاه في "الفروع" ـ: إن أحدث ثمّ أجنب، فعليه الوضوء والغسل. وإن أجنب ثمّ أحدث، كفاه الغسل.
فإذا
قلنا بالمنصوص: فغسل الجنب جميع بدنه عن الجنابة إلا أعضاء الوضوء، ثمّ
أحدث.. لم يلزمه الوضوء؛ لأن حكم الجنابة باقٍ فيها، فلا يؤثر فيها الحدث،
ويجزئه غسل أعضاء الطهارة من غير ترتيب.
وإن غسل الجنب أعضاء الوضوء دون
بقية بدنه، ثم أحدث.. لزمه أن يتوضأ مرتبًا وجهًا واحدًا؛ لأن حدثه صادف
أعضاء الوضوء، وقد زال حكم الجنابة منها، فلزمه الوضوء مرتبًا.
وإن غسل الجنب جميع بدنه إلا رجليه، ثمّ أحدث.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها
ـ وهو قول ابن الحداد، وهو المشهورـ: أنه لا يتعلق حكم الحدث في الرجلين؛
لوجود حدث الجنابة فيهما، فيغسلهما عن الجنابة، ويغسل باقي أعضاء الطهارة
مرتبًا.
قال القاضي أبو الطيب على هذا: فهذا وضوءٌ ليس فيه غسل الرجلين، وإن شئت.. قلت: هذا وضوءٌ يبدأ فيه بغسل الرجلين، ولا نظير له.
والثاني ـ حكاه في "الفروع" ـ وهو: أنه يجب عليه الترتيب في الرجلين؛ تبعًا لوجوب الترتيب في باقي الأعضاء.
والثالث ـ حكاه أيضًا ـ: أنه يسقط الترتيب في باقي الأعضاء أيضًا؛ لسقوطه في الرجلين.
قال
القاضي أبو الطيب: فإن كان محدثًا، فاعتقد أنه جنبٌ، فاغتسل من غير ترتيب،
فإن قلنا بالمنصوص ـ في الجنب إذا كان محدثًا ـ: أنه يكفيه غسلٌ واحدٌ من
غير ترتيب.. فهل يجزئه ها هنا الغسل في أعضاء الوضوء؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجزئه؛ لأن الغسل يجزئ عن الحدثين معًا وإن لم يرتب، فلأن يجزئ عن الأصغر أولى.
والثاني:
لا يجزئه ـ وهو الصحيح ـ لأنه أسقط الواجب بالتطوع، ويخالف إذا كانا
واجبين؛ لأن حكم الحدث يسقط مع الجنابة، فكان الحكم لها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الجنب إذا اغتسل للحدث]
وإن كان جنبًا، فنسي الجنابة واغتسل عن الحدث.. أجزأه ذلك في أعضاء الوضوء دون غيرها.
وكذلك
إذا توضأ عن الحدث.. أجزأه ما غسله من أعضاء الطهارة عن الجنابة. وكذلك لو
غسل الجنب جميع بدنه إلا رجليه، فنسي الجنابة وغسلهما بنيّة الوضوء..
أجزأه عن الجنابة؛ لأن فرض الطهارة في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث
واحدٌ، فأجزأه غسلهما، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـ فيمن نسي
الجنابة، فتيمّم عن الحدث ـ: (أجزأه؛ لأنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه
أكثر ممّا فعل). وكما لو توضأ ينوي: أنّ حدثه ريحٌ، فكان بولاً. أو اغتسلت
المرأة بنيّة الغسل عن الحيض، وكانت نفساء أو جنبًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: قطع ما ترك من الشعر بلا غُسلٍ]
ٍإذا غسل الجنب جميع بدنه إلا طرف شعره، فقطع ما بقي من الشعر ممّا لم يغسله.. فقد اختلف أصحابنا المتأخرون فيها:
فمنهم
من قال: يجب عليه غسل ما ظهر من الشعر بالقطع؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا
جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
والقطع لا يسمى غسلا.
ومنهم
من قال: لا يجب عليه شيء؛ لأنه زال ما وجب غسله، فهو كما لو توضأ وترك
رجله، ثم قطعت من فوق الكعب.. فإنه لا يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع عن
الحدث. وبالله التوفيق.








يتبــــــــــــــــــــع








.








كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 89ag110








كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:38 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[باب التيمُّم]
الأصل في جواز التيمّم: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
والتيمّم في اللغة: هو القصد، تقول العرب: تيممت فلانًا، أي: قصدته. قال امرؤ القيس:
فلما رأت أنّ الشّريعة همها ** وأنّ البياض من فرائضها دامي.
تيممت العين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي.
وكذلك التيمّم في الشرع، هو القصد إلى الصعيد.
وقد اختلف في قدر الممسوح، وعدد المسح:
فذهب
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى: أنّ التيمّم هو مسح الوجه واليدين
إلى المرفقين، بضربتين أو أكثر. وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر وإحدى
الروايتين عن عليّ، وهو قول الشعبي، والحسن، ومالكٍ، والثوري، وأبي حنيفة.
وذهب الزهري إلى: أنه يمسح وجهه بضربةٍ، ويمسح يديه بضربةٍ إلى المنكبين.
وقال ابن المسيب، وابن سيرين: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفين، وضربة للذراعين.
وقال
عطاءٌ، ومكحولٌ، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن جريرٍ: (ضربةٌ
واحدةٌ للوجه، واليدين إلى الكفين) وهو اختيار ابن المنذر.
وروي عن علي: أنه قال: (ضربةٌ للوجه، وضربة لليدين إلى الكفّين).
وحكى بعض أصحابنا: أن هذا قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم.
قال
الشيخ أبو حامدٍ: وليس بصحيح؛ وإنما قال في القديم: (والتيمّم: أن تضرب
ضربة فتمسح بها وجهك، ثمّ تضرب أخرى فتمسح بها يديك إلى المرفقين، وقد روي
فيه شيء لم يثبت، ولم ثبت لم أعده). فخرجوا ذلك قولاً، وليس بشيء.
ودليلنا:
ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمّم فمسح
وجهه وذراعيه». وروى ابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبو أمامة: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمّم ضربتان: ضربة للوجه،
وضربة لليدين إلى المرفقين». ولأنه بدل يؤتى به في محلّ مبدله، فكان حده
فيهما واحدًا، كالوجه.
إذا
ثبت هذا: فيجوز التيمّم عن الحدث الأصغر، وهو: حدث الغائط، والبول،
والريح، ولمس النساء، ومسّ الفرج. وعن الحدث الأكبر وهو: الجنابة، والحيض،
والنّفاس. وبه قال علي، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري. وروي
عن عمر، وابن مسعود: أنهما قالا: (لا يجوز للجنب أن يتيمّم). وبه قال
النخعي. وقيل: إنهما رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
قال زيد بن أسلم: وترتيبها: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]ـ يعني: من النوم ـ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}
[المائدة: 6] إلى آخر الكلام، ثمّ بيّن حكم الجنب، فقال: {وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يعني: فاغتسلوا، ثمّ بيّن
حكم المحدث والجنب معًا، فقال: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فاشتملت الآية عليهما.
«وروى
عمّارٌ قال: أجنبت فتمعّكت بالتراب، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: إنما كان يكفيك هكذا: وضرب بيديه على الأرض، ومسح بها وجهه
وكفيه».
«وروى عمران بن الحصين قال: صلى
بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انفتل من
الصلاة رأى رجلا لم يصل.. فقال له: لم لم تصل؟ فقال: كنت جنبا، ولم أجد
الماء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:الصعيد يكفيك».
«وروى
أبو ذرّ قال: اجتويت المدينة ـ يعني: كرهت المقام فيها ـ فأمر لي رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذود وبغنم، وقال لي: ابد ابد
يعني: اخرج إلى البادية ـ فخرجت بأهلي إلى الربذة، فكنت أعدم الماء الخمسة
الأيام والستة وأنا جنب، فأصلي بغير طهور، ثم قدمت المدينة، فأتيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: أبو ذر؟ قلت: نعم، هلكت يا
رسول الله، قال: وما أهلكك؟، فقصصت عليه القصّة، وقلت: إني كنت أصلي بغير
طهورٍ، فأمر لي بماء، فاستترت براحلته واغتسلت، ثمّ أتيت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا ذرّ، الصعيد الطيب وضوء المسلم
ولو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
فإن
وجد الجنب الماء بعد التيمّم.. لزمه استعمال الماء، وهو قول كافة العلماء،
إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: لا يلزمه استعمال الماء؛
بل له أن يصلي بتيمّمه.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته».
ولا يصح التيمّم عن إزالة النجاسة.
وقال أحمد: (يصح).
دليلنا:
أن التيمّم مسح الوجه واليدين، وقد تكون النجاسة في غير الوجه واليدين،
فكيف يؤمر بمسح الوجه واليدين عن نجاسة في غيرهما؟! كما لا يجوز أن يغسل
وجهه ويديه لنجاسة في غيرهما، ولأن المقصود إزالة عين النجاسة، وذلك لا
يزول بالتيمّم.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: فيما يتيمّم به]
ولا يجوز التيمّم إلا بالتراب الذي له غبارٌ يعلق في العضو، وبه قال أحمد، وداود.
وقال
أبو حنيفة: (يجوز التيمّم بالتراب، وبكل ما كان من جنس الأرض، كالكحل،
والنّورة، والزرنيخ، والجصّ). والغبار عنده ليس بشرط، بل لو ضرب يده على
صخرة ملساء، أو حائطٍ أملس.. أجزأه. وأما الشجر والذهب، والفضة والحديد،
والرصاص..فلا يجوز التيمّم به.
وقال مالكٌ: (يجوز التيمّم بالأرض، وبما كان متصلاً بالأرض، كالأشجار) ويجوز التيمّم عنده بالملح.
وقال الثوري، والأوزاعي: (يجوز التيمّم بالأرض، وبكل ما كان عليها، سواءٌ كان متصلاً بها، أو غير متَّصلٍ). وهذا أعمُّ المذاهب.
دليلنا:
ما روى حذيفة بن اليمان: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «فضلنا على النّاس بثلاث خصال: جعلت الأرض لنا مسجدًا، وترابها لنا
طهورًا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة».
فخصَّ ترابها بجواز التيمّم، فدلّ على: أنه لا يجوز بغيره؛ ولأنه طهارةٌ
عن حدثٍ فاختصّت بجنسٍ طاهرٍ، كالوضوء، وفيه احترازٌ من الاستنجاء
والدّباغ.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يجوز التيمّم بالتراب من كلّ أرضٍ: سبخها، ومدرها، وبطحائها).
فأما (السّبخ): فهي الأرض المالحة.
وحكي
عن بعضهم: أنه قال: لا يصح التيمّم به. وهذا ليس بصحيح؛ لـ: «أنّ النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتيمّم بتراب المدينة»، وهي أرضٌ
مالحةٌ.
وأما (المدر): فهو التراب الذي أصابه الماء، فاستحجر وخفّ، فإذا سحق.. صار ترابًا.
وأمّا (البطحاء): ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه القضّ من الأرض.
والثاني: أنه التراب المستحجر.
وهل يجوز التيمّم بالطين الأرمنيّ، والتراب المأكول؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المشهور ـ: أنه يجوز التيمّم؛ لأنه ترابٌ.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه مأكولٌ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: التيمّم بالرمل]
قال
في "الأم" [1/43] (ولا يجوز التيمّم بالكثيب الغليظ)، وقال في " الإملاء
": (يجوز التيمم بالتراب، والرّمل). وقال في القديم: (يجوز التيمّم
بالرّمل).
واختلف أصحابنا في التيمّم بالرمل: فقال أبو إسحاق: ليست على قولين، وإنما هي على الحالين:
والذي قاله في "الأم" في الكثيب الغليظ، أراد به: الرّمل الذي لا يخالطه التراب.
والذي قاله في " الإملاء " والقديم أراد به: الرّمل الذي يخالطه التراب.
وقال ابن القاصّ: بل في الرّمل قولان:
أحدهما: يجوز التيمّم به؛ لما روى أبو هريرة: «أن
رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنا نكون
بأرض الرّمل، وتصيبنا الجنابة، والحيض، والنفاس، ولا نجد الماء أربعة أشهر،
أو خمسة أشهر؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عليكم بالأرض».
والثاني:
لا يجوز؛ لأنه لا يقع عليه اسم التراب، فأشبه الحجارة المدقوقة، وأما حديث
أبي هريرة: فمحمول على رمل يخالطه تراب؛ لأن العرب لا تغرب إلا إلى أرض
بها نبات، والرّمل لا ينبت إذا كان لا تراب فيه.
وإن أحرق الطين وتيمّم بمدقوقه.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه يقع عليه اسم التراب.
والثاني: لا يصح، كما لا يصح بالخزف المدقوق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: التيمّم بالطين والتراب النجس]
قال
في "الأم" [1/43] (ولو لطخ على وجهه الطين.. لم يجزه)؛ لأنه لا يقع عليه
اسم التراب، ولما روى عكرمة: أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل
عن رجل في طين، لا يستطيع أن يخرج منه؟ فقال: (يأخذ من الطين، فيطلي به
بعض جسده، فإذا جفّ.. تيمّم به). ولا يعرف له مخالف. فإن خاف فوت الوقت قبل
أن يجفّ.. كان بمنزلة من لم يجد ماءً ولا ترابًا، ويأتي حكمه.
ولا يجوز التيمّم بتراب نجس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
و (الطيب): يقع على ما تستطيبه النفس؛ كقولهم: هذا طعام طيب.
ويقع على الحلال، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] يعني: الحلال. ويقع على الطاهر.
ولا
يجوز أن يكون المراد بالآية ها هنا: ما تستطيبه النفس، ولا الحلال؛ لأن
التراب لا يوصف بذلك، فثبت أنه أراد به الطاهر. ولأنه طهارةٌ، فلا تصح
بنجس، كالوضوء.
ولا فرق بين أن يكون التراب الذي خالطته النجاسة قليلاً أو كثيرًا، بخلاف الماء؛ لأن للماء قوة تدفع النجاسة عن نفسه.
وإن
خالط التراب ذريرةٌ أو نورةٌ أو دقيقٌ، فإن استهلك التراب في هذه الأشياء،
وغلبت عليه.. لم يجز التيمّم به بلا خلاف على المذهب. وإن استهلكت هذه
الأشياء في التراب، وغلب عليها.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجوز التيمّم به، كما تجوز الطهارة بالماء الذي خالطه مائعٌ واستهلك المائع فيه.
والثاني:
لا يجوز، وهو المذهب؛ لأن المخالط للتراب يمنع من وصول التراب إلى العضو،
والمخالط للماء لا يمنع من وصول الماء إلى العضو؛ لأن الماء يجري بطبعه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تيمّم الجماعة في مكان وصورٌ أخرى]
ويجوز أن يتيمّم الجماعة من موضعٍ واحد، كما يجوز أن يتوضأ الجماعة من ماء في إناءٍ واحدٍ.
وإن ضرب يديه على بدنه، أو ثيابه، أو آذانه، أو رأسه، أو ظهره، فعلق بهما غبارٌ، فتيمّم به.. صحّ.
وقال أبو يوسف: لا يصحّ.
دليلنا: أنه يقع عليه اسم التراب، وهو طاهرٌ غير مستعمل، فصحٌ تيمّمه به، كما لو أخذه من الأرض.
وإن
تيمّم، فبقي على أعضاء التيمّم غبارٌ من التيمّم، فتيمّم هو به، أو غيره..
لم يصح تيمّمه؛ لأنه مستعمل في التيمّم، فلم يصح التيمّم به، كما لو أخذ
الماء من وجهه أو يديه، ومسح به رأسه.
ولو علق على وجهه ترابٌ من غير التيمّم، فمسح به وجهه من غير أن ينقله عنه.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لم يصح تيمّمه.
وإن أخذه من وجهه، ثمّ أعاده إليه.. فهل يصح تيمّمه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح، كما لو مسحه عليه من غير أن ينقله.
والثاني: أنه يصح، كما لو وقع على غير الوجه، فنقله منه إلى وجهه.
وإذا قلنا بالأول، وعلق على يديه ترابٌ من غير التيمّم، فأخذه ومسح به وجهه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه نقله من موضع الفرض، فهو كما لو نقل منه ما بقي عليه من التيمّم.
والثاني: يصح، وهو الأصح؛ لأنه غبار ترابٍ طاهرٍ غير مستعملٍ، فهو كما لو أخذه من بطنه أو ظهره.
وإن تيمّم بما يتناثر من أعضاء المتيمّم من الغبار من التيمّم، أو تيمّم به غيره.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأن المستعمل من التراب ما بقي على أعضاء التيمّم، دون ما تناثر.
والثاني:
لا يصح، كما لا يصح الوضوء بما تساقط من الماء عن أعضاء الطهارة؛ ولأنه لو
مسح يديه بالضربة التي مسح بها وجهه..لم يصح وإن كان قد بقي فيهما غبارٌ،
فلأن لا يصح فيما تناثر من الوجه أولى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: هل يرفع التيمّم الحدث]
التيمّم لا يرفع الحدث.
وقال
داود وشيعته، وبعض أصحاب مالك: (التيمّم يرفع الحدث). وبه قال بعض أصحابنا
الخراسانيين؛ لأنها طهارةٌ عن حدث تستباح بها الصلاة، فوجب أن يرفع الحدث،
كالطهارة بالماء.
ودليلنا: ما «روى عمرو بن
العاص قال: كنت في غزوة ذات السّلاسل، فأجنبت في ليلةٍ باردةٍ، فأشفقت على
نفسي، إن اغتسلت بالماء.. هلكت، فتيمّمت وصليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكر
ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا عمرو: صلّيت
بأصحابك
وأنت جنبٌ؟ فقلت: سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}
[النساء: 29]. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل
شيئًا».
ففي هذا الخبر فوائد.
منها: أنّ التيمّم يجوز لخوف التّلف من البرد.
ومنها: أنّ الجنب يجوز له التيمّم.
ومنها: أنّ الجنب إذا صلى بالتيمّم في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ من تيمّم لأجل البرد في السفر.. لا إعادة عليه.
ومنها: أنّ التيمّم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه جنبًا مع علمه أنه قد تيمّم.
ومنها: أنه يجوز للمتيمّم أن يؤم المتوضئين؛ لأن أصحابه كانوا متوضئين.
ومنها: أنّ هذا المتلو كلام الله؛ لأن عمرًا قال: سمعت الله تعالى يقول، ولم يسمع إلا المتلوّ.
ومنها:
أنّ الجنب إذا تيمّم.. يجوز له أن يقرأ في غير الصلاة؛ لأن عمرًا قال:
سمعت الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. ولم
ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومن الدليل على
أن التيمّم لا يرفع الحدث: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لأبي ذرّ: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج، وإذا
وجد الماء.. فليمسسه بشرته». فلو ارتفع حدثه..لم يجب عليه استعمال الماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: نية التيمّم]
ولا يصح التيمّم إلا بالنية.
وقال الأوزاعي، والحسن بن صالح: يصح من غير نية.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. والتيمّم في اللغة: القصد. والنية: هي القصد أيضًا.
إذا ثبت هذا: فإن نوى بتيمّمه: رفع الحدث، وقلنا: إن التيمّم لا يرفع الحدث.. ففيه وجهان:
أحدهما: ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، فقد نوى ما لا يفيده.
والثاني ـ حكاه في "المهذب" ـ: أنه يصح؛ لأنه يتضمن استباحة الصلاة.
وإن نوى بتيمّمه استباحة الصلاة المفروضة، أو نوت الحائض إذا انقطع دمها: استباحة الوطء.. صح التيمّم؛ لأن التيمّم يراد لذلك.
وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاةٍ نافلة.. صح تيمّمه على المذهب؛ لأن كلّ طهارة
صحت بنية استباحة الفرض.. صحت بنية استباحة النفل، كالطهارة بالماء.
وحكى الطبري: أن ابن القاص قال: لا يصح تيمّمه؛ لأن التيمّم طهارة ضرورة، ولا ضرورة به إلى النفل.
فإذا
قلنا بالأول، ونوى بتيمّمه استباحة الصلاة، ولم ينو الفريضة، أو نوى صلاة
نفلٍ..استباح به النّفل. وهل يستبيح بذلك التيمّم صلاة الفرض؟ فيه طريقان:
الأول: قال عامة أصحابنا: لا يستبيح به الفريضة قولاً واحدًا.
والثاني: قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15]، وأبو حاتم القزويني: هي على قولين:
أحدهما: يستبيح به الفرض، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن كل طهارة استباح بها النّفل.. استباح بها الفرض، كالطهارة بالماء.
والثاني:
لا يستبيح به الفرض، وبه قال مالك؛ لأن التيمّم لا يرفع الحدث، وإن استباح
به الصلاة.. فلم يستبح به ما لم ينوه، بخلاف الطهارة بالماء.
فإذا قلنا بهذا: أنه لا يصح تيمّمه للفرض حتى ينويه.. فهل يفتقر إلى تعيين الفريضة بنية التيمّم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يفتقر إلى ذلك، لأن كل موضع افتقر إلى نية الفرض.. افتقر إلى تعيين الفرض، كالإحرام في الصلاة، ونّية الصّوم.
والثاني:
لا يفتقر إلى ذلك، وهو ظاهر النّصّ؛ لأن الشافعي قال: (وينوي بتيممه
الفريضة). وأطلق، ولم يشترط التعيين. وقال في " البويطي ": (فلو تيمّم ونوى
المكتوبتين.. لم تجزه إلا لصلاةٍ واحدةٍ). ولو كان التعيين شرطًا.. لم
تجزئه لواحدةٍ منهما، ولأن الأحداث الموجبة للطهارة لا يحتاج إلى تعيينها،
فلم يفتقر إلى تعيين المستباح.
وإذا نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ
ونافلةٍ.. جاز له أن يصلي به الفريضة التي نواها، ويصلي به ما شاء من
النوافل قبل الفريضة وبعدها، في وقتها وفي غير وقتها؛ لأنه قد نوى استباحة
النّفل بتيمّمه، والنفل لا ينحصر.
وإن نوى بتيمّمه استباحة فريضةٍ، ولم ينو النفل..فهل يستبيح به النفل؟
قال المسعودي [في "الإبانة" ق\15] فيه قولان.
وقال البغداديون من أصحابنا: يستبيح به النفل قولاً واحدًا؛ لأن الفرض أعلى من النفل، فإذا استباح الفرض بتيمّمه.. استباح به النفل.
فعلى
هذا: له أن يصلي به النفل بعد الفريضة، ما دام وقتها فيها باقيًا على سبيل
التبع لها. وإن خرج وقت الفريضة..فهل له أن يصلي النّفل بذلك التيمّم؟
فيه وجهان؛ حكاهما المحاملي:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن النافلة من أتباع الفريضة، فلم تصح له النافلة بذلك التيمّم بعد ذهاب وقت المتبوع.
والثاني: يجوز؛ لأنها طهارة استباح بها النفل في وقت الفريضة، فاستباح بها النفل بعد خروج وقت الفرض، كالوضوء.
وهل له أن يتنفل بذلك التيمّم قبل صلاة الفريضة؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن كل طهارة جاز له أن يتنفل بها بعد الفريضة.. جاز له قبلها، كالوضوء.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه إنما استباح النافلة بهذا التيمّم تبعًا للفرض، فلا يجوز أن يتقدم التابع على المتبوع.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: ما يفعل بنّية النفل]
وإن
نوى بتيمّمه استباحة صلاة النفل.. جاز له أن يصلي به على الجنازة إذا لم
تتعيّن عليه؛ لأنها كالنافلة. ويستبيح به مسّ المصحف وحمله.
وإن كان
جنبًا، أو حائضًا، ونوى التيمّم للنافلة.. استباح به قراءة القرآن، واللبث
في المسجد، والوطء؛ لأن النافلة أكد من هذه الأشياء، لأن الطهارة شرط فيها
بالإجماع، والطهارة مختلف فيها لهذه الأشياء، فإذا استباح النافلة.. استباح
ما دونها.
وإن نوى بتيمّمه استباحة هذه الأشياء.. فهل له أن يصلي به النفل؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يستبيح به النفل؛ لأن هذه الأشياء نوافل، فاستباح صلاة النفل بالتيمّم لهذه الأشياء.
والثاني: لا يستبيح به صلاة النفل؛ لأنها آكد في باب الطهارة، على ما تقدم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: كمال كيفية التيمم]
وإذا أراد التيمّم.. فإنه يسمي الله تعالى، كما قلنا في الوضوء، وينوي على ما مضى، ثمّ يتيمّم.
والكلام فيه في فصلين: في الاستحباب، وفي المجزئ منه.
فأما
الاستحباب: فإن المزني روى: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المختصر
" (1/28) قال: (يضرب على التراب ضربةً، ويفرق بين أصابعه). وقال في موضعٍ
آخر: (يضع يديه على التراب).
قال أصحابنا البغداديون: ليست على قولين، وإنما أراد بقوله (يضع يديه): إذا كان التراب ناعمًا دقيقًا؛ لأنه يعلق غباره من غير ضربٍ.
وأما إذا كان التراب غير ناعمٍ.. فإنه يضرب ويفرق بين أصابعه؛ لأنه لا يعلق الغبار بكفيه إلا بالضرب.
وقال
المسعودي [في "الإبانة" ق\35] لا يفرق بين أصابعه في الضربة الأولى؛ لئلا
يحصل التراب بين أصابعه في الأولى، فيكون ماسحًا لجزء من يديه قبل وجهه.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن حصل على كفّيه تراب كثير.. نفخ التراب؛ ليخففه من على يديه، ويبقي عليهما أثره)؛ لما «روى
أسلع، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا
جنب، فنزلت آية التيمّم، فقال: يكفيك هكذا:فضرب بكفيه الأرض، ثمّ نفضهما،
ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ أمرهما على اللحية، ثمّ أعادهما إلى الأرض، فمسح
بهما الأرض، ثمّ دلك إحداهما بالأخرى، ثمّ مسح ذراعيه: ظاهرهما وباطنهما».
وإنما
نفضهما؛ لأنه علق بهما غبار أكثر مما يحتاج إليه فخففهما، ثمّ يمسح بيديه
على وجهه الذي وصفناه في الوضوء، ويمرهما، على ظاهر شعر الوجه.
وهل يجب عليه إيصال التراب إلى باطن الشعر في الوجه الذي يجب إيصال الماء إليه في الوضوء؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه ذلك، كما قلنا في الوضوء.
والثاني:
لا يجب عليه، وهو المذهب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وصف التيمّم، ومسح وجهه بضربة، وبذلك لا يصل التراب إلى باطن شعر الشارب،
والعذار، والعنفقة وإن كان خفيفا. ويخالف الوضوء؛ لأنه لا مشقة عليه في
إيصال الماء إلى باطن هذه الشعور، فوجب، وعليه مشقة في إيصال التراب إلى
باطنها، فلم يجب.
ثم يضرب ضربة ثانية، ويفرق بين أصابعه. وإن كان عليه
خاتم.. نزعه قبل الضربة الثانية؛ لئلا يمنع من وصول التراب إلى ما تحتها،
فإذا فعل ذلك.. فقد سقط الفرض عن الراحتين، وعما بين الأصابع بما وصل إليها
من التراب.
فإن قيل: إذا سقط الفرض به.. فقد صار مستعملا، فكيف يجوز مسح الذراعين به، وعندكم: لا يجوز نقل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى؟
فالجواب: أنه لو انفصل الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى، لكان في صحة ذلك وجهان:
أحدهما: يجزئه؛ لأنهما كالعضو الواحد، ولهذا يجوز البداية بما شاء منهما.
والثاني: لا يجوز، وهو الأصح، كما لو انفصل الماء من وجهه إلى يديه.
فعلى
هذا: الفرق بين الماء والتراب: أن الماء ينفصل من إحدى اليدين إلى الأخرى،
والتراب لا ينفصل من إحداهما إلى الأخرى، ولأن هاهنا به حاجة إلى ذلك؛
لأنه لا يمكنه أن ييمم ذراعا من يد بكفها، بل لا بد من كف أخرى، فصار ذلك
بمنزلة نقل الماء في العضو الواحد من بعضه إلى بعض.
وأما مسح إحدى
اليدين بالأخرى.. فذكر المزني [في " المختصر " 1/28-29] فيها ترتيبا،
فقال: يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى وأصابعهما، ثم يمرها على ظهر
الذراع إلى مرفقه، ثم يدير بطن كفه إلى بطن كف الذراع، ثم يقبل بها إلى
كوعه فيمرها على ظهر إبهامه، ويكون باطن كفه اليمنى لم يمسها شيء من يده،
فيمسح بها اليسرى كما وصفت في اليمنى، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، وخلل
بين أصابعهما.
وإنما قال: يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى؛ لأنها هي الماسحة، فاستحب له أن يضع الماسح على الممسوح.
وذكر
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/42] ترتيبا آخر، فقال: يضع
ذراعه اليمنى في باطن كفه اليسرى على ظاهر أصابعه اليمنى، ويضم إبهامه إلى
أصابعه، ثم يمر بطن يده، فإذا بلغ الكوع أدار إبهامه على ذراعه، وقبض
بإبهامه وأصابعه على باطن ذراعه، ثم يمر ذلك إلى المرفق، فإن بقي شيء من
ذراعه لم يمر التراب عليه.. أدار يده عليه حتى يصل التراب إلى جميعه.
قال أصحابنا: وما ذكره المزني أحسن.
و (الكوع): هو العظم الناتئ الذي في معصم اليد تحت الإبهام.
و (الكرسوع): هو العظم المقابل له تحت الخنصر.
قال الجويني: ويستحب أن لا يفصل يديه، بل تكونان متصلتين حين يمسحهما إلى أن يفرغ. والأصل في ذلك: ما ذكرناه من حديث الأسلع.
وأما
المجزئ من ذلك: فأن ينوي، ويوصل التراب إلى وجهه ويديه إلى المرفقين
بضربتين أو أكثر - وسواء أوصل ذلك بيديه أو بخشبة أو بغير ذلك ـ وتقديم
الوجه على اليدين. وما زاد على ذلك سنة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: فيمن ييممه آخر]
وإن أمر غيره فيممه، ونوى هو.. فالمنصوص: (أنه يجزئه، كما يجزئه في الوضوء).
وقال ابن القاص: لا يجزئه، قلته: تخريجا.
هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\35] إذا يممه غيره، فإن كان لعجز.. صح، وإن كان لغير عجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: الوقوف في مهب الريح]
قال
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/42] (وإن سفت الريح عليه
ترابا ناعما، فأمر يده على وجهه.. لم يجزئه؛ لأنه لم يأخذه لوجهه، ولو أخذ
ما على رأسه لوجهه، فأمره عليه..أجزأه). واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال
القاضي أبو حامد: هذا إذا لم يعمد الريح وينو التيمّم، فأما إذا عمد الريح،
ونوى التيمم..أجزأه، كما يجزئ في الوضوء إذا جلس تحت ميزاب ماء، فنوى
الوضوء، وجرى الماء على أعضاء الطهارة.
وقال القاضي أبو الطيب: يجب أن
يحمل هذا على: أنه لم يتيقن وصول التراب إلى جميع أعضاء التيمم، فأما إذا
تيقن ذلك.. أجزأه، ولم يحتج إلى إمرار اليد.
وقال أكثر أصحابنا: لا يجوز؛ لأن الشافعي لم يفصل.
قال
ابن الصباغ: ولأنه يتعذر وصول التراب إلى الوجه من غير مسح، ولأن الله
تعالى أمر بالمسح، وهذا لم يمسح، ولا يدخل عليه: إذا غسل رأسه مكان المسح..
فإنه يجزئه وإن لم يمر يده عليه لقيام الدليل على ذلك؛ لأنه إذا أجزأه ذلك
عن الجنابة.. فلأن يجزئ ذلك عن الوضوء أولى، بخلاف التيمم.
قال
المسعودي [في "الإبانة": ق\35] وإن أدنى وجهه من الأرض، أو تمعك في
التراب، فحصل الغبار على أعضاء التيمم، فإن كان لعجز.. صح. وإن كان لا
لعجز.. فهل يصح؟ فيه وجهان.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:39 pm

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: استيعاب المسح لأعضاء التيمم]
إذا بقي لمعة من الوجه لم يمر عليها التراب..لم يجزئه.
وحكى الحسن بن زياد الوضاحي عن أبي حنيفة: (أنه إذا مسح أكثر وجهه..أجزأه).
دليلنا: أن أكثر العضو لا يقوم مقام جميعه في الوضوء في الماء القليل، فكذلك في التيمم.
فعلى
هذا: إن كان قد مسح يديه..لم يجزئه مسحهما، فيعيد اللمعة وحدها، ثم اليدين
إن لم يتطاول الفصل. وإن تطاول الفصل.. فهل الفصل يبطل ما مسحه من وجهه؟
فيه طريقان، مضى ذكرهما في الوضوء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: للمسافر والراعي أن يتيمما]
قال في "الأم" [1/39] (وللمسافر الذي لا ماء معه، وللمعزب في إبله أن يجامع أهله، وإن لم يكن معه ماء). وروي ذلك عن ابن عباس.
وروي عن علي، وابن عمر، وابن مسعود: أنهم قالوا: (ليس له أن يصيب أهله).
وقال مالك: (أحب أن لا يصيب أهله إلا ومعه الماء).
وقال الزهري: المسافر لا يصيب أهله، والمعزب يصيب أهله.
دليلنا: أنا قد دللنا على: أنه يجوز للجنب التيمم، فلم يمنع من أهله، كما لو وجد الماء.
قال
الشافعي: (ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره، وغسلت المرأة ما أصاب
فرجها). وهذا نص الشافعي [في "الأم" 1/39] على أن رطوبة فرج المرأة نجسة.
ومن أصحابنا من قال: إنها طاهرة، ويأتي ذكر ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تيمم عن حدث فبان جنبا]
فإن تيمم للفريضة، معتقدا: أنه محدث، ثم ذكر: أنه كان جنبا.. أجزأه.
وقال مالك وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا:
أنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه أكثر مما فعل، وهو: نية استباحة الصلاة،
فأجزأه، كما لو اغتسلت المرأة عن الحيض، ثم بان: أنها كانت جنبا، أو توضأ
عن حدث البول، فبان: أنه كان ريحا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: التيمم في السفر والحضر]
يجوز التيمم في السفر الطويل، بلا خلاف على المذهب.
وأما في الحضر والسفر القصير: فأكثر أصحابنا قالوا: يجوز قولا واحدا.
وحكى ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: أن فيه قولين:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن استباحة الصلاة بالتيمم رخصة، فاختص بالسفر الطويل، كالقصر، والفطر.
والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43].
ولم يفرق بين الحضر والسفر، ولا بين السفر القصير والسفر الطويل، وإنما يختلف الحكم في الإعادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: يتيمم بعد دخول الوقت]:
ولا يصح التيمم للصلاة إلا بعد دخول الوقت. وبه قال مالك، وأحمد، وداود.
وقال أبو حنيفة: (يصح التيمم لها قبل دخول وقتها).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
فأجاز التيمم للقائم إلى الصلاة، وإنما يصح القيام إليها بعد دخول وقتها.
وأما
الطهارة بالماء: فظاهر الآية يدل على: أنه لا يجوز قبل دخول الوقت، إلا
أنا تركناه بالسنة والإجماع، وبقي التيمم على ظاهر الآية. ولأن التيمم
طهارة ضرورة، فلم يصح للصلاة قبل دخول وقتها، كطهارة المستحاضة.
إذا ثبت
هذا: فقال المسعودي [في "الإبانة": ق\29] وقت التيمم لصلاة الخسوف: عند
الخسوف. ولصلاة الاستسقاء: عند خروج الناس إلى الصحراء. وللصلاة على الميت:
إذا غسل. ولتحية المسجد: بعد الدخول. وللفوائت: عند تذكرها.
وإن تيمم
لنافلة لا سبب لها في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.. لم يصح تيممه، ولم
يستبح به النافلة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تيمم لفائتة وصلى حاضرة]
وإن تيمم لفائتة عليه قبل دخول وقت الفريضة، فلم يصل الفائتة حتى وقت الفريضة.. فهل له أن يصلي بذلك التيمم فريضة الوقت؟ ينظر فيه:
فإن
كانت الصلاتان مختلفتين، بأن كانت الفائتة عليه الصبح، والتي دخل وقتها
الظهر، أو العصر، فإن قلنا: إن تعيين الصلاة التي تيمم لها شرط في صحة
التيمم لها.. لم يصح له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل وقتها؛ لأنه لم
يعينها في التيمم.
وإن قلنا: إن تعيين الصلاة لا يشترط في نية التيمم
لها، أو كانت الفائتة عليه موافقة للداخل وقتها، بأن كانت الفائتة ظهر
أمسه، والتي دخل وقتها ظهر يومه.. فهل له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل
وقتها؟ فيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحداد: يجوز. وهو اختيار القاضي أبي
الطيب، وابن الصباغ؛ لأنه يجوز له أن يصلي به الفائتة بعد دخول وقت
الحاضرة، فجاز له أن يصلي به الحاضرة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم للحاضرة
بعد دخول وقتها، فأراد أن يصلي به مكانها فائتة عليه، ولأنه تيمم وهو غير
مستغن عن التيمم، فأشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها.
والثاني: من أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأنها فريضة تقدم التيمم على وقتها، فهو كما لو تيمم للحاضرة قبل دخول وقتها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: من يحق له التيمم]
ولا يصح التيمم للصلاة بعد دخول وقتها إلا لعادم للماء، أو لخائف من استعماله.
فأما الواجد للماء، القادر على استعماله.. فلا يصح تيممه، سواء خاف فوت وقت الصلاة، أو لم يخف.
وقال أبو حنيفة: (إذا خاف فوت وقت صلاة العيد أو الجنازة.. جاز له أن يتيمم لهما، وإن كان واجدا للماء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». وهذا واجد للماء.
وإن
وجد ماء يحتاج إليه للشرب، ويخاف إن استعمله في الطهارة التلف من العطش؛
لأنه يقطع مفازة لا يكون فيها ماء.. جاز له أن يتيمم؛ لأن المريض الذي يخاف
من استعمال الماء يجوز له تركه وإن كان لا يتلف في الحال، فكذلك هذا مثله.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: حكم طلب الماء]
ولا يصح التيمم للعادم للماء إلا بعد الطلب وإعواز الماء.
وقال أبو حنيفة: (لا يحتاج إلى الطلب، بل إذا كان مسافرا لا يعلم وجود الماء.. جاز له أن يتيمم).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. ولا يثبت له أنه غير واجد إلا بعد الطلب.
ولا يجزئه الطلب إلا بعد دخول الوقت؛ لأنه وقت جواز التيمم. فإن طلب قبل دخول الوقت..أعاد الطلب بعد دخول الوقت.
قال ابن الصباغ: فإن قيل: فإذا كان قد طلب قبل دخول الوقت، ثم دخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء.. كان طلبه عبثا؟
فالجواب:
أنه إنما يتحقق أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد
فيها شيء.. فهذا يجزئه بعد دخول الوقت؛ لأن هذا هو الطلب. وأما إذا غابت
عنه.. جاز له أن يتجدد فيها حدوث ماء، فيحتاج إلى الطلب.
فأما إذا طلب
بعد دخول الوقت، ولم يتيمم عقبه..جاز له أن يتيمم بعد ذلك، ولا يلزمه إعادة
الطلب، إلا أن يتجدد أمر؛ لأنه لما طلبه في وقته.. لم يكلف تجديد الطلب؛
لما فيه من المشقة. وإذا طلب قبل الوقت.. كلف إعادته؛ لتفريطه.
وإن كان في مفازة لا يوجد في مثلها الماء غالبا.. فهل يلزمه الطلب؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\30]:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأنه غير مفيد.
والثاني: يلزمه تعبدا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.]فرع: من تيمم وأخر الصلاة]
قال في" البويطي ": (فإن تيمم بعد الطلب في أول الوقت، وأخر الصلاة إلى آخر الوقت..أجزأه؛ لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه).
قال ابن الصباغ: فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر، وطلع عليه ركب يجوز أن يكون معهم ماء بتفتيش ما.. احتاج إلى تجديد الطلب.
وأما
كيفية الطلب: فهو أن يبدأ بتفتيش رحله؛ لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم ينظر
في الناحية التي هو فيها يمينا وشمالا، وأماما وخلفا، وهذا إذا كان في سهل
من الأرض لا يحول دون نظره شيء. فإن كان دونه حائل صعد إليه ونظر حواليه.
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " البويطي ": (وليس عليه أن
يدور في طلب الماء؛ لأن ذلك أكثر ضررا عليه من إتيان الماء في الموضع
البعيد).
فإذا نظر ولم ير الماء..قال ابن الصباغ: سأل واستخبر من يظن أن عنده علما من الماء، فإن دل على ماء.. لزمه أن يأتيه بثلاث شرائط:
إحداهن: أن لا ينقطع عن رفقته.
الثانية: أن لا يخاف على نفسه، أو ثيابه، أو رحله.
الثالثة: أن لا يخاف فوت وقت الصلاة.
وإن
وجد بئرا ولا حبل معه، فإن كان يقدر أن يوصل إليها ثيابا حتى يصل إلى أن
يأخذ الماء بإناء أو دلو به، أو قدر على ثوب يبله بالماء ثم يعصره ويتوضأ
به..لم يكن له أن يتيمم، وسواء قدر على ذلك بنفسه أو بغيره.
وإن قدر على نزول البئر بأمر ليس عليه خوف.. نزلها، وإن كان عليه ضرر.. تيمم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: لا يتيمم لخوف فوات الوقت وبقربه ماء]
قال
في "الإبانة" [ق\30] وإن كان بقربه ماء، وهو يخاف فوت وقت الصلاة لو
اشتغل به.. فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا يجوز له التيمم)،
وقال في العراة ـ إذا كان بينهم ثوب يتداولونه، فخاف بعضهم فوت وقت لو صبر
حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (إنه يصبر حتى تنتهي النوبة إليه).
وقال ـ في جماعة معهم دلو ينزحون به الماء، وخاف فوت وقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (يصبر ولا يتيمم). وهذه نصوص متفقة.
وقال
ـ في جماعة في سفينة، فيها موضع واحد يمكن أن يصلي فيه واحد قائما، وخاف
أن يفوته الوقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه-: (إنه يصلي قاعدا، ولا يلزمه
الصبر).
وهذا نص مخالف للنصوص الأولى.
فمن أصحابنا من عسر عليه الفرق، وجعل الجميع على قولين.
ومنهم
من حمل الجميع على ما نص عليه، وفرق بينهما: بأن القيام أخف؛ لأنه يسقط في
النافلة مع القدرة، بخلاف الطهارة بالماء، والسترة، فإنه لا يجوز تركها
بحال.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: حكم قبول الماء أو ثمنه]
وإن بذل له غيره الماء، فإن كان بغير عوض.. فهل يلزمه قبوله؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة في الكفارة.
والثاني: يلزمه قبوله، وهو المشهور؛ لأنه لا منة عليه في قبوله؛ لأن العادة جرت أن الفقير يبذله للغني، بخلاف الرقبة.
وإن بذل له ثمن الماء.. لم يلزمه قبوله؛ لأن عليه منة في قبول الماء.
وإن
بذل له الماء بثمن مثله، وهو واجد للثمن غير محتاج إليه في سفره.. لزمه
شراؤه، ولا يجوز له التيمم. وإن كان غير واجد لثمن مثله، أو كان واجدا له
إلا أنه محتاج إليه لسفره..جاز له أن يتيمم؛ لأن المال الذي معه هو محتاج
إليه لإحياء نفسه، فهو كما لو كان معه ماء يحتاج إليه للعطش.
فإن بيع
الماء منه بثمن المثل، وأنظره البائع إلى بلده، وكان له في بلده مال.. وجب
عليه شراؤه ولم يجز له التيمم؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن كان مع غيره ماء، وهو غير محتاج إليه، ولم يبذله له..لم يجز له أن يكابده على أخذه منه؛ لأن له بدلا، وهو التيمم.
وفى كيفية اعتبار ثمن مثل الماء، ثلاثة أوجه، حكاها في "الإبانة" [ق\32]:
أحدها ـ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه يعتبر ثمنه في موضعه الذي هو فيه، مع وجود العذر.
والثاني: يعتبر ثمنه عند السلامة، ووجود الماء غالبا.
والثالث: لا ثمن له، ولكن يراعي أجرة مثل من يأتي به إلى ذلك الموضع.
وإن
وهب له الماء هبة فاسدة، فقبضه.. لم يملكه بذلك. فإن توضأ به.. صح وضوؤه،
ولا يجب عليه ضمانه؛ لأن الهبة الفاسدة تجري مجرى الصحيحة في باب الضمان،
كما في البيع.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: إعادة طلب الماء]
فإن
طلب الماء للصلاة الحاضرة، فلم يجده، فتيمم وصلى، ثم دخل عليه وقت صلاة
أخرى.. قال الشيخ أبو حامد: فعليه أن يعيد الطلب، ولا يلزمه الطلب في رحله؛
لأنه قد علم بالطلب الأول أنه لا ماء فيه، ولا يجوز حدوثه بعد ذلك فيه،
ويفارق خارج الرحل؛ لأنه قد يجوز حدوث الماء فيه بعد الطلب.
وعلى قياس ما حكيناه عن ابن الصباغ -قبل هذا-: لا يلزمه الطلب فيما لم يغب عن عينه من الموضع الذي طلب فيه للصلاة الأولى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: هبة فضل الماء]
قال الصيدلاني: ولا يلزمه أن يهب فضل مائه لمن لا يجده ـ خلافا لأبي عبيد بن حربويه ـ لأنه ماء يحتاج إليه لإحياء نفسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: تعجيل الصلاة بتيمم]
وإذا طلب الماء بعد دخول الوقت فلم يجده.. جاز له أن يتيمم ويصلي، سواء علم أنه يجد الماء من آخر الوقت، أو لا يجده.
وقال الزهري: لا يجوز له التيمم، إلا إذا خاف فوت الوقت قبل وجود الماء.
دليلنا: أن الله تعالى أجاز التيمم لمن قام إلى الصلاة عند عدم الماء، وهذا موجود فيمن قام إليها في أول وقتها.
وهل الأفضل أن يقدم الصلاة بالتيمم، أو يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت؟
فيه ثلاث مسائل:
إحداهن:
أن يتيقن أنه يجد الماء في آخر الوقت.. فالأفضل أن يؤخر الصلاة ليصليها
بالوضوء في آخر الوقت؛ لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة، والطهارة بالماء
فريضة، فكان مراعاة الفريضة أولى.
الثانية: إذا كان على إياس من وجود الماء.. فتقديم الصلاة في أول وقتها بالتيمم أفضل؛ لأن الظاهر أنه لا يجد الماء.
الثالثة: إذا كان يرجو وجود الماء.. ففيه قولان:
أحدهما: التأخير أفضل؛ لأن مراعاة الفريضة ـ وهي الطهارة بالماء ـ أولى من مراعاة الفضيلة، وهي الصلاة في أول الوقت.
والثاني: أن تقديم الصلاة في أول الوقت بالتيمم أفضل، وهو الأصح؛ لأنه فضيلة متيقنة، فلا يجوز تركها لأمر مشكوك فيه.
قال
أصحابنا: وهكذا المريض العاجز عن القيام، إذا رجا القيام في آخر الوقت. أو
رجا العريان وجود السترة في آخر الوقت. أو رجا المنفرد وجود الجماعة في
آخر الوقت.. هل الأفضل لهم تقديم الصلاة في أول وقتها، على حالتهم التي هم
عليها، أو تأخيرها لما يرجونه؟ فيه وجهان مبنيان على هذين القولين.
ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته في آخر الوقت، وجها واحدا؛ لأن ترك الرخصة غير مستحب.
قال صاحب "الفروع": فإن خاف فوات الجماعة لو أسبغ الوضوء.. فإدراك الجماعة أولى من الاحتباس على إسباغ الوضوء وإكماله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: التيمم حالة نسيان الماء]
إذا نسي الماء في رحله، فتيمم وصلى، ثم علم به فيه.. فالمنصوص ـ في عامة كتبه ـ: (أن عليه الإعادة).
وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عمن نسي الماء في رحله، فتيمم، وصلى؟ فقال: (لا يعيد).
واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال أبو إسحاق: هي على قولين، كما قال فيمن ترك فاتحة الكتاب ناسيا.
ومنهم: من لم يثبت رواية أبي ثور عن الشافعي في هذا، وقال: يحتمل أنه أراد بذلك مالكا أو أحمد.
ومنهم: من تأول رواية أبي ثور على: أنه قد فتش رحله فلم يجد، وكان قد خبأه غيره.
والطريقة الأولى أصح؛ فإن أبا ثور لم يلق مالكا، وهو يروي عن أحمد، فيكون على قولين:
أحدهما: لا يجب عليه الإعادة. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد؛ لأن النسيان عذر حال بينه وبين الماء، فصار كما لو حال بينه وبين الماء سبع.
والثاني: يجب عليه الإعادة. وبه قال أحمد، وأبو يوسف، وهو الأصح؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6]. وهذا لا يقال له: غير واجد، وإنما يقال له: غير ذاكر.
ولأنها طهارة تجب مع الذكر، فلم تسقط مع النسيان، كما لو نسي بعض أعضائه
فلم يغسلها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: إذا كان حائل عن الماء أو أخطأ رحله]
قال
في "الأم" [1/40] (فإن كان في رحله ماء، فحال العدو بينه وبين رحله، أو
حال بينهما سبع، أو حريق؛ حتى لا يصل إليه.. تيمم وصلى، وهذا غير واجد
للماء).
قال أصحابنا: معناه: أنه لا قضاء عليه؛ لأنه فيه في حكم العادم.
وإن
كان في رحله ماء، فأخطأ رحله وضل عنه، فحضرت الصلاة، فطلبه فلم يجده.. قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تيمم وصلى). ولم يذكر الإعادة.
فاختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير عادم، وإنما هو ناس.
ومنهم من قال: لا تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير منسوب إلى التفريط في طلب الماء، بخلاف الناسي، فإنه مفرط.
فأما إن ضل هو عن القافلة، أو عن الماء.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[فرع: علم بوجود الماء بعد الصلاة]
قال
في " البويطي ": (وكذلك يكون إلى جنب المسافر بئر أو بركة في الموضع الذي
عليه أن يطلب الماء فيه، فتيمم، ثم علم.. فعليه الإعادة).
وقال في "الأم" [1/40] (لا إعادة عليه؛ لأنه كلف ـ فيما ليس معه ـ الطلب المؤدي على الظاهر، وغلبة الظن دون الإحاطة به).
قال ابن الصباغ: وظاهر هذا: قولان.
قال: ومن أصحابنا من قال: ليست على قولين؛ وإنما هي على اختلاف حالين:
فالموضع الذي قال: (لا إعادة عليه)؛ إذا كانت البئر خفية، مثل أن كانت في بسيط من الأرض لا علامة عليها.
والموضع الذي قال: (عليه الإعادة)؛ إذا كانت علامتها ظاهرة، فيكون قد فرط في طلبها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 3 Arrow_top.[مسألة: وجد ماء لا يكفيه]
إذا
وجد من الماء ما لا يكفيه: بأن كان محدثا، فوجد ماء لا يكفيه لأعضاء
الوضوء، أو كان جنبا، فوجد ماء لا يكفيه لغسل جميع بدنه.. جاز له استعمال
ما وجد من الماء، بلا خلاف.
وهل يلزمه استعماله، أو يجوز له الاقتصار على التيمم؟ فيه قولان:
أحدهما:
لا يلزمه استعماله، ولكن يستحب له. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي،
وداود، والمزني؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. وأراد به: الماء الذي تغسل به الأعضاء، وهذا غير واجد له.
ولأن هذا ماء لا يطهره، فلم يلزمه استعماله، كالماء المستعمل. ولأنه لو وجد
بعض الرقبة في الكفارة.. جعل كالعاجز في جواز الاقتصار على البدل، فكذلك
هذا مثله.
والثاني:
يلزمه استعماله. وبه قال معمر بن راشد، وعطاء، والحسن بن صالح، وهو
الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[النساء: 43]. فمنها دليلان:
أحدهما: أنه أمر بغسل هذه الأعضاء، فإذا قدر على غسل بعضها..لزمه ذلك بظاهر الآية.
والثاني: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
[النساء: 43]. فذكر الماء منكرا، فاقتضى: أنه إذا وجد ماء ما..لم يجز له
التيمم؛ لأنه لو أراد ما يغسل به جميع الأعضاء.. لقال: (فلم تجدوا الماء).
فاختلف أصحابنا في مأخذ هذين القولين.
فمنهم من قال: هما مأخوذان من القولين في جواز تفريق الوضوء:
فإن قلنا: لا يجوز التفريق.. لم يلزمه استعمال ما معه من الماء.
وإن قلنا: يجوز التفريق.. لزمه استعماله.

يتبــــــــــــــــــــع
  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 29 مارس 2024, 2:39 am