منتدى درة الغواص

مرحبا بك عزيزنا الزائر فى منتدى درة الغواص
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى درة الغواص

مرحبا بك عزيزنا الزائر فى منتدى درة الغواص
نتمنى لك الاستفادة من وجودك فى المنتدى

منتدى درة الغواص

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

للكتاب الإسلامي وعلوم اللغة العربية والشرعية


  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:29 pm

[باب الشك في نجاسة الماء والتحري]

فيه
إذا تيقن طهارة الماء أو نجاسته، وشك فيما يضاد ما تيقنه.. فالأصل بقاؤه
على ما تيقنه. وإن لم يتيقن طهارته ولا نجاسته.. فهو طاهر؛ لأن الله تعالى
خلق الماء طهورًا، والأصل بقاؤه على خلقته.
وإن وجد الماء متغيرًا، ولم يعلم بأي شيء تغير.. توضأ به؛ لجواز أن يكون تغير بطول المكث.
وإن
رأى حيوانًا يبول في ماء كثير، ووجده متغيرًا، فإن جوز أن تغيره بالبول..
لم يتوضأ به؛ لأن الظاهر أن التغير من البول. وإن كان الماء كثيرًا، وبول
الحيوان قليلًا مما لا يجوز أن يتغير به.. توضأ به؛ لأن ذلك مما لا يتغير
به في العادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: في ولوغ الهرة بالماء القليل]

وإن ولغت هرة في ماء قليل، فإن لم يرها قبل ذلك أكلت نجاسة.. جاز الوضوء بسؤرها، ولا يكره. وقال أبو حنيفة: (يكره).
دليلنا:
ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصغي لها
الإناء لتشرب منه، وقال: «إنها من الطوافين عليكم والطوافات». و
(الطوافون): الخدم.
وإن رآها أكلت نجاسة، ثم ولغت في ماء قليل.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تنجسه؛ لأنا تيقنا نجاسة فيها.
والثاني: لا تنجسه؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منها.
والثالث: إن غابت، ثم رجعت.. لم تنجسه؛ لجواز طريان الطهارة على فيها. وإن لم تغب.. نجسته؛ لأن الأصل بقاء نجاسة فيها.


كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: سؤر غير مأكول اللحم]

سؤر الحمار طاهر يجوز أن يتوضأ منه، وعرقه طاهر.
وقال أبو حنيفة: (سؤر الحمار مشكوك فيه، لا يجوز أن يتوضأ به عند وجود غيره، وعرقه نجس).
دليلنا على سؤره: أنه ماء يتوضأ به عند عدم غيره، فيتوضأ به عند وجود غيره، كسائر المياه.
وعلى عرقه: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب حمار معروريًا وصلى».
والظاهر: أنه أصابه من عرقه، ولأنه لا يجب غسل الإناء من ولوغه سبعًا، فكان عرقه طاهرًا، كالشاة.
ولا يكره سؤر الفرس.
وقال أبو حنيفة: (يكره).
دليلنا: أنه ذو سهم في الغنيمة، فلم يكره سؤره، كالآدمي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: الإخبار عن نجاسة الماء]

إذا
ورد على ماء قليل، فأخبره رجل بنجاسته.. فذكر الشيخ أبو إسحاق وابن
الصباغ: أنه لا يلزمه قبول خبره حتى يبين بأي شيء نجس، لجواز أن يكون رأى
سبعًا ولغ فيه، فاعتقد أنه نجس بذلك.
وذكر الشيخ أبو حامد: أن الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (إذا علم بأن المخبر ممن يرى أن الماء بلغ قلتين
لم يحمل نجسًا.. لزمه قبول خبره مطلقًا)؛ لأن من يقول هذا.. لا يرى أن سؤر
السباع نجس.
فإن بين النجاسة.. قبل منه ولم يجتهد، كما يقبل ممن يخبره
بالقبلة عن علم، ويقبل فيه قول الرجل والمرأة والحر والعبد، كما تقبل منهم
أخبار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقبل فيه قول
الأعمى؛ لأن له طريقًا إلى العلم به بالمحس والخبرة، ولا يقبل فيه قول كافر
ولا فاسق؛ لأن أخبارهما غير مقبولة.
وهل يقبل فيه قول الصبي المراهق؟ فيه وجهان:
أحدهما: يقبل قوله؛ لأنه من أهل الإخبار.
والثاني: لا يقبل قوله؛ لأنه ليس من أهل الشهادة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الإخبار بولوغ الكلب]

وإن كان معه إناءان، فأخبره رجل أن الكلب ولغ في أحدهما بعينه.. قبل قوله ولم يجتهد، كما نقول في القبلة.
وإن
أخبره رجل: أن الكلب ولغ في هذا دون ذاك، وقال آخر: بل ولغ في ذاك دون
هذا، فإن لم يعينا الوقت.. حكم بنجاستهما؛ لجواز أن يكون قد ولغ فيهما في
وقتين، وإن عينا وقتًا واحدًا.. فهما كالبينتين إذا تعارضتا، وفيهما قولان:
أحدهما: يسقطان، والثاني يستعملان.
فإن قلنا: إنهما يسقطان.. توضأ بما شاء منهما؛ لأنه لم تثبت نجاسة واحد منهما. وقال الصيدلاني: يجتهد فيهما، وليس بشيء.
وإن قلنا: إنهما يستعملان.. ففي استعمال البينتين ثلاثة أقوال:
أحدهما: القسمة. والثاني: الوقف. والثالث: القرعة.
والإناءان لا يمكن القسمة فيهما؛ لأنه يؤدي إلى استعمال النجس منهما، فسقط هذا القول فيهما.
وأما القولان الآخران: فاختلف أصحابنا فيهما:
فقال الشيخ أبو إسحاق: يريقهما، أو يصب أحدهما في الآخر، ثم يتيمم.
وقال ابن الصباغ: يوقفان، فيدعهما، ويتيمم، ويصلي ويعيد.
وقال
صاحب " المذهب ": هل يقرع بينهما، على قول القرعة؟ فيه وجهان. ولا فرق بين
أن يستوي المخبرون في الإناءين، أو يكون في أحد الإناءين واحد، وفي الآخر
أكثر، فالكل واحد.
وإن قال رجل: إن هذا الكلب ولغ في هذا الإناء في وقت
بعينه، وقال آخر: هذا الكلب كان في ذلك الوقت في مكان آخر.. ففيه وجهان،
حكاهما الشاشي:
أحدهما: أنه طاهر؛ لتعارض الخبرين.
والثاني: أنه نجس؛ لأن الكلاب تشتبه.
وإن قال: أدخل الكلب رأسه في الإناء، ولم أعلم بولوغه.. لم يحكم بنجاسته؛ لأن الأصل عدم الولوغ.
وإن قال: أدخل رأسه، وأخرجه وعلى فيه رطوبة، ولم أعلم بولوغه.. فهل يحكم بنجاسته؟.. فيه وجهان:
أحدهما: لا يحكم بنجاسته؛ لأن الأصل عدم الولوغ.
والثاني: يحكم بنجاسته؛ لأن الظاهر: أنه ولغ فيه لخروج الرطوبة التي على فيه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: اشتباه الطاهر بالنجس]
وإن اشتبه عليه الماء الطاهر بالماء النجس، أو اشتبه الثوب الطاهر بالثوب
النجس.. جاز له التحري في ذلك، ولا فرق بين أن يكون عدد الطاهر أكثر، أو
النجس أكثر، أو كانوا سواء.
وقال المزني، وأبو ثور: (لا يتحرى في الماء ولا في الثياب).
وقال ابن الماجشون، وابن أبي سلمة: يتوضأ بأحدهما ويصلي، ثم يتوضأ بالثاني ويصلي، وكذلك في الثياب يصلي بكل واحد منهما.
وقال أبو حنيفة: (يتحرى في الثياب) كما قلنا.
وأما المياه: فإن كان عدد الطاهر أكثر، تحرى فيهما، وإن كانا سواء، أو عدد النجس أكثر.. لم يتحر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}
[الحشر: 2]، وهذا من الاعتبار، ولأنه سبب من أسباب الصلاة يمكنه التوصل
إليه بالاستدلال، فجاز له التحري فيه عند الاشتباه، كالقبلة.
فقولنا: (سبب من أسباب الصلاة) بمعنى: شرط من شروط الصلاة، وفيه احتراز ممن شك في صلاته، هل صلى ثلاثًا أم أربعا؟ فإنه لا يتحرى.
وقولنا: (يمكنه التوصل إليه بالاستدلال) احتراز من الأعمى في الاجتهاد في القبلة، أو في الإناءين، في أحد القولين.
ولأن كل ماء دخله التحري إذا كان عدد المباح أكثر.. دخله التحري وإن كان عدد المحرم أكثر، كالثياب.
إذا
ثبت هذا: فيكفيه التحري عند البغداديين من أصحابنا: هو أن ينظر إلى
الإناءين، ويميز الطاهر منهما من النجس بتغير اللون، أو الرائحة، أو
الاضطراب، أو الترشش حوله، أو بأن يرى أثر الكلب إلى أحدهما أقرب، فإذا عرف
ذلك.. غلب على ظنه نجاسة الإناء بهذه الأمارات، وطهارة الآخر لعدمها.
فأما ذوق الماء: فلا يجوز؛ لأنه ربما كان نجسًا، فلا يحل له ذوقه قبل أن يغلب على ظنه طهارته.
وأما الخراسانيون: فقالوا: هل يحتاج المجتهد إلى نوع دليل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحتاج، كما يحتاج المجتهد في الأحكام.
والثاني:
لا يحتاج، بل يكفيه أن يبني أمره على الطهارة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ظن المؤمن لا يخطئ» وهذا ليس بشيء؛ لأن الظن لا
يكون إلا عن أمارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: اشتباه نجاسة أحد الإناءين]
وإن وقعت نجاسة في أحد الإناءين واشتبها عليه، فانقلب أحدهما قبل الاجتهاد.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يتحرى في الباقي منهما؛ لأن جواز الاجتهاد قد ثبت فيه، فلم يسقط بالانقلاب.
والثاني: لا يتحرى فيه، ولكن يتيمم ويصلي؛ لأن الاجتهاد يكون بين أمرين.
والثالث: أنه يتوضأ بالثاني من غير اجتهاد؛ لأن الأصل بقاؤه على الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الاجتهاد في الإناءين المتضادين]
وإن
اجتهد في الإناءين، فلم يغلب على ظنه طهارة أحدهما، فإن أراقهما، أو صب
أحدهما في الآخر، ثم تيمم، وصلى.. صح، ولا إعادة عليه، بخلاف ما لو صب
الماء من غير عذر، وتيمم.. فإن عليه الإعادة في أحد الوجهين؛ لأن هناك لا
عذر له، وهاهنا له عذر.
وإن صب أحدهما، وترك الثاني.. فهل له أن يتوضأ
بالثاني؟ فيه وجهان – حكاهما في "الفروع" - قال: وهكذا الوجهان لو أصابت
النجاسة موضعًا من ثوبه وخفي عليه موضعها، فغسل موضعًا منه:
أحدهما:
وهو قول أبي العباس -: يجوز أن يتوضأ بالثاني، ويصلي بالثوب؛ لأنه إذا أراق
أحد الإناءين، وغسل موضعًا من الثوب.. جاز أن يكون الذي أراقه هو النجس،
والذي غسله هو الذي أصابته النجاسة، فكان الباقي كالماء والثوب المشكوك في
نجاستهما.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا يجوز له أن يتوضأ بالثاني،
ولا يصلي بالثوب؛ لأنه كان ممنوعًا من استعمالهما للنجاسة، وصار يشك في
زوالها، والأصل بقاؤها.
وإن لم يرقهما ولا أحدهما، قال ابن الصباغ: فإن
لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما.. فإن الشافعي قال: (لا يتيمم بل يخمن،
ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه من ذلك ويصلي)، ولم يذكر الإعادة.
وقال القاضي أبو الطيب: يعيد؛ لأن الماء الذي توضأ به، لم تثبت طهارته عنده بأمارة.
وقال
الشيخ أبو حامد: يتيمم، ويصلي، ويعيد. قال في "الإفصاح": إن خاف خروج
الوقت قبل فراغه من التحري.. تأخى وصلى على غالب ظنه، وأعاد؛ لأنه توضأ به
على تخمين.
وإن تيمم وصلى قبل إراقة الإناءين، أو صب أحدهما في الآخر.. فهل عليه إعادة ما صلى بالتيمم؟.. فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أحدهما: وهو الأصح -: أنه يعيد؛ لأنه صلى بالتيمم ومعه ماء طاهر بيقين.
والثاني: لا يلزمه أن يعيد؛ لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله في الشرع، فهو كما لو لم يكن معه ماء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: استحباب إراقة أحد الإناءين]
وإذا أداه اجتهاده إلى طهارة أحد الإناءين.. فالمستحب له: أن يريق الآخر؛ حتى لا يتغير اجتهاده فيما بعد.
فإن
لم يرقه وبقيت من الأول بقية، ثم حضرت صلاة أخرى وهو محدث.. قال ابن
الصباغ، والمحاملي: فعليه أن يعيد الاجتهاد ثانيًا، كما لو صلى إلى جهة
بالاجتهاد، ثم حضرت صلاة أخرى، ولعلهما أرادا على أحد الوجهين.
فإن أداه اجتهاده إلى طهارة الأول.. فلا كلام، فيستحب له أن يريق الماء النجس لكي لا يشتبه عليه ثانيًا.
وإن تيقن أن الذي توضأ به هو الطاهر.. لم يستحب له أن يريق النجس؛ لأنه ربما احتاج إليه لعطشه.
وإن
تيقن أن الذي استعمله هو النجس.. غسل ما أصابه من الماء الأول في ثيابه
وبدنه، وأعاد ما صلى بالطهارة الأولى؛ لأنه تعين له يقين الخطأ، فهو
كالحاكم إذا أخطأ النص.
وإن أداه اجتهاده إلى طهارة الثاني، ونجاسة الذي
توضأ به.. فقد روى المزني عن الشافعي: (أنه لا يتوضأ بالثاني، ولكن يتيمم،
ويصلي، ويعيد كل صلاة صلاها بالتيمم) واختلف أصحابنا فيها:
فقال أبو
العباس: هذا الذي نقله المزني لا يعرف للشافعي، والذي يجيء على قياس قول
الشافعي: أنه يتوضأ بالثاني، كما لو صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم حضرت صلاة
أخرى، وأداه اجتهاده إلى أن القبلة في غير تلك الجهة.. فإنه يصلي الصلاة
الثانية إليها، ثم كذلك الثالثة والرابعة.
وقال سائر أصحابنا: بل المذهب
ما رواه المزني، وقد رواه حرملة أيضًا عن الشافعي؛ لأنا إذا أمرناه أن
يتوضأ بالثاني.. لم يخل: إما أن نأمره أن يغسل ما أصابه من الماء الأول، أو
لا نأمره.
فإن لم نأمره بذلك.. أمرناه أن يصلي وعليه نجاسة بيقين.
وإن
أمرناه أن يغسل ما أصابه من الماء الأول.. نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد، وهذا
لا يجوز ويخالف القبلة، فإنا إذا أمرناه أن يصلي إلى الجهة الثانية.. لم
يتيقن الخطأ في الثانية، فلا يؤدي إلى نقض الاجتهاد في الأولى بالاجتهاد.
فإن قلنا بقول أبي العباس.. توضأ بالثاني، وصلى، ولا إعادة عليه.
قال
ابن الصباغ: وينبغي أن يغسل ما أصابه من الأول في غير مواضع الوضوء؛ لأن
مواضع الوضوء يطهرها الماء عن الحدث والنجس، ولا يكون ذلك نقض الاجتهاد
بالاجتهاد؛ لأنا لسنا نحكم ببطلان طهارته الأولى وصلاته فيها، وإنما أمرناه
بغسل ما غلب على ظنه نجاسته، كما أمرناه باجتناب بقية الأول، وحكمنا
بنجاسته، ولا يقال: هو نقض الاجتهاد بالاجتهاد.
وإن قلنا بالمنصوص.. فإنه يتيمم ويصلي، وهل يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم؟ ينظر فيه:
فإن كان قد بقي معه من الأول بقية يلزمه استعمالها في الطهارة أن لو كان طاهرًا.. لزمته الإعادة على المنصوص.
ومن
أصحابنا من قال: لا تلزمه الإعادة؛ لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله
بالشرع، وهذا ليس بشيء؛ لأنه صلى بالتيمم ومعه ماء طاهر بيقين.
وإن لم يبق معه من الأول شيء، أو بقي منه بقية لا يلزمه استعمالها.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا إعادة عليه؛ لأنه ليس معه ماء طاهر بيقين، بل الشرع قد منعه من استعماله.
والثاني: يلزمه الإعادة؛ لأنه صلى بالتيمم، وعنده ماء يعتقد طهارته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: اشتباه الإناء الطاهر بالنجس ومعه آخر بيقين]
وإن اشتبه عليه ماءان: طاهر ونجس، ومعه ماء ثالث يتيقن طهارته.. فهل يجوز له الاجتهاد في المشتبهين؟ فيه وجهان:
أحدهما:
وهو قول أبي إسحاق -: أنه لا يجوز له؛ لأنه يمكنه إسقاط الفرض بيقين، بأن
يتوضأ بما يتيقن طهارته، فلم يجز الرجوع إلى غلبة الظن، كما لا يجوز له
الاجتهاد في القبلة إذا أمكنه الرجوع إلى اليقين فيها.
والثاني - وهو قو
عامة أصحابنا، وهو الأصح -: أنه يجوز له الاجتهاد؛ لأنه ليس فيه أكثر من
العدول عن الماء المتيقن طهارته إلى الماء المحكوم بطهارته في الظاهر، وذلك
غير ممتنع في الطهارة، كما يجوز له أن يتوضأ من الماء القليل بحضرة البحر،
ويفارق القبلة، فإنه إذا تيقن كونها في جهة.. لم يجز أن تكون في جهة أخرى،
وهاهنا يجوز أن يكون الماءان طاهرين.
ولهذه المسألة نظائر:
منها: إذا اشتبه عليه ماء طاهر مطهر، وماء مستعمل.. هل يجوز له أن يتحرى فيهما، أو يلزمه أن يتوضأ بهما؟ على وجهين:
فإذا
أمرناه: أن يتوضأ بهما، أو اختار فعل ذلك، واحتاج إلى الاستنجاء.. فإنه
يستنجي بأحدهما، ثم يستنجي بالثاني، ثم يتوضأ بكل واحد منهما على الانفراد.
ومثلها:
إذا اشتبه عليه ماءان، في أحدهما نجاسة، وكان يعلم أنه إذا خلط أحدهما
بالآخر بلغ قلتين، وأمكنه خلطهما.. فهل يجوز له التحري فيهما، أو لا يجوز
بل يخلطهما؟ على وجهين:
فإن كان يعلم أنهما لا يبلغان قلتين، فخلطهما بعد دخول الوقت، وإمكان التحري، وتيمم وصلى.. قال الصيمري: لزمته الإعادة؛ لأنه فرط.
ويحتمل عندي وجه آخر: أنه لا إعادة عليه، مأخوذ من أحد الوجهين ممن أراق الماء بعد دخول الوقت، وتيمم وصلى.
ومثلها:
إذا اشتبه عليه ثوبان: طاهر ونجس ومعه من الماء ما يمكنه أن يغسل به
أحدهما.. فهل يجوز له التحري فيهما، أو لا يجوز بل يغسل أحدهما؟ فيه وجهان،
وعلة الوجهين ما تقدم في الأولى.
وإن اشتبه عليه ماء طهور، وماء ورد،
أو ماء شجر.. لم يتحر فيهما وجهًا واحدًا؛ لأن ماء الورد، وماء الشجر لا
أصل لهما في التطهير فيرد إليه بالاجتهاد، ولكن يتوضأ بكل واحد منهما،
ليسقط الفرض بيقين، هذا قول أصحابنا البغداديين.
وقال الخراسانيون: فيه وجهان، كالماء المطلق والمستعمل.
وإن
اشتبه عليه ماء، وبول انقطعت رائحته.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا
يجوز له التحري فيهما وجهًا واحدًا؛ لأن البول لا أصل له في التطهير فيرد
إليه بالاجتهاد.
والخراسانيون قالوا: هي على وجهين.
أحدهما: هذا.
والثاني: يتحرى فيهما، كما يتحرى في الماء الطاهر، والماء النجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: التحري في الإناءين وقت العطش]
قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/9] (إذا كان مع الرجل في
السفر إناءان: أحدهما طاهر، والآخر نجس، فاشتبها عليه وكان يخاف العطش فيما
بعد إن توضأ بالماء.. فإنه يتحرى فيهما، ويتوضأ بالذي يغلب على ظنه منهما،
ويمسك الآخر، حتى إن احتاج إليه؛ لعطشه.. شربه).
قال الشيخ أبو حامد:
وهذا صحيح؛ لأن ترك التوضؤ بالماء والعدول إلى التيمم؛ لخوف العطش فيما
بعد.. لا يجوز، وإنما يجوز ذلك إذا خاف العطش في الحال، وأما شربه للماء
النجس إذا خاف على نفسه.. فيجوز، كما يجوز أكل الميتة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: اشتباه الأطعمة]
وإن
اشتبه عليه طعام طاهر، وطعام نجس.. جاز له التحري فيهما؛ لأن أصلهما على
الإباحة، فإذا طرأت النجاسة على أحدهما، واشتبها عليه.. جاز له التحري
فيهما، كما لو اشتبه عليه ماء طاهر، وماء نجس.
وإن اشتبه عليه طعام طاهر، وطعام نجس، ومعه طعام ثالث من ذلك الجنس، يتيقن طهارته.. فهل يجوز له التحري في المشتبهين؟
قال الشيخ أبو حامد: فيه وجهان، كما قلنا في الماء.
وإن اشتبه عليه شاة ميتة بشاة مذبوحة.. فهو كما لو اشتبه عليه ماء وبول: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يتحرى فيهما وجهًا واحدًا.
والخراسانيون قالوا: فيه وجهان، وتعليلهما ما تقدم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الاشتباه على الأعمى]
وإن اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على أعمى.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يتحرى كما لا يجوز له الاجتهاد في القبلة.
فعلى هذا: يقلد بصيرًا.
والثاني: يتحرى، كما يجتهد في وقت الصلاة.
فإذا قلنا بهذا، فلم يكن له دلالة على الطاهر.. فهل له أن يقلد بصيرًا؟ فيه وجهان:
أحدهما:
ليس له ذلك؛ لأنا قد قلنا: إنه من أهل الاجتهاد، ومن كان من أهل الاجتهاد
في شيء.. لم يقلد فيه غيره، كالحاكم في الأحكام، والبصير في القبلة.
والثاني:
يقلد غيره؛ لأن الأمارة على الطاهر والنجس تتعلق بالبصر وبغيره، فإذا غلب
على ظنه طهارة أحدهما.. كان كالاجتهاد في الوقت، وإذا لم يغلب على ظنه
طهارة أحدهما.. كان كالقبلة.
فإذا قلنا: ليس له أن يقلد بصيرًا، ولم تكن
له دلالة، أو قلنا: له أن يقلد البصير، ولم يكن للبصير دلالة.. فإن
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (لا يتيمم، ولكن يخمن، ويتوضأ على أكثر
ما يقدر عليه من ذلك ويصلي) ولم يذكر الإعادة، فقال القاضي أبو الطيب: عندي
أن الإعادة واجبة عليه؛ لأنه لم يثبت عنده طهارة الماء بأمارة.
وقال الشيخ أبو حامد: يتيمم ويصلي ويعيد؛ لأنه لم يثبت عنده طهارة الماء بعلم، ولا بغلبة ظن.
قال ابن الصباغ: وما قاله القاضي أشبه بأصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما قاله الشيخ أبو حامد أقيس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الاشتباه على رجلين]
إذا
كان مع رجلين إناءان فيهما ماء: أحدهما طاهر، والآخر نجس، واشتبها عليهما،
فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى طهارة أحدهما.. توضأ كل واحد منهما بما
أداه إليه اجتهاده، ولم يجز لأحدهما أن يأتم بالآخر.
وقال أبو ثور:
(يجوز؛ لأن كل واحد منهما صلاته صحيحة) وهذا خطأ؛ لأن كل واحد منهما يعتقد
أن إمامه توضأ بالنجس، فصلاته باطلة، ولا يجوز له أن يعلق صلاته بصلاة
يعتقدها باطلة.
وإن كان هناك ثلاثة أوان، وثلاثة رجال، فإن كان فيها
طاهر ونجسان، فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء، وتوضأ به.. لم يأتم
أحدهم بالآخر على المذهب، وعليه التفريع. وإن كان فيها نجس وطاهران، وأدى
اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء وتوضأ به.. فهل يجوز لبعضهم أن يأتم
بالبعض؟ فيه وجهان:
أحدهما: حكاه المسعودي [في "الإبانة": ق \ 10] عن ابن القاص -: أنه لا يجوز؛ لأن كل واحد منهم يقول: يحتمل أن إمامي استعمل النجس.
والثاني
- وهو قول ابن الحداد وهو المشهور -: أنه يجوز؛ لأنه قد بقي هناك طاهر غير
الذي استعمله هو، فيجوز أن يكون إمامه هو الذي استعمل الطاهر، وأن النجس
استعمله غيرهما.
فعلى هذا: إذا تقدم أحدهم فصلى بهم الصبح، وتقدم آخر
وصلى بهم الظهر، وتقدم الثالث وصلى بهم العصر.. فإن صلاة الصبح صحيحة في حق
جميعهم.
وأما صلاة الظهر: فصحيحة في حق إمامها وإمام الصبح، باطلة في
حق إمام العصر؛ لأن كل إمام يقول: أنا توضأت بالطاهر، وإمام الظهر وإمام
العصر لا يخطئان إما الصبح في الاجتهاد، وكذلك إمام الصبح لا يخطئ إمام
الظهر في الاجتهاد، وأما إمام العصر فإنه يخطئ إمام الظهر في الاجتهاد؛
لأنه يقول: توضأت بطاهر، وتوضأ إمام الصبح بطاهر، فتعين النجس في حقه لإمام
الظهر.
وأما صلاة العصر: فباطلة في حق إمام الصبح وإمام الظهر؛ لما ذكرناه من التعليل، وهل تصح في حق إمامها؟ فيها وجهان:
أحدهما: وهو المشهور -: أنها صحيحة له؛ لأنه يقول: توضأت بطاهر وأحدهما بالطاهر الثاني.
والثاني
- حكاه في الفروع -: أنها باطلة في حقه؛ لأنه لما صلى خلف إمام الصبح،
وإمام الظهر.. جرى ذلك منه مجرى الشهادة لهما بالطاهرين، فتعين النجس في
حقه.
وإن كان هناك أربعة أوان، وأربعة رجال، فأدى اجتهاد كل واحد منهم
إلى طهارة إناء وتوضأ به، وتقدم كل واحد منهم، وأم الباقين في صلاة، فإن
كان فيها طاهر وثلاثة أنجاس.. لم تصح صلاة واحد منهم خلف واحد منهم على
المذهب، خلافًا لأبي ثور.
وإن كان فيها طاهران ونجسان.. لم تصح صلاة
أحدهم خلف صاحبه، على قول ابن القاص. وعلى المشهور: تصح صلاة الصبح في حق
الجميع منهم، وتصح صلاة الظهر في حق إمامها وإمام الصبح، وتبطل في حق إمام
العصر وإمام المغرب. وأما صلاة العصر والمغرب: فيبطلان في حق المؤتمين
بهما، وهل تصح صلاة كل واحدة منهما لإمامهما؟
المشهور: أنها تصح له، وعلى ما حكاه في "الفروع" لا تصح له.
وإن
كان فيها نجس وثلاثة طواهر.. لم تصح صلاة المؤتمين فيهن على قول ابن القاص
وعلى المشهور: تصح صلاة الصبح والظهر في حق جميعهم وتصح صلاة العصر في حق
إمامها وإمام الصبح وإمام الظهر، وتبطل في حق إمام المغرب، وأما صلاة
المغرب: فتبطل في حق إمام الصبح والظهر والعصر، وهل تصح في حق إمامها؟
المشهور: أنها تصح وعلى ما حكاه في "الفروع": لا تصح له.
وإن
كان هناك خمسة أوان، وخمسة رجال، فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء
فتوضأ به، وتقدم كل واحد منهم وأم الباقين في صلاة، فإن كان فيها طاهر
واحد، وأربعة أنجاس.. لم تصح صلاة المأمومين هاهنا فيما ائتموا به على
المذهب، خلافًا لأبي ثور.
وإن كان فيها طاهران، وثلاثة أنجاس، وقلنا
بقول ابن الحداد.. صحت صلاة الصبح للجميع، وصحت الظهر لإمامها وإمام الصبح،
وتبطل في حق الباقين.
وأما صلاة العصر والمغرب والعشاء: فتبطل كل واحدة في حق المؤتمين بها، وهل تبطل كل واحدة في حق إمامها؟
المشهور: أنها تصح، وعلى ما حكاه في "الفروع": لا تصح.
وإن كان فيها ثلاثة طواهر، ونجسان.. صحت صلاة الصبح والظهر للجميع.
وتصح
صلاة العصر لإمامها وإمام الصبح وإمام الظهر، وتبطل في حق إمام المغرب
والعشاء، وأما صلاة المغرب والعشاء: فتبطل كل واحدة في حق المؤتمين بها،
وهل تبطل كل واحدة في حق إمامها؟
المشهور: أنها لا تبطل. وعلى ما حكاه في "الفروع": تبطل.
وإن
كان فيها أربعة طواهر، ونجس.. صحت صلاة الصبح والظهر والعصر في حق الجميع.
وصحت صلاة المغرب في حق الجميع إلا في حق إمام العشاء، فإنها باطلة في
حقه. وأما صلاة العشاء فإنها باطلة في حق المؤتمين بها. وهل تبطل في حق
إمامها؟
المشهور: أنها لا تبطل. وعلى ما حكاه في "الفروع": تبطل.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الاشتباه في خروج الحدث]
وإن
كان هناك خمسة رجال، فظهر من بينهم حدث لا يدرى ممن ظهر، ولا يتحقق كل
واحد منهم ذلك من نفسه، فتقدم كل واحد منهم فصلى بالباقين صلاة.. فحكى
القاضي أبو الطيب: أن ابن القاص قال: لا يجوز لأحدهم أن يأتم بواحد منهم؛
لأن المحدث منهم لا يصح الاجتهاد فيه لغيره؛ لأنه لا أمارة تدل عليه، بخلاف
الآنية والثياب، فإن عليها أمارة يعرف بها الطاهر من النجس.
وقال ابن
الحداد: يجوز لبعضهم أن يصلي خلف بعض؛ لأنه قد يغلب على ظنه من خرج منه
الحدث بأمارة عنده من حال من يخرج منه بعادة يعرفها منه، وبسبب يقتضيه يدله
عليه.
فعلى هذا: حكمهم حكم خمسة أوان، إذا كان فيها نجس وأربعة طواهر،
فتصح صلاة الصبح والظهر والعصر في حق الجميع. وتصح المغرب في حق الجميع إلا
في حق إمام العشاء. وتبطل العشاء في حق الجميع إلا في حق إمامها.
وإن
خرج الحدث من بين رجلين.. لم يصح أن يأتم أحدهما بالآخر وإن خرج الحدث من
بين ثلاثة أو أربعة.. فمقيسه على الخمسة. وبالله التوفيق

يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10
.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:30 pm

]باب الآنية]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ويتوضأ في جلود الميتة، إذا دبغت) وهذا كما قال.
اختلف العلماء في جلود الميتة، هل تطهر بالدباغ؟ على ستة مذاهب.
فـالأول:
ذهب الشافعي: إلى أن جلود الميتة كلها تطهر بالدباغ إلا جلد الكلب
والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما، وبه قال علي، وابن مسعود. وهل
يطهر جلد الآدمي بالدباغ؟
قال ابن الصباغ: من أصحابنا من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال: لا يتأتى فيه الدباغ.
والثاني: قال أبو حنيفة: (تطهر جميع الجلود. وجلد الكلب، وفي جلد الخنزير ثلاث روايات:
إحداهن: يطهر، والثانية: لا يطهر، والثالثة: لا جلد له، وإنما ينبت شعره على لحمه).
و الثالث قال داود: (يطهر الجميع، وجلد الكلب والخنزير).
و الرابع قال أحمد: (لا يطهر شيء من الجلود).
و الخامس قال الأوزاعي، وأبو ثور: (يطهر جلد كل ما يؤكل لحمه، ولا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه).
و
السادس قال مالك: (يطهر ظاهر الجلد بالدباغ، ولا يطهر باطنه، فتجوز الصلاة
عليه، ولا تجوز الصلاة فيه، ويجوز الانتفاع به بعد الدباغ في الأشياء
اليابسة دون الرطبة).
دليلنا: ما وري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بشاة ميتة ملقاة لميمونة فقال النبي - صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به فقالوا:
يا رسول الله إنها ميتة، فقال: إنما حرم من الميتة أكلها».
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أيما إهاب دبغ.. فقد طهر». وهذا عام في جميع الحيوان.
وأما
جلد الكلب والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما.. فمخصوص بالقياس، وهو
أن الدباغ ليس بأقوى من الحياة، ثم الحياة لا تدفع النجاسة عن الكلب
والخنزير، فالدباغ بذلك أولى.
قال صاحب "الفروع": ولا يطهر من الجلود إلا ما يندبغ ولا يتمزق عند الدباغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: ما يدبغ به]
قال
الشافعي في "الأم" [1/8] (والدباغ بكل ما دبغت به العرب من قرظ، وشث، وما
عمل عمله مما يمكث فيه الإهاب، حتى ينشف فضوله، ويطيبه، ويمنعه الفساد إذا
أصابه الماء). وهذا كما قال. وأما (القرظ): فمعروف.
وأما الشث -بثلاث نقط -: فشجر مر الطعم، وروي: شب، وهو يشبه الزاج.
والأصل
فيه ما روي: أن رجالًا من قريش كانوا يجزون شاة ميتة، كالحمار، فقال النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه،
فانتفعتم به»؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «يطهره الماء، والقرظ» فنص على القرظ، وقسنا عليه ما عمل
عمله مثل العفص، وقشور الرمان.
قال ابن الصباغ: وإن كان الرمان، يصلح الجلد.. جاز الدباغ به.
قال الصيمري: وإنما يحكم بطهارته إذا عمل فيه الدباغ ثلاثة أشياء: إذا نشف الفضول، وطيب الريح، وبقي على ذلك في حال ما لا يستعمل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الدباغ بالشمس والتراب]
وإن دبغه بالتراب أو بالشمس، حتى استحجر.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول القاضي أبي الطيب وأبي حنيفة -: (أنه يحكم بطهارته؛ لأنه يجففه، ويطيب فضوله فهو كالقرظ).
والثاني
- وهو المنصوص، واختيار الشيخ أبي حامد -: (أنه لا يطهر؛ لأنه لا يصلحه،
فهو كما لو جفف في الهواء). قال الصيدلاني: قال الشيخ أبو إسحاق: ليس في
ذلك خلاف بينهم بل أراد الشيخ أبو حامد: إذا كان التراب أو الشمس لا يزيلان
فضول هذا الجلد. وأراد القاضي: إذا أزال فضوله، وعمل عمل القرظ.
قال ابن الصباغ: هذا يرفع الخلاف؛ لأنه لا يعمل عمل الدباغ.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الدباغ بالنجس]
فإن دبغ بماء نجس.. فهل يطهر الجلد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يطهر؛ لأن الطهارة لا تحصل بالنجس، كالطهارة عن الحدث.
والثاني:
يطهر. ولم يذكر ابن الصباغ غيره؛ لأنا لو قلنا: لا يطهر، لأدى إلى ألا
يكون له سبيل إلى تطهيره؛ لأنه لا يمكن رده غير مدبوغ.
فإذا قلنا بهذا: افتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ وجهًا واحدًا.
وإن دبغه بشيء طاهر.. فهل يفتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ؟ فيه وجهان:
أحدهما:
قال أبو إسحاق: لا يطهر، حتى يغسل؛ لأن ما يدبغ به.. ينجس بملاقاة الجلد،
فإذا زالت نجاسة الجلد.. بقيت نجاسة ما دبغ به، فوجب أن يغسل ليطهر.
والثاني: لا يفتقر إلى غسله؛ لأن طهارته تتعلق بالاستحالة، وقد حصلت، فوجب أن يحكم بطهارته، كالخمر إذا استحالت خلا.
قال ابن الصباغ: والأول أقيس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: الانتفاع بجلد الميتة]
ولا يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ ولا بيعه.
وقال الزهري: يجوز الانتفاع به قبل الدباغ.
وقال أبو حنيفة: (يجوز بيعه قبل الدباغ).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3].
وقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه،
فانتفعتم به» فعلق الانتفاع به بالدباغ، فدل على أنه لا يجوز قبله.
وأما إذا دبغ الجلد.. جاز الانتفاع به في الأشياء الرطبة واليابسة، خلافًا لمالك في الأشياء الرطبة.
ودليلنا
عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من
الميتة بإهاب ولا عصب» وهذا عام في البيع وغيره، وقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جلد الشاة الميتة: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه،
فانتفعتم به» وهذا عام في الانتفاع بالأشياء اليابسة والرطبة.
وهل يجوز بيعه؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا يجوز). وبه قال مالك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خص الانتفاع، ولم يذكر البيع.
والثاني:
قال في الجديد: (يجوز) وبه قال أبو حنيفة، وهو الصحيح؛ لأن البيع من جملة
الانتفاع، ولأنه طاهر منتفع به ليس في بيعه إبطال حق فجاز بيعه، كجلد الشاة
المذكاة.
فقولنا: (طاهر) احتراز منه قبل الدباغ.
وقولنا: (منتفع به) احتراز مما لا يؤكل من [نحو] الغراب، وما لا ينتفع به من الأعيان الطاهرة.
وقولنا: (ليس في بيعه إبطال حق) احتراز من أم الولد والوقف.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: أكل جلد الميتة بعد الدبغ]
وأما أكله بعد الدباغ، فإن كان من حيوان مأكول.. ففيه قولان:
قال في الجديد: (يجوز؛ لأنه طاهر لا يخاف من أكله، فجاز أكله، كجلد الشاة المذكاة).
وقال
في القديم: (لا يجوز). قال ابن الصباغ: وهو الصحيح؛ لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في شاة ميمونة: «إنما حرام من الميتة
أكلها».
مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع، ولأن الدباغ لو أفاد الإباحة.. لم يصح
فيما لا يؤكل لحمه، كما لا تصح الذكاة فيه، ولم يطهر بها جلده.
وإن كان
من حيوان لا يؤكل لحمه، كالبغل، والحمار.. فإن الشيخ أبا حامد، والبغداديين
من أصحابنا قالوا: لا يحل أكله قولًا واحدًا؛ لأن الدباغ ليس بأقوى من
الذكاة، ثم الذكاة فيه لا تبيح أكل جلده فكذلك الدباغ.
وقال القفال،
والقاضي أبو القاسم بن كج: هو على قولين، كجلد ما يؤكل لحمه؛ لأن الدباغ قد
طهره، كما طهر جلد ما يؤكل لحمه، فكان مثله في جواز أكله بخلاف الذكاة؛
فإنها لا تؤثر في تطهيره فلم تؤثر في إباحته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: الانتفاع بأجزاء الميتة]
روى
المزني، والربيع بن سليمان المرادي، وحرملة والبويطي عن الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أن الصوف، والشعر، والقرن، والعظم، والظلف، والظفر..
فيها روح، وتلحقها نجاسة الموت).
وأما شعر الآدمي: فإن قلنا: إن ابن آدم لا ينجس بالموت.. فشعره طاهر بكل حال.
وإن قلنا: إنه ينجس بالموت.. فعلى هذه الرواية: ينجس شعر ابن آدم بموته، وكذلك ما ينفصل من شعره في حياته.
وروى إبراهيم البلدي، عن المزني: أن الشافعي رجع عن تنجيس شعور بني آدم.
واختلف أصحابنا في ذلك: فمنهم: من لم يثبت هذه الرواية، وقال: ينجس الشعر بالموت قولًا واحدًا.
ومنهم: من أثبتها، وهو الصحيح. واختلفوا فيها:
فمنهم من قال: إنما رجع الشافعي عن تنجيس شعر بني آدم؛ لأنه ثبت عنده أن الشعر والصوف والوبر لا روح فيه، فيكون في الشعور قولان:
أحدهما:
لا روح فيها، ولا تنجس بالموت، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق،
والثوري،
والمزني، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بأس بمسك
الميتة إذا دبغ، ولا بأي بصوفها وشعرها إذا غسل بالماء»؛ ولأنه لو كان فيه
روح.. لكان نجس بالقطع، كالأعضاء.
فعلى
هذا: لا يوجد شعر نجس العين إلا شعر الكلب والخنزير، وما تولد منهما، أو
من أحدهما، وقد حكى فيه بعض أصحابنا الخراسانيين وجهًا آخر: أنه كسائر
الشعور في الطهارة على هذا.
والقول الثاني: أن الشعور تحلها الروح،
وتنجس بالموت. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح الذي به نفتي، وعليه نناظر،
وبه قال عطاء، والحسن، والأوزاعي، والليث.
ووجهه:
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شاة ميمونة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا -: «هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به» فلو جاز
الانتفاع بالشعر.. لبين، كما بين في الجلد؛ لأنه متصل بالحيوان اتصال خلقة،
فينجس بالموت كالأعضاء.
فقولنا: (اتصال خلقة) احتراز من الحمل والبيض.
وأما الخبر الأول: فرواه يوسف بن السفر، وهو ضعيف.
وقولهم: إنه لا يحس.. يبطل بما غلظ من العقب؛ ولأن النعامة تبتلع الصنجة المحماة، ولا تحس بذلك. وفيها روح.
فعلى هذا: إذا دبغ جلد الميتة، وعليه شعر، ولم ينفصل الشعر عنه.. فهل يحكم بطهارته؟ فيه قولان:
أحدهما: قاله في "الأم" [1/8] (لا يطهر؛ لأن الدباغ لا يؤثر فيه، فلم يؤثر في تطهيره).
والثاني
- رواه الربيع بن سليمان الجيزي عنه -: (أنه يطهر؛ لأنه شعر نابت على جلد
طاهر، فكان طاهرًا؛ كشعر الحيوان الطاهر في حال الحياة، أو بعد الذكاة).
ومن
أصحابنا من جعل رجوع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن تنجيس شعر بني آدم
رجوعًا عن تنجيس شعر بني آدم لا غير، فقال: ينجس شعر غير بني آدم بالموت
قولًا واحدًا، وفي شعر الآدمي، قولان:
أحدهما: ينجس بموته، كما ينجس شعر غيره بموته.
فعلى هذا: ينجس منه ما انفصل عنه في حياته أيضًا.
والثاني: لا ينجس؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].
ومن تكريمه ألا ينجس شعره، ولهذا أحل لبن ابن آدم، وإن كان غير مأكول اللحم.
فعلى هذا: يحكم بطهارته بعد موته، وبطهارة ما انفصل من شعره في حياته.
وأما
شعر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فإن قلنا: إن شعر غيره
من بني آدم طاهر.. فشعره أولى بالطهارة، وإن قلنا: إن شعر غيره من بني آدم
نجس.. ففي شعره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجهان:
أحدهما:
وهو اختيار صاحب "الفروع" -: أنه ليس بنجس؛ (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق شعره بـ: منى.. ناوله أبا طلحة، ففرقه على
الصحابة). فلو كان نجسًا.. لم يفرقه عليهم.
والثاني: أنه نجس!! وهو اختيار المحاملي؛ لأنه شعر آدمي، فكان نجسًا، كشعر غيره من الآدميين.
وأما
بول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وغائطه، ودمه:
فالبغداديون من أصحابنا قالوا: هو نجس وجهًا واحدًا، والخراسانيون قالوا:
هو على وجهين كشعره لـ: (أن أبا طيبة شرب دم النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). و (حسا ابن الزبير دمه تبركًا به - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، ولم ينكر عليه.
و (شربت أم أيمن بوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوجع كان في بطنها فبرئت).
فإذا
قلنا: إن شعر ابن آدم نجس.. فإنه يعفى عن قليله؛ لأنه لا يمكن الاحتراز
منه، فهو كدم البراغيث. قال ابن الصباغ: من أصحابنا من فسر ذلك بالشعرة
والشعرتين في الماء والثوب.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الشعر المنفصل]
إذا
قلنا: إن الشعر تحله الروح، وتلحقه نجاسة الموت، فإن جز الشعر من الحيوان
في حال الحياة، فإن كان من حيوان غير مأكول.. نجس الشعر بالانفصال؛ لأن
الجز للشعر كالذبح للحيوان، وما لا يؤكل لحمه ينجس بذبحه فكذلك شعره. وإن
كان الحيوان مأكولًا.. لم ينجس الشعر بالجز، كما لا ينجس الحيوان نفسه
بالذبح.
وإن نتف الشعر منه، فهل ينجس بذلك؟ فيه وجهان. حكاهما الشاشي. الصحيح: أنه لا ينجس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: القرن والعظم]
وأما العظم، والقرن، والظلف، والسن، والظفر.. فاختلف أصحابنا فيه:
فذهب أبو إسحاق: إلى أنه كالشعر والصوف والوبر، على ما ذكرناه؛ لأنه لا يحس ولا يألم، كالشعر.
وقال
أكثر أصحابنا: تحلها الروح، وينجس بالموت قولًا واحدًا؛ وهو الصحيح،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78 - 79].
و (الإحياء): لا يكون إلا لما كان فيه الروح، ثم فارقه؛ ولأن العظم يحس، وأطراف الأسنان يلحقها الضرس.
إذا ثبت هذا: فسئل فقيه العرب: أيتوضأ من إناء معوج؟
فقال: إن كان الماء يصيب تعويجه.. لم يجز، وإن كان لا يصيب تعويجه.. جاز.
و (الإناء المعوج): هو الإناء الذي جعل فيه العاج، وهو عظم الفيل.
وعظم
الفيل نجس.. لا يجوز بيعه، ولا استعماله في الأشياء الرطبة، ويكره
استعماله في الأشياء الجامدة، مثل الامتشاط بمشط العاج من غير رطوبة.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: اللبن في ضرع الميتة]
وإن ماتت شاة، وفي ضرعها لبن.. نجس اللبن بموتها، وبه قال مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا ينجس) وبه قال داود.
دليلنا: أنه مائع غير الماء في وعاء نجس، فكان نجسًا، كما لو حلبت في وعاء نجس.
وإن
ماتت دجاجة، وفي جوفها بيضة، فإن لم يتصلب قشرها، فهي نجسة، كاللبن، وإن
كان قد تصلب قشرها، نجس ظاهر القشر، فإذا غسلت.. طهرت، وحل أكلها. وقال علي
بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لا يحل أكلها).
دليلنا: أن البيضة مودعة في الحيوان، فلم تنجس بموت الحيوان، كالحمل إذا خرج حيًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: حكم أجزاء الحيوان بالذكاة]
وإن
ذبح حيوان يؤكل لحمه.. لم ينجس بالذبح شيء من أعضائه، وجاز الانتفاع
بلحمه، وعظمه، وشعره، وعصبه، ما لم يكن عليه نجاسة، فإن رأى شعر حيوان
مأكول اللحم، وعظمه، ولم يعلم أنه أخذ منه في حال حياته، أو بعد ذكاته، أو
بعد موته.. قال في "الفروع": حكم بطهارته؛ لأن الأصل فيه الطهارة.
وإن ذبح حيوان لا يؤكل لحمه.. نجس بذبحه، كما ينجس بموته.
وقال أبو حنيفة: (يطهر جلده بذكاته، وأما لحمه: فلا يباح). واختلف أصحابه في طهارته.
دليلنا: أنها ذكاة لا تبيح أكل اللحم، فلا يطهر بها الجلد، كذكاة المجوسي.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: أواني الذهب والفضة]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في [" الأم 1/8"] (ولا أكره في الأواني إلا الذهب والفضة).
وجملة ذلك: أن الأواني على ضربين: متخذة من جنس الأثمان، ومتخذة من غير جنس الأثمان.
فأما
المتخذة من جنس الأثمان: وهي آنية الذهب والفضة.. فيكره استعمالها للرجال
والنساء في الشراب والأكل والبخور والوضوء، وغير ذلك من وجوه الاستعمال وبه
قال مالك، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال داود، وأهل الظاهر: (لا يكره غير الشرب وحده).
دليلنا: ما وري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن استعمال أواني الذهب والفضة». ولم يفرق بين الشرب وغيره.
إذا ثبت هذا: فهل هو كراهة تنزيه، أو تحريم؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم: (يكره كراهة تنزيه لا تحريم؛ لأنه إنما نهى عن ذلك، لما
يلحق من ذلك من السرف والخيلاء وإغاظة الفقراء، وهذا لا يوجب التحريم).
والثاني:
قال في الجديد: (يكره كراهة تحريم)، وهو الصحيح؛ لما روت أم سلمة: أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذي يشرب في آنية
الفضة.. إنما يجرجر في جوفه نار جهنم». وهذا وعيد يقتضي التحريم.
و
(الجرجرة): حكاية الصوت، يقال: جرجر فلان الماء في حلقه: إذا جرعه جرعًا
متتابعًا يسمع له صوت، وجرجر الفحل في هديره: إذا ردده في شقشقته، قال
الشاعر:
وهو إذا جرجر بعد الهب ** جرجر من حنجرة كالخب.
وهامة كالمجل المنكب.
قال أصحابنا الخراسانيون: وهل يحرم استعمال آنية الذهب والفضة للزينة والفخر، أو لعين الذهب والفضة؟ فيه قولان.
وفائدة
ذلك: لو اتخذ إناء من ذهب أو فضة، وغشاه رصاصًا، فإن قلنا: حرم لأجل
الزينة والفخر.. جاز، وإن قلنا: حرم لأجل الذهب والفضة.. لم يجز.
وإن
اتخذ إناء من رصاص أو نحاس وموهه بذهب أو فضة فإن قلنا: حرم لأجل الزينة
والفخر.. لم يجز استعماله وإن قلنا: حرم لعين الذهب والفضة جاز هاهنا.
فإن
أكل من آنية الذهب والفضة، أو شرب منها، أو توضأ.. لم يحرم المأكول
والمشروب، وصح وضوؤه؛ لأن المنع لمعنى يعود إلى الإناء لا إلى ما في
الإناء، فهو كما لو توضأ بماء مغصوب، أو صلى في دار مغصوبة، بخلاف ما لو
توضأ بماء نجس، أو صلى في ثوب نجس.. فإن ذلك لا يصح؛ لأن النهي يرجع إلى
معنى في الماء والثوب.
فإن قلنا: لا يحرم استعمال أواني الذهب والفضة.. جاز اتخاذها. وإن قلنا: يحرم استعمالها.. فهل يجوز اتخاذها؟
من أصحابنا من قال: فيه وجهان.
ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن فيه إحراز المال، ولأن الشرع إنما ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ.
والثاني: لا يجوز، وهو الأصح؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه، كالملاهي.
قال
المحاملي: ولأنه لا خلاف - على مذهبنا - أن الزكاة تجب فيها، فلو كان
اتخاذها مباحًا.. لسقطت عنها في أحد القولين، كالحلي المباح.
فإذا قلنا: يجوز اتخاذها.. جاز الاستئجار على عملها. وإن كسر على غيره إناء من ذهب أو فضة.. وجب عليه ما نقصت قيمته بالكسر.
وإن قلنا: لا يجوز اتخاذها.. لم تصح الإجارة على عملها، وإن كسر على غيره إناء منها.. لم يجب عليه ضمان ما نقص بالكسر.
وأما الآنية المتخذة من غير الأثمان: فضربان: نفيس، وغير نفيس.
فأما النفيس: فما اتخذ من البلور والفيروزج، فإن قلنا: لا يحرم استعمال آنية الذهب وآنية الفضة.. فهذه أولى.
وإن قلنا: يحرم استعمال آنية الذهب والفضة.. ففي هذه قولان:
الأول روى حرملة: (أنه لا يجوز؛ لأن فيه سرفًا، فأشبه آنية الذهب والفضة).
والثاني
روى الربيع، والمزني: (أنه يجوز؛ لأن السرف فيها غير ظاهر؛ لأنه لا يعرفها
إلا خواص الناس، فلا يؤدي استعمالها إلى افتتان الناس، بخلاف آنية الذهب
والفضة).
وأما الأواني المتخذة من العود الطيب المرتفع، والكافور، والمصاعد، والعنبر.. فهل يجوز استعمالها؟
قال الشاشي: فيه قولان، كالبلور، والفيروزج.
فإذا
قلنا: يجوز استعمال هذه الآنية.. جاز اتخاذها، وإن قلنا: لا يجوز
استعمالها.. فهل يجوز اتخاذها؟ فيه وجهان، بناء على ما ذكرناه في آنية
الذهب والفضة.
أما الآنية المتخذة مما ليس بنفيس: فإن كانت صنعتها نفيسة، كالآنية المخروطة من الزجاج، وأواني الصفر المنقوش.. فهل يجوز استعمالها؟
أومأ صاحب "الفروع" فيها إلى وجهين، الصحيح: أنه يجوز.
وإن كانت صنعتها غير نفيسة، أو كان ذلك من المدر، أو ما أشبهه.. جاز استعمالها واتخاذها؛ لأنه لا سرف في ذلك.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:31 pm

[مسألة: التضبيب بالذهب والفضة]
قال الشافعي: (وأكره المضبب بالفضة؛ لئلا يكون شاربًا على فضة).
وجملة
ذلك: أن التضبيب بالذهب والفضة يبنى على استعمال آنية الذهب والفضة، فإن
قلنا بالقول القديم: (إنه لا يحرم استعمالها).. فالتضبيب بهما أولى
بالجواز. وإن قلنا بالجديد: (وأنه يحرم استعمال آنيتهما).. فهل يجوز
التضبيب بهما؟
أما
الذهب: فذكر الشيخ أبو إسحاق: أنه يحرم التضبيب به؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذهب والحرير: «هذان حرام على ذكور
أمتي، حل لإناثها».
وإن اضطر إلى الذهب.. جاز؛ لما روي: «أن
عرفجة بن أسعد أصيبت أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا ً من فضة، فأنتن، فأمره
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
وذكر المسعودي [في "الإبانة": ق \ 13]، والجويني: أنه كالتضبيب بالفضة.
وقد اختلف أصحابنا في التضبيب بالفضة، على ثلاثة أوجه:
فـالوجه
الأول: قال أبو إسحاق: إن كان التضبيب في غير شفة الإناء.. جاز؛ لأنه لا
يقع عليه الشرب، وإن كان في شفة الإناء.. لم يجز؛ لأنه يكون شاربًا عليه.
والوجه الثاني - وهو المشهور -: أن التضبيب على أربعة أضرب:
ضرب
يسير لحاجة، كحلقة القصعة، وشعيرة السكين، وضبة القصعة، وما أشبهه.. فهذا
مباح غير مكروه؛ لما روي: «أنه كان حلقة قصعة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضة»، و «قبيعة سيفه من فضة»، وكذلك ما ذكرناه من
حديث عرفجة بن أسعد: «حيث أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
ومعني قولنا: (لحاجة) أي: في موضع الحاجة، وإن قام غيرها مقامها في ذلك؛ لأن الحاجة داعية إلى الفضة نفسها.
والضرب
الثاني: كثير للحاجة.. فتكره لكثرته، ولا تحرم للحاجة. وحد الكثير: أن
يكون جزءا من الإناء كاملًا من الفضة؛ كأسفله أو جميع شفته.
والضرب الثالث: قليل لغير الحاجة.. فلا يحرم لقلته، ويكره لعدم الحاجة.
والضرب الرابع: كثير لغير حاجة.. فيحرم لعدم الحاجة.
والوجه الثالث: أنه مكروه غير محرم بحال، وهو قول أبي حنيفة.
دليلنا:
ما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«من شرب من إناء الذهب والفضة، أو إناء فيه شيء من ذلك.. فإنما يجرجر في
جوفه نار جهنم».
ولأن هذا فيه سرف وخيلاء، فأشبه الإناء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: فيما يتخذ من الذهب والفضة]
قال
المسعودي [في"الإبانة": ق \ 13] إذا اتخذ شيئًا من ذهب أو فضة، أو ربط
سنة بذلك، أو اتخذ أنفًا منهما.. جاز، والذهب أولى بالجواز؛ لأنه لا يصدأ
ولا يبلى.
فإن اتخذ إصبعًا منهما.. لم يجز؛ لأنها لا تعمل، فلم يكن إلا
مجرد الزينة. ولو اتخذ منهما أنملة.. جاز؛ لأنها تعمل بعمل الإصبع، فيمكن
تحريكها بالقبض والبسط.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: استعمال أمتعة المشركين]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا بأس بالتوضؤ من ماء مشرك، وبفضل وضوئه).
وجملة ذلك: أن المشركين على ضربين:
ضرب: لا يتدينون باستعمال النجاسة. وضرب: يتدينون باستعمال النجاسة.
فأما
الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة، كاليهود والنصارى: فما تحقق طهارته من
ثيابهم وأوانيهم.. فيجوز استعماله ولا يكره. وما تحقق نجاسته.. فلا يجوز
استعماله. وما شك فيه من أوانيهم وثيابهم.. فيكره استعماله؛ لما روى أبو
ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل الكتاب، ونأكل في آنيتهم؟ فقال
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تأكلوا في آنيتهم، إلا إن لم تجدوا عنها بدًا.. فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنا لسراويلاتهم، وما يلي أسافلهم أشد كراهية).
فإن توضأ بشيء من آنيتهم، أو صلى في شيء من ثيابهم، مما لم يتحقق نجاسته قبل الغسل.. صح.
وقال أحمد: لا يصح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة مشركة».
و
(المزادة): الراوية. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أضافه وثني، فسقاه لبنًا فشربه، ولم يأمر بغسل ما سقاه فيه».
و (توضأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ماء في جرة نصرانية).
وأما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]. فأراد: نجس الأديان، لا الأبدان والثياب والأواني.
وأما
الذين يتدينون باستعمال النجاسة، وهم المجوس؛ لأنهم يتطهرون بالبول،
ويتقربون بأرواث البقر.. فهل يجوز استعمال أوانيهم وثيابهم، التي لم تعلم
طهارتها، ولا نجاستها قبل غسلها؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق: لا
يجوز قبل غسلها. وهو قول أحمد، وإسحاق؛ لأنهم يتدينون باستعمال النجاسة،
فالظاهر من أوانيهم وثيابهم النجاسة.
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: يجوز، وهو المذهب، وبه قال مالك، وأبو حنيفة؛ لأن الأصل فيها الطهارة.
قال ابن الصباغ: وهكذا الوجهان في الطين في الطرق.
وهذا
إنما هو في آنيتهم وثيابهم التي يستعملونها. فأما أوانيهم وثيابهم التي لا
يستعملونها.. فإنها كآنية اليهود والنصارى، وقد مضى ذكرها.
ويستحب
تغطية الإناء؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أمر بتغطية الوضوء، وإيكاء السقاء». ولأنه أحوط. وبالله التوفيق.
يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:31 pm

باب السواك]

السواك غير واجب، وهو قول كافة العلماء. وقال داود وأهل الظاهر: (هو واجب).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو كان واجبًا لأمرهم به، سواء شق أو لم يشق).
إذا
ثبت أنه ليس بواجب.. فهو سنة، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل بالسواك حتى خفت أن يدردني».
وروي
عن ابن عباس أنه قال: (في السواك عشر خصال: مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة
للملائكة، مسخطة للشيطان، يذهب الحفر ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويقلل
البلغم، ويطيب الفم، وهو من السنة، ويزيد في الحسنات).
قال
أبو علي في "الإفصاح" وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: السواك يزيد في الفصاحة» وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنه قال: (السواك يجلب الرزق).
وقيل: إن السواك من الكلمات التي قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}
[البقرة: 124]. وهي عشر: (خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فاللواتي في
الرأس: السواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، وفرق الشعر، واللواتي في
الجسد: الختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وتقليم الأظافر، ونتف الإبطين).
وروي: (أن السواك كان في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
بمنزلة القلم من أذن الكاتب).
قال المسعودي: [في " الإبانة: ق \ 16"] وهل هو من سنن الوضوء؟ فيه وجهان. ويستحب عند ثلاثة أحوال:
أحدها:
عند القيام إلى الصلاة، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك». ومعناه: أن
ثواب صلاة بسواك أكثر من ثواب سبعين صلاة بغير سواك.
والثاني: عند
اصفرار الأسنان، لما روى العباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا»، و (القلح): جمع أقلح،
والقلح: صفرة الأسنان، قال الشاعر:
قد بنى اللؤم عليهم بينه ** وفشا فيهم مع اللؤم القلح.
والثالث: عند تغير الفم، وقد يتغير بالنوم، ويتغير بأكل الثوم والبصل والكراث ويتغير بالأزم، واختلفوا في الأزم:
فقيل: هو طول السكوت، ولهذا يقال: أزم الفرس على اللجام.
وقيل: هو من الجوع؛ ولهذا يقال: (نعم الدواء الأزم) يعني: الجوع.
وذكر بعض أصحابنا: أن السواك يستحب في حالين آخرين:
أحدهما: عند القيام إلى الوضوء.
والثاني: عند قراءة القرآن.
ولا يكره إلا في موضع واحد، وهو للصائم بعد الزوال.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
قال
ابن الصفار: ومعنى الخبر: أن ثواب خلوف فم الصائم أفضل عند الله من ريح
المسك؛ لأن الأشياء عند الله على خلاف حقائقها، والسواك يقطع ذلك فكره.
ويستحب أن يعود ذلك الصبيان، ليعتادوه عند بلوغهم. ويستحب أن يستاك بالأراك.
قال الصيمري: ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده.
ويستحب أن يكون عود الخلال من عود السواك، ولا يجوز السواك بما كان من المشمومات.
وبأي شيء استاك مما يزيل القلح والتغيير، كالخرقة الخشنة، أجزأه، فإن أمر أصبعه على أسنانه.. لم يجزئه.
وقال مالك: (يجزئه).
دليلنا: أن ذلك لا يسمى سواكًا، فلم يجزئه.
قال الصيمري: ويكره أن يدخل سواكه في وضوئه.
ويستحب
إذا أراد السواك ثانيًا: أن يغسله. والمستحب إذا أراد السواك: أن يبدأ
بالجانب الأيمن، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان يحب التيامن في كل شيء»، ويستحب أن يستاك عرضًا؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استاكوا عرضًا، وادهنوا غبا، واكتحلوا
وترًا».
و (الدهان الغب): أن يدهن يومًا ثم يتركه حتى يجف رأسه، ثم
يدهن؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن
الإرفاه». قال أبو عبيد: هو كثرة التدهن.
و (اكتحال الوتر): هو أن يكتحل
في كل عين ثلاثة أطراف؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكحلة يكتحل منها كل ليلة - في كل عين - ثلاثة
أطراف».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: ذكر خصال الفطرة]
قال الصيمري: وإن كانت له لحية.. فينبغي له أن يسرحها، ولا يتركها مشعانة، فإذا شابت.. غيرها بالحناء والكتم.
ويستحب أن يقلم الأظفار، ويقص الشارب، ويغسل البراجم - وهي عقد اليدين - وينتف الإبط، ويحلق العانة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]، وقد تقدم تفسيرها.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفطرة:
المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وغسل البراجم،
ونتف الإبط، والانتضاح بالماء، والختان، والاستحداد».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح».
واختلف في (الانتضاح).
فقيل: هو الاستنجاء بالماء.
وقد روي: " الانتقاص بالماء " لأنه ينتقص البول، أي: يقطعه.
وقيل: هو أن ينضح فرجه بالماء بعد فراغه من الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: حكم الختان]
ويجب الختان في حق الرجال والنساء.
وقال أبو حنيفة: (هو سنة في حق الجميع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، فأمر الله نبيه باتباع ملة إبراهيم.
وروي:
«أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختتن بالقدوم». وهو
مقيل له، أي: كان ينزل به. وقيل: هي قرية بالشام، وقيل: هو الفأس.
وروي:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم عطية - وكانت
تختن النساء -: «أشمي، ولا تنهكي»، وروي: «اخفضي ولا تنهكي.. فإنه أسرى
لوجهها، وأحظى لها عند زوجها».
فقوله: " أشمي " أي: خذي قليلًا، وقوله: " لا تنهكي "، أي يعني: ولا تستقصي في القطع.
والختان في الرجل: هو أن تقطع الجلدة التي فوق الحشفة، حتى تنكشف جميعها. وفي المرأة: أن تقطع الجلدة التي فوق مدخل الذكر.
ويستحب
أن يفعل ذلك يوم السابع من ولادته، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختن الحسن والحسين يوم السابع»، ولأنه أسهل.
وأما
وقت وجوبه: فلا يجب على الصبي حتى يبلغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على
الصبي، كالصلاة، فإذا بلغ.. أُمر بالختان، فإن امتنع.. أجبره السلطان.
وهل يجب ذلك على الولي، أن يفعله بالصبي قبل بلوغه؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي أبو الفتوح:
أحدهما: قال الصيدلاني، وأبو سليمان المروزي: يجب عليه، فإذا لم يفعله الولي حتى بلغ الصبي.. عصى الولي.
والثاني: قال سائر أصحابنا: لا يجب على الولي.
فإن
كان هناك خنثى مشكل: قال القاضي أبو الفتوح: وجب عليه ختان الفرجين؛ لأن
أحدهما أصلي يجب ختانه، والآخر زائد لا يجب ختانه، فوجب ختانهما ليسقط
الفرض باليقين.
فإن قلتم: كيف أوجبتم قطعها، وإنما يجب عليه قطع أحدهما؟
قلنا:
لأنه لما لم يتمكن من الوصول إلى قطع المستحق منهما إلا بقطعها.. وجب
قطعهما، كما أن من تزوج بكرًا، لما لم يتمكن من وصوله إلى حقه إلا بإتلاف
البكارة - وهي جزء منها - كان له ذلك، ولم يلزمه لأجله ضمان، وكما أنه إذا
جبر عظمه بعظم نجس، والتحم اللحم عليه.. فإنه عليه شق الجلد واللحم؛ ليصل
إلى العظم ويخرجه.
وذكر أبو المعالي الجويني: أن رجلًا لو توسط قومًا،
ولم يجد سبيلًا إلى الخروج لكثرة الناس، فخاف أن يموت جوعًا أو عطشًا أو
ضيق نفس، ولا يجد السبيل إلى الخروج إلا بوطء بعضهم وإتلافه.. كان له ذلك!.
إذا ثبت هذا: فإن كان الخنثى صغيرًا.. ختنه الرجال والنساء إذا قلنا: يجب ختان الصغير.
وإن قلنا: لا يجب ختان الصغير.. لا يختن الخنثى الصغير؛ لأنه لا يتعين المحل فإذا بلغ.. وجب عليه الختان بلا خلاف على المذهب.
ومن الذي يتولى ذلك منه؟ ينظر فيه:
فإن كان يحسن ذلك بنفسه.. تولاه، وإن لم يقدر على ذلك لجبنه أو لقلة إحسانه.. اشترى له جارية تتولى ذلك منه.
وإن لم توجد جارية تحسن ذلك.. جاز أن يتولاه الرجال والنساء منه؛ لأن هذا موضع ضرورة، فجاز للرجال والنساء، كالطبيب.
وإن كان لرجل ذكران، فإن عرف الأصلي منهما.. وجب ختانه دون غيره.
قال صاحب "الإبانة" [ق 25 – 26] ويعرف الأصلي بالبول.
وقال
غيره من أصحابنا: يعرف بالعمل، فإن كانا عاملين، أو كان يبول منهما، وكانا
على منبت الذكر على حد السواء.. وجب ختانهما، كما قلنا في الخنثى المشكل.
وبالله التوفيق.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:32 pm

[باب نية الطهارة]
الطهارة ضربان: طهارة عن نجس، وطهارة عن حدث.
فأما الطهارة عن النجس: فلا تفتقر إلى النية في قول عامة أصحابنا.
وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 13] أن أبا العباس بن سريج قال: لا تصح من غير نية، كطهارة الحدث.
والأول
هو المشهور؛ لأن إزالة النجاسة من باب التروك، فلا تفتقر إلى النية، كما
لا يفتقر ترك الزنا والغصب إلى النية، ولا يلزم الصوم حيث افتقر إلى النية
وإن كان من باب التروك؛ لأنه ترك معتاد، فافتقر إلى النية ليتميز الترك
الشرعي عن غيره.
وأما الطهارة عن الحدث - وهو الوضوء، والغسل والتيمم -:
فلا يصح شيء من ذلك إلا بالنية. وبه قال ربيعة، ومالك، والليث، وأحمد،
وإسحاق، وداود. وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال أبو حنيفة: (يصح الوضوء، والغسل بغير نية، ولا يصح التيمم إلا بالنية).
وقال الحسن بن صالح بن حي: يصح الوضوء، والغسل، والتيمم بغير نية.
وعن الأوزاعي روايتان: إحداهما: كقول الحسن بن صالح. والأخرى: كقول أبي حنيفة.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله
ورسوله.. فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو
امرأة يتزوجها.. فهجرته إلى ما هاجر إليه».
قلنا: من الخبر ثلاثة أدلة:
أحدها:
قوله: «إنما الأعمال بالنيات» ولم يرد: أن صور الأعمال لا توجد إلا
بالنية؛ لأن صورها قد توجد من غير نية، وإنما أراد: أن حكم الأعمال لا توجد
إلا بالنية.
والثاني: قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» دليل خطابه: أن من لم ينو.. فليس له.
والثالث:
أن هذا الخبر ورد على سبب، وذلك: أن رجلًا هاجر من مكة إلى المدينة بسبب
امرأة يقال لها: أم قيس، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فقال: «إنما الأعمال بالنيات»..
" الخبر إلى آخره. فأخبر: أن الأعمال لا تكون قربة وطاعة إلى بالقصد إلى
الطاعة والقربة؛ ولأنها عبادة محضة، وطريقها الأفعال، فلم تصح من غير نية
كالصلاة.
فقولنا: (محضة) احترازًا من العدة، ومن غسل الذمية.
وقولنا: (طريقها الأفعال) احترازًا من الخطبة، والقراءة في الصلاة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع:لا تصح العبادة إلا بعد الإسلام]:
إذا توضأ الكافر أو تيمم، ثم أسلم.. لم يصح وضوؤه، ولا تيممه.
وقال أبو حنيفة: (يصح وضوؤه، دون تيممه) بناءً على أصله: أن الوضوء يصح من غير نية.
دليلنا: أن الوضوء طهارة، تستباح بها الصلاة، لم تصح من غير نية تنظر من الكافر، كالتيمم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: في النية ومحلها وزمنها وكيفيتها]
إذا ثبت وجوب النية: فالكلام فيها في أربعة فصول:
في محلها، وفي وقت استحبابها، وفي وقت وجوبها، وفي صفتها.
فأما
محلها: فالواجب أن ينوي بقلبه وهو: أن يقصد فعل ذلك بقلبه؛ لأن النية هي
القصد - تقول العرب: نواك الله بخير، أي: قصدك الله بخير، وتقول: نويت بلد
كذا، أي: قصدت إليه - إلا أن المستحب أن يقصد ذلك بقلبه، ويتلفظ به بلسانه؛
ليكون اللفظ به أعون له على خلوص القصد، فإن تلفظ به بلسانه من غير قصد في
القلب.. لم يجزئه؛ لأنه قد يتلفظ بذلك عادة، وإن قصده بقلبه، ولم يتلفظ
به.. أجزأه.
وأما وقت استحبابها: فيستحب أن ينوي ذلك أول الطهارة وهي:
عند غسل كفيه، ويستصحب ذكرها إلى آخر الوضوء؛ لتشتمل نيته على الفرائض
والسنن.
وأما وقت وجوبها: فإنه ينوي مع غسل أول جزء من الوجه، ثم يستصحب
حكم النية في باقي أعضائه، وهو: ألا ينوي قطعها ولا ما ينافيها؛ لأن الوجه
أول أعضاء الطهارة الواجبة، فأجزأه ذكر النية عنده، كالصلاة.
قال الطبري: إذا غسل كفيه، وتمضمض، واستنشق من غير نية.. لم يحصل له ثواب ذلك.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: ذهاب النية]
وإن
نوى الطهارة عند المضمضة والاستنشاق، ثم عزبت نيته - أي: انقطعت - فإن كان
قد غسل شيئًا من وجهه مع المضمضة والاستنشاق، مثل: رأس أنفه، أو ظاهر
شفتيه.. نظرت:
فإن غسل ذلك بنية غسل الوجه.. لم يؤثر انقطاع النية بعد ذلك؛ لأنها قد وجدت مع غسل أول فرض من فروض الطهارة.
وإن
غسل ذلك من وجهه لا بنية غسل الوجه.. فهل يكون حكمه حكم من غسله بنية غسل
الوجه، أو حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أحدهما: حكمه حكم من غسله بنية غسل الوجه؛ لأنه قد وجد منه غسل جزء من الوجه بنية الطهارة.
والثاني: حكمه حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؛ لأنه لم يغسل ذلك بنية غسل الوجه.
وإن عزبت نيته قبل أن يغسل شيئًا من وجهه.. فهل يجزئه شيء من ذلك؟ فيه وجهان، وحكاهما في "الفروع" قولين:
أحدهما: يجزئه؛ لأنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، فإذا عزبت النية عنده.. أجزأه كغسل الوجه.
وقولنا: (فعل) احتراز من التسمية، فإنها لو عزبت النية عندها.. لم يجزئه.
وقولنا:
(راتب في الوضوء) احتراز من الاستنجاء، فإنه ليس براتب في الوضوء، بل لو
استنجى بعد الوضوء.. كان كما لو استنجى قبله؛ ولأن الطهارة قد تخلو من
الاستنجاء.
وقولنا: (لم يتقدمه فرض) احتراز من غسل اليدين؛ لأنه لو لم ينو إلا عندهما.. لم يجزئه.
والوجه الثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن نيته عزبت قبل الفرض، فلم يجزئه، كما لو عزبت عند غسل الكف.
وما قاله الأول ينتقض بغسل الكف، فإنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، وإن عزبت النية عنده.. لم يجزئه.
وهذه طريقة أكثر البغداديين من أصحابنا: أن نيته إن انقطعت عند غسل الكف.. لم يجزئه.
وأما
المسعودي [في "الإبانة": ق \ 16]، وصاحب "الفروع" فقالا: إذا عزبت نيته
عند غسل الكف.. هل يجزئه؟ على وجهين أيضًا، كالمضمضة والاستنشاق.
قال
المسعودي [في "الإبانة" ق \ 16] وكذلك إذا عزبت نيته عند الاستنجاء، أو
عند السواك - إذا قلنا: إنهما من سنن الوضوء - فهل يجزئه ذلك؟ على وجهين،
كما لو عزبت عند المضمضة والاستنشاق.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: صفة النية]وأما صفة النية: فإن نوى رفع الحدث، أو الطهارة عن الحدث، أو الطهارة لأجل الحدث.. أجزأه؛ لأنه قد نوى المقصود.
وإن نوى الطهارة وأطلق.. فقد ذكر ابن الصباغ: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " مختصر البويطي ": (أجزأه).
قال
أصحابنا: أراد: إذا نوى الطهارة عن الحدث، فأما مع الإطلاق: فلا تجزئه
الطهارة؛ لأن الطهارة قد تقع عن حدث، أو عن نجس، فلا بد من النية لتميز
بينهما.
وإن نوى المحدث رفع الجنابة.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أصحهما: أنه لا يجزئه؛ لأنه نوى غير ما عليه.
وإن
نوى الجنب رفع الحدث عن جميع بدنه.. أجزأه، وإن نوى الحدث الأصغر.. أجزأه
عن أعضاء الطهارة. وقال في "الفروع": وقد قيل: لا معنى لهذه النية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: النية وسبب الطهارة]
وإن
نوى الطهارة لأمر لا يصح من غير طهارة، بأن ينوي الطهارة للصلاة، أو
الطواف، أو سجود التلاوة أو الشكر، أو مس المصحف.. ارتفع حدثه؛ لأن فعل هذه
الأشياء لا يصح من غير طهارة، فإذا نوى الطهارة لها.. تضمنت نيته رفع
الحدث.
وإن نوى الطهارة لفعل يصح من غير طهارة، ولا تستحب له فيه
الطهارة، كأكل الطعام، ولبس الثوب، والدخول إلى السلطان.. لم يرتفع حدثه؛
لأنه يستبيح فعل هذه الأشياء من غير طهارة، فلم تتضمن نيته لها رفع الحدث.
وإن
نوى الطهارة لأمر يصح من غير طهارة، ولكن يستحب له فيه الطهارة كقراءة
القرآن، ورواية الحديث وتدريس الفقه والاعتكاف.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرتفع حدثه؛ لأن فعل هذه الأشياء يصح من غير طهارة، فلم تتضمن نيته لها رفع الحدث، كما لو نوى الطهارة لأكل الطعام.
والثاني:
يرتفع حدثه؛ لأنه يستحب له ألا يفعل هذه الأشياء إلا وهو طاهر، فتضمنت
نيته لها رفع الحدث، كما لو نوى الطهارة للصلاة، بخلاف ما لو نوى الطهارة
لأكل الطعام.
وإن نوى غسل الجمعة.. قال ابن الصباغ: فينبغي أن يجزئه عن
الوضوء؛ لأنه مأمور به للصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «من توضأ يوم الجمعة.. فبها ونعمت، ومن اغتسل.. فالغسل أفضل». فدل على: أن الغسل ينوب مناب الوضوء.
وإن نوى رفع الحدث، والتبرد، والتنظيف.. ففيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: لا يصح؛ لأنه أشرك في النية بين القربة وغيرها.
والثاني
- وهو المنصوص -: (أنه يصح)؛ لأنه قد نوى رفع الحدث، وضم إليه ما لو لم
ينوه.. لحصل له، فوزانه من الصلاة: أن ينوي الصلاة، ودفع خصمه باشتغاله
بها.. فتصح، أو ينوي صلاة الظهر، وتحية المسجد.. فتصح، كما لو نوى الإحرام
بالحج عن الفرض، وعن دخول الحرم.
وإن فرق النية على أعضائه.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنها عبادة واحدة، فلم يصح تفريق النية على أبعاضها، كالصلاة والصوم.
والثاني: يجزئه؛ لأن تعيين النية في أثنائها لا يبطله حكم ما فعله منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: نية رفع جملة الأحداث]
وإن أحدث أحداثًا، ونوى رفع بعضها.. قال صاحب "الفروع": ارتفع الجميع.
وإن نوى رفع واحد منها، وإبقاء غيره.. فهل يصح؟ فيه أربعة أوجه:
أحدها: لا يصح وضوؤه؛ لأنه لم ينو رفع جميع الأحداث.
والثاني: أنه يصح وضوؤه، وهو الصحيح؛ لأن الأحداث تتداخل، فإذا نوى رفع واحدٍ منها.. ارتفع الجميع.
والثالث:
إن نوى رفع الحدث الأول.. ارتفع الجميع، وإن نوى غيره.. لم يصح وضوؤه؛ لأن
الذي أوجب الطهارة هو الأول فإذا نواه.. ارتفع الجميع.
والرابع - حكاه ابن الصباغ -: إن نوى رفع الحدث الأخير.. ارتفع الجميع، وإن نوى غيره.. لم يصح؛ لأنها تتداخل في الآخر منها.
وإن نوى رفع حدث بعينه ثم بان أنه غيره.. قال الصيدلاني: فالمذهب: أنه يجزئه؛ لأنه من جنسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: نية الوضوء لصلاة بعينها]
وإن
نوى بطهارته أن يصلي بها صلاة بعينها، أو أطلق.. ارتفع حدثه، واستباح به
جميع الصلوات؛ لأن ذلك يتضمن رفع حدثه. وإن نوى أن يصلي به صلاة، وألا
يصليها.. قال في "الفروع": كان ذلك متناقضًا، ولا يرتفع حدثه.
وإن نوى أن يصلي به صلاة بعينها، ولا يصلي به غيرها.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لم يصح وضوؤه؛ لأنه لم ينو نية صحيحة.
والثاني: يرتفع حدثه للصلاة التي عينها دون غيرها، اعتبارا بنيته.
والثالث:
يرتفع حدثه في حق جميع الصلوات، وهو الصحيح؛ لأنه لما نوى ليصلي به صلاة
بعينها.. ارتفع حدثه في حق الجميع، ونيته: ألا يصلي غيرها.. لا حكم لها،
فتصير كما لو نوى قطع الصلاة بعد الفراغ منها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: نية قطع الطهارة بعد الفراغ منها]
إذا فرغ من الطهارة ثم نوى قطعها.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو المشهور -: أن طهارته لا تبطل، كما لو فرغ من الصلاة، ثم نوى قطعها.
والثاني - حكاه الصيدلاني -: أن طهارته تبطل، كما لو ارتد.
وإن
غسل بعض أعضائه، ثم نوى قطع الطهارة، فإن قلنا بما حكاه الصيدلاني: أنها
تبطل، إذا نوى قطعها بعد الفراغ.. فهاهنا أولى. وإن قلنا بالمشهور: وأنها
لا تبطل فهاهنا وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: تبطل طهارته، كما لو نوى قطع الصلاة في أثنائها.
والثاني - وهو الصحيح -: أنه لا يبطل ما مضى منها قبل نية القطع؛ لأنه قد صح، فلا يبطل إلا بالحدث، كما لو فرغ منها ثم نوى قطعها.
فعلى
هذا: إن أراد تمام الطهارة قبل تطاول الفصل.. فلا بد من تجديد النية لما
بقي من أعضائه؛ لأن حكم الأولى.. قد بطل بما بقي، وإن طال الفصل.. فعلى
القولين في تفريق الوضوء.
فإن نوى رفع الحدث، فغسل وجهه ويديه، ومسح
برأسه، ثم غسل رجليه بنية التنظيف والتبرد.. لم يصح غسله لهما، وإن نوى
بغسله لهما التبرد والتنظيف ورفع الحدث.. فعلى ما مضى من الوجهين. وبالله
التوفيق.
يتبــــــــــــــــــــع
.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 89ag110
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:32 pm

[باب صفة الوضوء]

المستحب: ألا يستعين على الوضوء بغيره، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا نستعين على الوضوء بأحد».
وإن استعان بغيره نظرت:
فإن
كان بتقريب الوضوء إليه، وما أشبه ذلك.. لم يكره، وإن استعان بغيره بصب
الماء عليه جاز..؛ لما روي أن أسامة، والمغيرة، والربيع بنت معوذ بن عفراء:
«صبوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الماء، فتوضأ».
وإن وضأه غيره، ولم يوجد منه غير النية.. أجزأه عندنا.
وقال داود: (لا يجزئه).
دليلنا: أن فعله غير مستحق في الطهارة، ولهذا لو وقف تحت ميزاب أو مطر، ونوى الطهارة، وأمر الماء على أعضاء الطهارة أجزأه.
وأما قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]. فالمراد به: تحصيل الغسل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: استحباب التسمية عند ابتداء الوضوء]
ويسمي الله تعالى عند ابتداء الطهارة؛ لأن التسمية مشروعة في جميع الأعمال، فالطهارة بذلك أولى.
إذا ثبت هذا: فإنها مستحبة وغير واجبة، وهو قول ربيعة، ومالك، وأبي حنيفة.
وقال إسحاق بن راهويه: هي واجبة في الطهارة، إن تركها عامدًا.. لم تصح طهارته، وإن تركها ناسيًا.. صحت وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
وقال داود، وأهل الظاهر: (هي واجبة وشرط في الطهارة، فإن تركها عامدًا أو ناسيًا.. لم تصح طهارته).
دليلنا:
ما روي عن ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«من توضأ وذكر اسم الله تعالى عليه.. كان طهورًا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم
يذكر اسم الله عليه.. كان طهورًا لما مر عليه الماء».
فصحح
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطهارتين: وإنما جعل
الطهارة التي ذكر اسم الله عليها.. طهارة لجميع بدنه من الذنوب والتي لم
يذكر اسم الله عليها.. طهارة لما مر عليه الماء من الذنوب؛ لأن رفع الحدث
لا يتبعض.
فإن نسي التسمية في أول الطهارة.. أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ، حتى لا يخلو الوضوء من اسم الله تعالى.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: سنية غسل الكفين]
ثم
يغسل كفيه ثلاثًا؛ لأن عثمان وعليا وعبد الله بن زيد وصفوا وضوء رسول -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكلهم قالوا: «غسل كفيه ثلاثًا».
ثم
ينظر فإن قام من النوم، أو شك في نجاسة يده.. فالمستحب: ألا يغمس يده في
الإناء حتى يغسلها ثلاثًا. وإن لم يقم من النوم، ولم يشك في نجاسة يده..
فهو بالخيار بين أن يغمس يده في الإناء، وبين أن يفرغ الماء من الإناء على
يده.
وهذا كله مستحب غير واجب عندنا.
وقال الحسن: هو واجب؛ لأجل النجاسة، فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها.. نجس الماء.
وقال داود: (هو واجب تعبدًا، فإن خالف وغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها.. صار الماء مهجورًا، وليس بنجس).
وقال أحمد: (إن قام من نوم النهار.. فهو مستحب، وإن قام من نوم الليل.. فهو واجب).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
فمن قال: يجب غسل اليدين قبل الوجه.. فقد خالف ظاهر القرآن.
وروى
أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا
استيقظ أحدكم من نومه.. فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا
يدري أين باتت يده منه. وروي: أين طافت منه».
وإنما قال: «أين باتت يده منه»؛
لأن القوم كانوا يستنجون بالحجارة، وكانت بلادهم حارة، فإذا ناموا.. لم
يأمنوا أن تطوف أيديهم على الآثار التي لم تقلعها الحجارة، وفي هذا الخبر
فوائد:
منها: أن اليد تغسل ثلاثًا قبل الطهارة.
الثانية: أن ذلك مستحب؛ لأنه قال: «أين باتت يده منه» فتبين أنه احتياط للنجاسة.
الثالثة: أن النجاسة إذا وردت على ماء قليل نجسته.
الرابعة: أن الماء القليل، إذا ورد على النجاسة.. أزالها؛ لأنه حكم بطهارة اليد بإيراد بعض ماء الإناء عليها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: استحباب المضمضة والاستنشاق]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثم يغرف بيده اليمنى غرفة لفيه وأنفه).
وإنما قال: (بيمينه)؛ لأن اليمين مما يرجى أن يؤخذ بها الكتاب يوم القيامة، فقدمت في أعمال البر.
و (الغرفة) - بضم الغين - اسم للماء الذي يكون بكفه، وبفتح الغين: مصدر غرف، يغرف، غرفة.
وجملة
ذلك: أن المضمضة والاستنشاق.. مشروعان في الطهارة؛ لما روي: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم
يتمضمض، ثم يستنشق، ثم يستنثر.. إلا خرجت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء».
قال
الشافعي: (والمضمضة: أن يأخذ الماء في فمه، ويديره فيه، ثم يمجه، فإن مجه
ولم يدره في الفم.. لم يعتد به)؛ لأن القصد قطع الرائحة من الفم، وإزالة
تغيره، وهذا لا يوجد من غير إدارة. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد في "التعليق".
و
(الاستنشاق): أن يجعل الماء في أنفه، ويجذبه بنفسه إلى خياشيمه، ويستنثره.
والمستحب: أن يبالغ فيهما إلا أن يكون صائمًا.. فيرفق؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا».
وهل يسن الجمع بينهما، أو الفصل؟ فيه قولان:
أحدهما:
روى المزني: (أنه يجمع بينهما) وقد نص عليه في "الأم" [1/21]؛ لما روي:
أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد».
والثاني:
قال في " البويطي ": (يفصل بينهما) قال المحاملي: وهو الأصح؛ لما روى طلحة
بن مصرف عن أبيه عن جده قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يفصل بين المضمضة والاستنشاق»؛ ولأنه أبلغ في النظافة، وأشبه
بأعضاء الطهارة، فكان أولى.
واختلف أصحابنا في كيفية الجمع، والفصل:
فقال الشيخ أبو حامد: (الجمع): هو أن يغرف غرفة واحدة، فيتمضمض ويستنشق منها ثلاثًا، يجمع في كل مرة بينهما.
وأما (الفصل): فيغرف غرفة، فيتمضمض منها ثلاثًا، ثم يأخذ غرفة ثانية، فيستنشق منها ثلاثًا.
قال
القاضي أبو حامد المروروذي، وأبو يعقوب الأبيوردي: (الجمع) هو: أن يأخذ
غرفة فيتمضمض منها ويستنشق، ثم يأخذ غرفة ثانية يفعل بها كذلك، ثم يأخذ
غرفة ثالثة يفعل بها كذلك.
و (الفصل): أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة، وثلاث غرفات للاستنشاق.
وما
قاله الشيخ أبو حامد أشبه بكلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه قال
في الجمع: (يغرف غرفة لفيه وأنفه)، وهذا لا يوجد إلا على ما قاله الشيخ أبو
حامد، إلا أن ما ذكره القاضي أبو حامد أمكن وأثبت.
إذا ثبت هذا: فإن المضمضة والاستنشاق.. سنة في الوضوء وغسل الجنابة، وهو قول مالك.
وقال ابن أبي ليلى، وإسحاق: هما واجبان في الوضوء، والغسل.
وقال أحمد، وداود: (الاستنشاق واجب فيهما دون المضمضة).
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (هما واجبان في الغسل، سنتان في الوضوء).
دليلنا: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عشر
من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص
الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء».
فجعل
المضمضة والاستنشاق مع هذه المسنونات، فدل على أن حكم الجميع واحد، وروي:
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأعرابي: «توضأ كما أمرك الله». وليس فيما أمره الله: المضمضة والاستنشاق.
وعلى
أبي حنيفة -: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة:
«إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء». ولأنه عضو
باطن دونه حائل معتاد، فلم يجب غسله كالعين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: فرضية غسل الوجه]
ثم يغسل وجهه، وهو واجب؛ لنص الكتاب، والسنة والإجماع.
وكيف يأخذ الماء؟:
روى المزني، عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه يغرف الماء بيده).
وقال
الصيمري في " الإيضاح ": يأخذ الماء بكفيه؛ اتباعًا لرسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه لا يتمكن من غسل وجهه إلا هكذا. قال:
ويبدأ بأعلاه؛ اتباعًا للسنة، ولأنه أشرف، فبدأ به.
إذا ثبت هذا: فإن المزني قال: حد الوجه: من منابت شعر الرأس إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية، إلى ما أقبل من وجهه وذقنه.
وذكر
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "الأم" [1/21] حد الوجه، فقال:
(حده: من دون منابت شعر الرأس إلى أصول الأذنين إلى الذقن. وهو مجتمع
اللحيين).
قال الشيخ أبو حامد: وهذا هو الحد الصحيح، وما ذكره المزني فاسد من وجوه:
أحدها: أنه قال: (من منابت شعر الرأس). والوجه: إنما هو ما دون منابت شعر الرأس.
والثاني:
أنه قال: (إلى منتهى اللحية)، فإن أراد منتهى النبات.. فمنتهاه تحت الحلق،
وليس ذلك من الوجه. وإن أراد منتهى النبات طولا.. فعلى أحد القولين: لا
يجب غسله، وعلى الثاني: يجب، وليس من الوجه، وإنما هو في حكمه.
والثالث أنه قال: (إلى ما أقبل من وجهه وذقنه). فحد الوجه بالوجه، وإنما يحد الشيء بغيره.
والاعتبار
بالمنابت المعتادة، لا بمن تصلع الشعر عن ناصيته، ولا بمن نزل الشعر إلى
جبهته. هذا نقل البغداديين من أصحابنا. وذكر المسعودي [في "الإبانة": ق \
17] إذا نبت الشعر على بعض جبهته كالأغم.. فمن أين يجب الغسل؟ فيه وجهان:
أحدهما: من المنبت، وهو الأصح.
والثاني: من منحدر الرأس.
وأما
تفصيل الوجه: فـ (الجبهة) من الوجه، وهي: موضع السجود، قال الله تعالى:
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29].
و (الجبينان) من الوجه، وهما: العظمان المشرفان على الجبهة.
و
(النزعتان) من الرأس، وهما، البياض الذي انحسر عنه شعر الرأس من جانبي
مقدم الرأس، يقال: نزع الرجل، فهو أنزع، وتسمى أيضًا: الجلحة، يقال: رجل
أجلح.
و (الناصية): من الرأس.
و (الصدغان) من الرأس، وهو: الشعر الذي يتجاوز موضع الأذن، المتصل بشعر الرأس.
و (العذاران): من الوجه، وهو: الشعر الخفيف المقابل للأذن. و (البياض الذي بين العذار والأذن): من الوجه. وقال مالك: (هو من الرأس).
و (العارضان) من الوجه، وهو: الشعر الكثيف تحن العذار.
وفي موضع (التحذيف)، وهو: الشعر الذي بين ابتداء العذار والنزعة، وهو الداخل إلى الجبين من جانبي الوجه.. وجهان:
أحدهما قال أبو العباس: هو من الوجه؛ لأن العادة تحذيفه، فقد جعلوه وجهًا.
والثاني: قال أبو إسحاق: هو من الرأس وهو الصحيح؛ لأنه متصل بشعر الرأس؛ ولأن الله تعالى خلقه رأسًا، فلا يصير وجهًا بفعل الناس له.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: غسل اللحية والعارض]
إذا
كان لا شعر على لحيته أو عارضيه، بأن كان أمرد، أو (أثط): وهو الذي لم
تخلق له لحية.. فإنه يجب عليه غسل جميع الوجه الذي تقدم حده؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. وهذه المواضع تقع بها المواجهة.
وإن
كان قد نبتت على لحيته وعارضيه شعر، فإن كان الشعر خفيفًا.. وجب تخليل
الشعر، وإيصال الماء إلى البشرة؛ لأن الواجهة تقع بذلك. وإن كان شعر لحيته
وعارضيه كثيفًا.. فالمستحب له: أن يخلل الشعر، ويوصل الماء إلى البشرة؛ لما
روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته».
ولا يجب عليه التخليل.
وقال المزني: وأبو ثور: (يجب عليه التخليل، وإيصال الماء إلى البشرة).
دليلنا:
ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فغرف غرفة، فغسل به وجهه». ومعلوم أنه
بغرفة واحدة لا يصل الماء إلى باطن الشعر من اللحية مع كثافته، وقد «كان
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيف شعر اللحية»، رواه علي
بن أبى طالب في وصف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإن
كان بعض لحيته خفيفًا، وبعضها كثيفًا.. وجب عليه إيصال الماء إلى ما تحت
الخفيف، ولا يجبُ إلى ما تحت الكثيف اعتبارًا بكل واحد منهما. واختلف
أصحابنا في حد الكثيف:
فمنهم من قال (الكثيف): هو الشعر الذي لا يصل الماء إلى باطنه إلا بمشقة.
ومنهم من قال: (الكثيف): هو الشعر الذي يستر بشرة اللحية أن ترى، وهذا هو المشهور.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:33 pm

[فرع: غسل شعور الوجه]
قال
الشيخ أبو حامد: فإن نبت له شعر تحت محاجر عينيه.. وجب عليه: إيصال الماء
إلى بشرته؛ لأنه نادر، وكذا إن نبت للمرأة لحية.. وجب: إيصال الماء إلى
بشرتها وإن كان الشعر كثيفًا؛ لأنه نادر.
ويجب إيصال الماء إلى باطن الأهداب، والحاجبين، والعذارين، والشارب، وإن كان شعرها كثيفًا. واختلف أصحابنا في علته:
فمنهم من قال: لأن الشعر يخف في هذه الموضوع في الغالب، فإذا كثف.. كان نادرًا، فيلحق بالغالب. وهذا هو الصحيح.
ومنهم من قال: يجب؛ لإحاطة بياض الوجه بهذه الشعور.
وأما
(العنفقة): وهو الشعر الذي على الشفة السفلى إلى اللحية، فإن كانت منفرجة
عن اللحية.. وجب إيصال الماء إلى بشرتها وإن كانت كثيفة، كما قلنا في هذه
الشعور.
وإن كانت العنفقة متصلة بشعر اللحية، فإن قلنا: العلة في تلك
الشعور أنها خفيفة في الغالب.. وجب هاهنا أيضًا؛ لهذه العلة. وإن قلنا: إن
العلة هناك إحاطة بياض الوجه بهن.. لم يجب إيصال الماء إلى باطنها؛ لفقد
هذه العلة. قال الصيدلاني: ولو خرجت سباله عن حد الوجه.. فالمذهب: أنه يجب
غسلها، وكذلك لو كان بوجهه سلعة وخرجت عن حد الوجه.. وجب غسلها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: استرسال اللحية]
وإن
نبتت له لحيه واسترسلت، ونزلت عن حد الوجه.. وجب غسل ظاهر الشعر الذي لم
ينزل عن الوجه. وفيما نزل عن حد الوجه طولًا وعرضًا.. قولان:
أحدهما: لا يجب إفاضة الماء على ظاهره؛ لأنه شعر لا يلاقي محل الفرض، فلم يكن محلا للفرض، كطرف شعر الذؤابة.
والثاني: يجب؛ لأنه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه، فأشبه شعر الحاجب.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: لا يجب غسل داخل العينين]:
وأما إدخال الماء في العينين: فلا يجب؛ لأنه لم ينقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولًا، ولا فعلًا.
قال
الشيخ أبو حامد: وهو هيئة في الوضوء، وليس بسنة؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قال: (إنما ذكرت المضمضة والاستنشاق دون غسل العين؛ للسنة،
ولأنهما يتغيران، فيزيل الماء تغيرهما، والعين لا تتغير).
ومن أصحابنا من قال: يستحب ذلك؛ لما روي: أن ابن عمر كان يغسل عينيه حتى عمي. والأول أصح.
قال
ابن الصباغ: إلا أنه يستحب أن يمسح (مآقي العينين)، وهو: مخصرهما؛ لما
روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح المأقين»،
واحدهما: مأق، ويسمى: المؤق أيضًا، ولأنه قد يجتمع فيهما كحل أو رمص،
فيزيل ذلك، ويصل الماء إليه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: فرضية غسل اليدين]
ثم يغسل يديه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].
وروي: «أن النبي لما توضأ.. غسل يديه»، وقال لأعرابي: «توضأ كما أمرك الله».
وأجمعت الأمة على وجوب غسلهما.
ويستحب
أن يبدأ بيده اليمنى، ثم باليسرى؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأتم.. فابدؤوا بميامنكم».
فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى.. أجزاه، وبه قال عامة أهل العلم. وقال الفقهاء السبعة: لا يجزئه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. ولم يفرق.
قال
الصيمري: فإن كان هو الغاسل.. أخذ الماء بكفه، ثم أحدره إلى مرفقه مجريًا
له بكفه، وكذلك يفعل باليسرى. وإن كان غيره يصب الماء عليه.. أمره بالصب من
مرفقه إلى أطراف أصابعه، ويكون مجلس الصاب عن يساره.
ويجب إدخال المرفقين في الغسل، وهو قول كافة العلماء.
وقال زفر، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا:
ما روى جابر: «أن النبي كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان
إذا توضأ.. أمر الماء على مرفقيه». وهذا منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يخرج مخرج البيان؛ لما ورد به القرآن مجملًا.
قال المسعودي [في "الإبانة": ق \ 18] وفي (المرفق) قولان:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد.
والثاني: أنه عظم الساعد، وإنما يغسل عظم العضد تبعًا.
ومن أصحابنا من قال: المرفق: مجتمع العظمين قولًا واحدًا.
وفي المرفق لغتان: يقال: مرفق، بكسر الميم وفتح الفاء. ويقال مرفق، بفتح الميم وكسر الفاء.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: ما طال من الأظفار]
وإن كانت له أظفار قد طالت، وخرجت عن حد اليد.. فهل يجب غسل ما خرج منها من حد اليد؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كاللحية المسترسلة.
ومنهم من قال: يجب غسل ذلك قولًا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، بخلاف اللحية.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.]فرع: غسل العضو الزائد]
إذا كانت له أصبع زائدة، أو كف زائد في كفة أو ذراعه.. وجب غسلهما؛ لأنهما في محال الفرض.
وإن
كانت له يد زائدة، فإن كان أصلها في محال الفرض.. وجب غسلها مع اليد؛
لأنها في محل الفرض.. وإن كان أصلها في منكبه أو عضده، فإن كانت قصيرة لم
تحاذ شيئًا من محال الفرض.. لم يجب غسلها. وإن كان فيها شيء قد حاذى محل
الفرض.. فهل يجب غسل ما حاذى منها محل الفرض مع اليد؟ فيه وجهان، حكاهما
ابن الصباغ:
أحدهما: وهو المشهور -: أنه يجب؛ لأنه يقع عليها اسم اليد.
والثاني: لا يجب؛ لأن أصلها في غير محل الفرض، وهي تابعة له.
وما
قاله الأول من: أنه يقع عليها اسم اليد؛ يبطل بها إذا كانت قصيرة لم تحاذ
من محال الفرض، فإنه يقع عليها اسم اليد، ومع هذا فلا يجب غسلها.
وإن كان لها يدان متساويان على منكب أو مرفق.. وجب غسلهما؛ لوقوع اسم اليد عليهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الجلد المنكشط]
وإن
انكشطت منه جلدة، وتدلت من محل الفرض في اليد.. وجب غسلها مع اليد، سواء
انكشطت من محل الفرض وتدلت منه، أو انكشطت من العضد، وبلغت إلى المرفق أو
الساعد فتدلت منه؛ لأنها صارت تابعة لما نزلت منه.
وإن تدلت من العضد..
لم يجب غسلها، سواء انكشطت من العضد وتدلت منه، أو انكشطت من محل الفرض
وبلغت إلى العضد؛ لأنها صارت تابعة للعضد.
وهكذا إن انكشطت من الساعد أو
العضد، والتزقت بالآخر.. وجب غسل ما حاذى منها محل الفرض، ولا يجب غسل ما
علا العضد؛ لأن ما علا محل الفرض تابع له، فوجب غسله، وما علا العضد تابع
له، فلم يجب غسله.
وإن سقط طرفها من أحدهما والتحم بالأخرى، وبقي ما
تحتها متجافيا.. وجب غسل ما تحتها متجافيا من محل الفرض، ووجب غسل ما حاذى
محل الفرض من الجلدة وإن كان متجافيا؛ لأنه تابع له.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: العضو المبان بعضه]
وإن
كان أقطع اليد، فإن كان مقطوعًا من دون المرفق.. وجب غسل ما بقي من الساعد
مع المرفق. وإن كان مقطوعًا من فوق المرفق.. فلا فرض عليه، ويستحب له أن
يمس ما بقي.. من العضد ماء حتى لا يخلو العضو من الطهارة.
وإن كان
مقطوعًا من المرفقين.. فنقل المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا فرض
عليه)، ونقل الربيع: (أنه يجب عليه غسل ما بقي من المرفقين). واختلف
أصحابنا في ذلك:
فقال أكثر البغداديين من أصحابنا: غلط المزني في نقله، وأجاب في هذه المسألة بجواب المسألة قبلها.
ومنهم من قال: بل ما نقله المزني صحيح أيضًا، وأراد بقوله: (من المرفقين)، أي: مع المرفقين.
وقال الخراسانيون: في المسألة قولان، واختلفوا في أصل القولين:
فمنهم من قال: أصلهما القولان في المرفق:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد، وهو المشهور.
فعلى هذا: يجب عليه غسل عظم العضد.
والثاني: أن المرفق عظم الساعد.
فعلى هذا: لا يجب غسل عظم العضد.
ومنهم من قال: المرفق: هو مجتمع العظمين، وإنما هل يغسل عظم العضد تبعًا، أو قصدًا؟ وفيه قولان:
فإن قلنا: يجب غسله قصدًا.. وجب غسله هاهنا.
وإن قلنا: يجب غسله تبعًا.. لم يجب غسله هاهنا. وكل موضع قلنا: لا يجب غسله.. استحب له أن يمسه ماء؛ حتى لا يخلوا العضو من الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: شرعية استعانة الأقطع]
فإن
وجد الأقطع من يوضئه بأجرة المثل، وهو قادر عليها.. لزمه ذلك، كما يلزمه
شراء الماء بثمن المثل. وإن بذل له غيره توضيئه بغير أجرة.. قال الصيدلاني:
لزمه ذلك؛ لأن عليه التسبب إلى أداء الصلاة.
وإن لم يجد من يوضئه
بأجرة، ولا بغير أجرة.. صلى على حسب حاله، وأعاد إذا قدر، كما لو لم يجد
ماء ولا ترابًا. وإن كان معسرًا بالأجرة.. صلى على حسب حاله وأعاد؛ لأنه
نادر.
وإن توضأ، ثم قطعت يده.. لم يلزمه غسل ما ظهر عن الحدث. وكذلك لو مسح رأسه، ثم حلقه.. لم يلزمه مسح ما ظهر.
وقال
محمد بن جرير الطبري: يبطل مسح الرأس، كما يبطل مسح الخف. دليلنا: أن
الطهارة لم تتعلق بموضوع القطع، وإنما كانت متعلقة بما ظهر من اليد، وقد
غسله؛ ولأن ما ظهر ليس ببدل عما تحته، فهو كما لو غسل يده، ثم كشط جلدها.
فإن أحدث بعد ذلك.. لزمه غسل ما ظهر بالقطع. وكذلك إن حصل في بعض أعضاء الطهارة ثقب.. لزمه غسل باطنه؛ لأنه صار ظاهرًا.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: سنية تحريك الخاتم]
قال
ابن الصباغ: وإذا كان في إصبعه خاتم.. فيستحب أن يحركه مع علمه بوصول
الماء إلى ما تحته، إلا أن يكون الخاتم واسعًا، فلا يحتاج إلى التحريك؛ لما
روى أبو رافع: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ.. حرك خاتمه في أصبعه».
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: فرضية مسح الرأس]
ثم يمسح رأسه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: مسح رأسه.
وأجمعت الأمة على وجوبه. ثم الكلام فيه في ثلاثة فصول: في قدر الواجب، والمستحب، والتكرار.
فأما قدر الواجب منه.. ففيه وجهان:
أحدهما: من أصحابنا من قال: الواجب مسح ثلاث شعرات، كما قلنا في الحلق في التحلل من الإحرام.
والمذهب:
أنه لا يتقدر، بل لو مسح ما يقع عليه اسم المسح ولو بعض شعره.. أجزأه؛ لأن
الله تعالى أمر بالمسح، وأقله ما يقع عليه الاسم. هذا مذهبنا.
وقال مالك، والمزني، وأحمد - في إحدى الروايتين -: (يجب مسح جميعه).
وقال محمد بن مسلمه: إن ترك الثلث.. جاز. وهي الرواية الثانية عن أحمد. وقال بعض أصحاب مالك: إن ترك اليسير منه ناسيًا.. جاز.
وعن أبى حنيفة ثلاث روايات:
إحداهن: (الواجب مسح قدر ربعه).
والثانية: (الواجب مسح قدر الناصية).
والثالثة: (الواجب مسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. والباء: للتبعيض.
وروى المغيرة بن شعبة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
وهذا يبطل قول من أوجب مسح الكل، ويبطل التقدير الذي قدره أبو حنيفة بالربع، فإن الناصية ما بين النزعتين، وهو ما دون الربع.
أما
المستحب: فهو أن يمسح جميعه، ويجعل الماء في كفيه، ثم يرسله، ثم يضع
إبهاميه على صدغيه، وسبابتيه على مقدم رأسه، ثم يذهب بيده إلى قفاه، ثم
يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه؛ لما روي: (أن عبد الله بن زيد وصف وضوء
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوصف: أنه مسح رأسه كما
ذكرنا)؛ ولأن منابت الشعر مختلفة، ففي ذهابه يقع المسح على باطن شعر مقدم
رأسه وعلى ظاهر مؤخره، وفي رد يديه يقع على باطن مؤخره وظاهر مقدمه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: ما يقوم بدل المسح]
وإن وضع إصبعه على رأسه ولم يمرها عليه، أو قطر على رأسه ماء، أو غسل رأسه مكان المسح.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه، وهو اختيار القفال؛ لأنه لم يمسح.
والثاني: يجزئه، وهو الأصح؛ لأنه قد حصل فيه المسح وزيادة في الغسل.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: مسح المحلوق والأصلع]
فإن كان محلوقا أو أصلع، فمسح على البشرة.. أجزأه؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس.
وإن كان له شعر قد نزل عن حد الرأس، فمسح على ما نزل عن حد الرأس منه.. لم يجزئه؛ لأنه لا يقع عليه اسم الرأس.
وإن رد الشعر النازل عن حد الرأس إلى وسط الرأس، ومسح عليه هناك.. لم يجزئه أيضًا؛ لأنه كالعمامة.
وإن كان له شعر قد زايل منبته، إلا أنه لم ينزل عن حد الرأس، فمسح على ما زايل منبته.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنه مسح على شعر في غير منبته، فهو كما لو مسح على الشعر النازل عن حد الرأس.
والثاني: يجزئه، وهو المذهب؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس، فهو كما لو مسح على رؤوس الشعر الذي لم يزايل منبته.
فإذا قلنا بهذا، ولم يمسح على الشعر، بل مسح على البشرة التي تحت هذا الشعر.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال الشيخ أبو حامد: لا يجزئه؛ لأنه لم يمسح على ما برأس.
قال
ابن الصباغ: وإنما هذا يتصور أن يمسح أصول الشعر دون أعلاه، وإلا فمتى كان
تحت الشعر بشرة لا شعر عليها، وإنما عليها شعر غيرها.. جاز المسح عليها،
كما لو كانت مكشوفة.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: يجزئه؛ لأنه محل للمسح، بدليل أنه لو لم يكن عليه شعر، فمسح عليه.. أجزأه.
وإن
كان بعض رأسه محلوقًا، أو أصلع وعلى بعضه شعر لم ينزل عن منبته، فإن مسح
على المحلوق أو الأصلع.. أجزأه، وإن مسح على الشعر الذي لم ينزل عن منبته..
أجزأه؛ لأن كل واحد منهما محل للمسح، فيخير بينهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: المسح على العمامة]
فإن
كان على رأسه عمامة، ولم يرد نزعها.. فالمستحب: أن يمسح بناصيته، ويتم
المسح على العمامة؛ لما روى المغيرة بن شعبة: أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
فإن اقتصر على مسح العمامة.. لم يجزئه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وداود: (يجوز)، إلا أن أحمد والأوزاعي قالا: (إنما يجوز إذا لبسها على طهارة، كالخف).
وقال بعض أصحاب أحمد: إنما يجوز إذا كانت تحت الحنك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
[المائدة: 6]. والعمامة لا يقع عليها اسم الرأس؛ ولأنه عضو لا يلحقه
المشقة في إيصال الماء إليه.. فلم يجز المسح على حائل منفصل عنه، كالوجه
واليد.
فقولنا: (لا يلحقه المشقة في إيصال الماء إليه) احتراز من الخف والجبيرة.
وقولنا: (على حائل منفصل عنه) احتراز من مسح الشعر النابت على الرأس.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: استحباب تكرار مسح الرأس]
وأما تكرار مسح الرأس: فاختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب:
فـالأول: ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلى أن السنة: أن يمسحه ثلاثًا، كل مرة بماء جديد). وروى ذلك عن أنس، وهو قول عطاء.
والثاني:
قال الحسن، ومجاهد، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد وأبو ثور: (السنة:
أن يمسحه مرة واحدة). وهو اختيار الشيخ أبي نصر البندنيجي صاحب " المعتمد
".
و الثالث قال ابن سيرين: يمسحه مرتين، مرة فرضًا، ومرة سنة.
دليلنا: ما روى أبي بن كعب: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ مرة مرة، وقال: هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ
مرتين مرتين.. آتاه الله أجره مرتين، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا
وضوئي،
ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء خليلي إبراهيم». ولم يفرق بين الرأس وغيره؛
ولأنه أحد أعضاء الطهارة، فسن فيه التكرار، كسائر الأعضاء.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: سنية مسح الأذنين]
ثم يمسح أذنيه ظاهرهما، وباطنهما.
قال
الصيمري: وظاهرهما: مما يلي الرأس، وباطنهما: مما يلي الوجه ليس الصماخين؛
لما روى المقدام بن معدي كرب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - توضأ، فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي
أذنيه» قال صاحب "الفروع": ويدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويمر اليد مع تلك
البلة على عنقه، وقد قيل: يعود إلى الصماخين بماء.
وقد اختلف الناس في الأذنين، على خمسة مذاهب:
فـالأول:
ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: (أنهما ليستا من الوجه فلا يغسلان
معه، ولا من الرأس فلا يمسحان معه، وإنما هما عضوان منفردان، فيأخذ لهما
ماء جديدا غير الذي مسح به الرأس). وروي ذلك عن ابن عمر، والحسن، وعطاء.
والثاني: ذهب مالك، وأحمد: (إلى أنهما من الرأس، إلا أنه يأخذ لهما ماء غير الماء الذي مسح به الرأس). فوافقانا في الحكم دون الاسم.
والثالث ذهب أبو حنيفة، وأصحابه: (إلى أنهما من الرأس... فيمسحان بالماء الذي مسح به الرأس). فخالفونا في الاسم والحكم.
والرابع
قال الزهري: هما من الوجه، فيجب غسلهما مع الوجه. وحكى الشاشي: أن أبا
العباس بن سريج كان يغسل أذنيه مع الوجه، ويمسحهما مع الرأس احتياطًا. وهذا
ليس بمشهور عنه.
والخامس قال الشعبي، والحسن بن صالح، وإسحاق: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل مع الوجه، وما أدبر منهما مع الرأس فيمسح معه.
دليلنا:
ما روى عبد الله بن زيد بن عاصم ـ وليس بصاحب الأذان ـ من " التعليقة "
لعطاء: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ، فمسح
أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به رأسه»؛ ولأن كل ما لم يجز مسحه عن مسح
الرأس، انفرد بحكمه، كالجبهة.
ومسحهما: سنة غير واجب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «توضأ كما أمرك الله». ولم يأمر الله بمسحهما.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: فرضية غسل الرجلين]
ثم يغسل رجليه ـ وهو واجب ـ في قول أكثر العلماء.
وقالت الإمامية ـ من الرافضة ـ: يجب مسحهما، ولا يجزئ غسلهما.
وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين أن يغسلهما، وبين أن يمسحهما.
وقال بعض أهل الظاهر: يجب عليه أن يجمع بين غسلهما ومسحهما.
دليلنا
قولة تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:
6] بنصب قوله: (وأرجلكم)، فتكون عطفًا على الغسل.
وقراءة من قرأ بخفض (وأرجلكم)، فإنما هو جر بالجوار، لا بحكم العطف. كما قال الشاعر:
فظل طهاة اللحم من بين منضجٍ ** صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجل.
فجر: أو (قديرٍ) بالجوار مع واو العطف. وتقول العرب: (هذا جحر ضب خربٍ).
ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قالوا:
غسل رجليه، ولم يذكر أحد منهم: أنه مسحهما. وقال جابر: «أمرنا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا توضأنا أن نغسل أرجلنا».
قال
الصيمري: فإن كان هو الغاسل بنفسه، بدأ بصب الماء من أطراف أصابعه إلى
كعبيه. وإن كان غيره هو الغاسل له، صب الماء من كعبيه إلى أطراف أصابعه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الكعبان من الرجلين]
ويجب إدخال الكعبين في الغسل.
وقال زفر بن الهذيل، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. قال أهل التفسير: مع الكعبين.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويل للأعقاب من النار» يعني: التي لم يصبها الماء.
و (الكعبان): هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
وقال محمد بن الحسن، وبعض أصحاب الحديث: الكعبان: هما العظمان الناتئان في ظهر القدم موضع الشراك.
دليلنا:
قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، ولم يرد
به حد جميعهما؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: إلى الكعاب، كما قال تعالى
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
[المائدة: 6]. فدل على: أنه أراد حد الرجل الواحدة، وليس للرجل الواحدة
كعبان إلا على ما قلنا، وعلى قولهم لا يكون لها إلا كعب واحد.
وروى النعمان بن بشير قال: «أقبل
علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجهه، وقال:
أقيموا صفوفكم. فلقد رأيت الرجل منا يلصق كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه». وهذا لا يكون إلا على ما قلناه.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: وجوب تخليل الأصابع الملتوية]فإن
كانت أصابعه ملتفة لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالتخليل... وجب عليه
إيصال الماء إلى باطنها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خللوا بين أصابعكم، لا يخلل الله بينها النار».
وإن كانت منفرجة يصل الماء إليها من غير تخليل.. استحب له التخليل بينها؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبره: «وخلل بين الأصابع».
وكيفية
استحباب التخليل: أن يبدأ بخنصر رجله اليمنى، ويختمها بإبهامها، ويبدأ
بإبهام رجله اليسرى، ويختمها بخنصرها، ويكون ذلك من أسفل الرجل في باطن
القدم.
وإن خلقت أصابعه مرتتقة، فلا يجب عليه أن يفتقها.
ويستحب
له أن يغسل فوق المرفقين، وفوق الكعبين؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تأتي أمتي يوم القيامة غرًا محجلين من
آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل».

وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة. وبالله التوفيق.

يتبــــــــــــــــــــع

.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 89ag110

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:33 pm

[مسألة: تكرار الغسل في الوضوء]
والواجب في الوضوء الغسل والمسح مرة مرة، والمرتان فضيلة، والثلاث سنة، والزيادة على ذلك مكروهة.
وقال بعض الناس: الثلاث واجبة.
وقال مالك: (السنة: مرة مرة).
دليلنا: ما روى أبي بن كعب: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرة مرة، وقال: هذا
وضوء، لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ
مرتين.. آتاه الله أجره مرتين، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا وضوئي،
ووضوء الأنبياء قبلي، ووضوء خليلي إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.» ففي الخبر دليل على الفريقين. وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده: أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثًا
ثلاثًا، وقال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم».
فمعنى قوله: (فقد أساء): لمخالفته السنة إذا نقص عن الثلاث.
ومعنى قوله: (ظلم): إذا زاد عليها، يعني جاوز الحد؛ لأن الظلم: مجاوزة الحد، وهي إساءة وظلم لا تقتضي العصيان والإثم.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: وجوب الترتيب في الوضوء]
ويجب الترتيب في الوضوء مع الذكر، وهو: أن يبدأ بغسل وجهه، ثم بيديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
فإن نسي الترتيب فهل يجزئه؟ فيه قولان، كما لو نسي الفاتحة حتى ركع، الصحيح: لا يجزئه.
وذهبت
طائفة إلى: أن الترتيب ليس بواجب، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود. وبه قال
سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، والزهري، والنخعي، ومكحول. والأوزاعي،
ومالك، وأبو حنيفة، وداود، والمزني. وهو اختيار الشيخ أبي نصر في " المعتمد
".
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
قلنا: من هذه الآية أدلة:
منها قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، والفاء: للتعقيب، فمن قال: إنه يبدأ بغسل اليد، فقد خالف ظاهر القرآن.
والثاني:
أن الله تعالى، بدأ بالوجه، ثم باليد بعده، والرأس أقرب إلى الوجه، فلو
جازت البداية بالرأس لذكره بعد الوجه؛ لأنه أقرب إليه.
والثالث: أنه أدخل مسح الرأس بين غسل اليدين، وغسل الرجلين، وقطع النظير عن نظيره، فدل على: أنه قصد إيجاب الترتيب.
وروى أبي بن كعب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ
مرتبًا مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.» ولأنها عبادة
تشتمل على أفعال متغايرة في أصل وضعها، يرتبط بعضها ببعض، فوجب فيها
الترتيب، كالصلاة والحج.
فقولنا: (تشتمل على أفعال) احتراز من الخطبة، فإنها تشتمل على أقوال متغايرة، ولا يجب فيها الترتيب.
وقولنا: (متغايرة) ـ يعني: نفلا وفرضًا، ومغسولا وممسوحًا ـ احتراز من غسل الجنابة والنجاسة، والعضو الواحد في الوضوء.
وقولنا:
(في أصل وضعها) احتراز ممن وضع الجبيرة على بعض العضو، فإنه لا يجب عليه
الترتيب بين المسح على الجبيرة، وغسل الصحيح من العضو؛ لأن المسح لم يجب في
أصل وضع الطهارة على جميع الناس.
وقولنا: (يرتبط بعضها ببعضٍ) احتراز من جلد البكر وتغريبه في الزنا؛ فإنه لو تقدم التغريب على الجلد أجزأه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: استحباب الولاء]
ويوالي بين أعضائه، فإن فرق تفريقًا يسيرًا لم يضر؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
وإن فرق تفريقًا كثيرًا فهل تصح طهارته؟ فيه قولان:
الأول:
قال في القديم: (لا تصح طهارته). وبه قال عمر؛ لما روى خالد بن معدان، عن
رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا على قدمه لمعة قدر درهم، لم
يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء، والصلاة».
ولأنها
عبادة يبطلها الحدث، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة. أو عبادة يرجع إلى
شطرها مع العذر، فكانت الموالاة شرطًا فيها، كالصلاة، وفيها احتراز من
تفرقة الزكاة.
والثاني: قال في الجديد: (تصح طهارته). وبه قال ابن عمر، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. فأمر بغسل هذه الأعضاء، والأمر يقتضي إيجاد المأمور به، سواء أوجده متواليًا أو متفرقًا.
وروى ابن عمر: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ في السوق، فغسل وجهه
ويديه، ومسح برأسه فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا بماء، فمسح على خفيه
وصلى عليها».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وبين ذهابه من
السوق إلى المسجد تفريق كثير)؛ ولأنها عبادة لا يبطلها التفريق اليسير، فلم
يبطلها التفريق الكثير، كالحج، وتفرقة الزكاة. وفيه احتراز من أفعال
الصلاة.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: القولان إذا
فرق لغير عذر، فأما إذا فرق لعذر، بأن ينقلب الوضوء، فيمضي في طلبه، أو ما
أشبه ذلك، فيجوز قولا واحدًا. وهو قول مالك، والليث، وأحمد، واختاره
المسعودي [" في الإبانة " ق\19].
ومنهم من قال: القولان في الجميع، وهو نقل البغداديين من أصحابنا.
واختلف أصحابنا في حد التفريق الكثير:
فذهب
أكثرهم إلى: أن حده هو: أن يجف الماء على العضو قبل أن يغسل ما بعده، في
زمان معتدل، مع استواء الحال، ولا اعتبار بشدة الحر والريح، فإن الجفاف
يسارع فيهما، ولا بشدة البرد، فإن الجفاف يبطئ فيه. ويعتبر: استواء حال
المتوضئ، فإنه إذا كان محموما، فإن الجفاف يسارع إليه لأجل الحمى.
ومنهم من قال: التفريق الكثير: هو التطاول المتفاحش.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: عدم الموالاة بين الغسل والتيمم]
وإن فرق في الغسل والتيمم تفريقًا كثيرًا، فهل يبطل؟
قال ابن الحداد، وابن القاص: لا يبطل قولا واحدًا.
وقال أكثر أصحابنا: هو على قولين: كالوضوء، وهو الأصح.
فإذا فرق تفريقًا كثيرًا، وقلنا بقوله القديم، لزمه استئناف الطهارة، ولا كلام.
وإن قلنا بقوله الجديد، لم يلزمه استئناف الطهارة، ولكن هل يلزمه استئناف النية؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه، لأن النية قد انقطعت بطول الزمان.
والثاني: لا يلزمه.
قال ابن الصباغ: وهو الأظهر، لأن التفريق إذا جاز، لم ينقطع حكم الأول.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: ما يقال عقب الوضوء]
والمستحب:
لمن فرغ من الوضوء: أن يستقبل القبلة، ويقول ما روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من
توضأ، فأحسن وضوءه، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،
وأن محمدًا عبده ورسوله ـ صادقًا من قلبه ـ اللهم اجعلني من التوابين،
واجعلني من المتطهرين، فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أي باب
شاء».
ويقول ما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من
توضأ، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك
وأتوب إليك، كتب في رق، وطبع عليها بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة» أي: ختم بخاتم.
قال أبو علي في "الإفصاح": ويستحب له ألا ينفض يده، لما روي: أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم،
فإنها مراوح الشيطان».
قال ابن الصباغ: وقد روت ميمونة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل، فجعل ينفض يديه».
ولما فرغ الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ذكر الوضوء، قال: (وذلك أكمل الوضوء إن شاء الله).
فإن
قيل: أفتراه كان شاكا فيما ذكر؟ والمشيئة تكون في المستقبل لا في الماضي،
لا يقول الرجل: قمت إن شاء الله، وإنما يقول: أقوم إن شاء الله.
فعن ذلك جوابات:
الأول: قيل: أي ذلك أكمل الوضوء بمشيئة الله تعالى، أي: إن شاء الله تعالى أن يكون هذا أكمل الوضوء.
والثاني:
قيل: هذه الجملة مشتملة على المفروضات والمسنونات، وليس يقطع على الله
بصحة جميعها، ولا أنه على يقين من سائرها، فلهذا حسُن أن يقول: إن شاء
الله.
و الثالث قيل: لأن من الناس من خالفه في أكمل الوضوء، لأن بعضهم
يرى أن يجعل شيء من الماء فيما يلي حلقه ومؤخر الرأس، وكان ابن عمر يدخل
الماء في عينيه.
و الرابع قيل: ليس يعود إلى الأكمل، لكن تقدير الكلام:
وذلك أكمل الوضوء الذي من فعله.. حاز الفضل ورجا الثواب من الله إن شاء
الله تعالى.
و الخامس قيل: معناه المستقبل لا الماضي، أي: الذي وصفته هو الكمال فتوضؤوا كذلك إن شاء الله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: القول في تنشيف الأعضاء]
وأما
تنشيف الأعضاء من بلل الوضوء والغسل: قال أصحابنا البغداديون: فلا خلاف
أنه جائز، ولا خلاف أنه ليس بمستحب، ولكن هل يكره؟ اختلف الصحابة فيه على
ثلاثة مذاهب:
فـالأول: روي عن عثمان، وأنس وبشير بن أبي مسعود، والحسن
بن علي، أنهم قالوا: (لا بأس به في الوضوء والغسل)، وهو قول مالك، والثوري،
لما روى قيس بن سعد، قال: «أتانا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيناه
بملحفة ورسية، فالتحف بها، فرأيت أثر الورس على عكنه»، وروي «على كتفه».
والثاني: روي عن عمر: أنه كرهه في الوضوء والغسل، وبه قال ابن أبي ليلى، لما روت ميمونة، قالت: «دخل
علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوضعت له غسلا
فاغتسل، فلما فرغ ناولته المنديل، فلم يأخذه، وجعل ينفض يديه».
و الثالث قال ابن عباس: (لا بأس به في الغسل دون الوضوء).
قال
أصحابنا: وليس للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه نص، والذي يقتضيه المذهب:
أنه لا يحرم فعله، لحديث قيس بن سعد، والأولى أن يتركه، لحديث ميمونة،
ولأنه أثر عبادة، فاستحب تركها، كخلوف فم الصائم.
وقال المسعودي [في الإبانة: ق\19] هل يستحب المسح بالخرقة؟ فيه وجهان.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: واجبات وسنن الطهارة]
قال أصحابنا: الطهارة تشتمل على واجبات، ومسنونات، وهيئات.
فالواجبات:
ما كان شرطًا في الطهارة، وذلك ستة أشياء، لا خلاف فيها على المذهب، وهي:
النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين، والترتيب،
وفي السابع ـ وهو الموالاة ـ قولان.
وأما المسنونات: فكل ما كان ليس بشرط في الطهارة، ولكنه راتب فيها، وهي أشياء:
المضمضة،
والاستنشاق، وتخليل اللحية، واستيعاب مسح الرأس، ومسح الأذنين والعنق،
والدفعة الثانية والثالثة، والبداية باليمين، وفي التسمية وغسل الكفين قبل
إدخالهما في الإناء وجهان:
أحدهما: أنهما سُنَّة، والثاني: أنهما هيئة.
وأما الهيئات: فرتبتها دون رتبة المسنونات، وذلك كتخليل الأصابع، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتطويل الغرة.
ويدعو عند غسل الوجه، فيقول: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه.
وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني.
وعند غسل اليد اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، ولا تغلل يدي إلى عنقي.
وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار.
وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم.
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:33 pm

[مسألة: الشك بعد انتهاء الوضوء]
إذا فرغ من الطهارة، ثم شك: هل مسح رأسه، أو غسل عضوًا من أعضاء الطهارة؟ ففيه وجهان:
أحدهما
قال الشيخ أبو حامد: لا تأثير لهذا الشك، لأن الشك الطارئ بعد الفراغ من
العبادة لا تأثير له، كما لو فرغ من الصلاة، ثم شك: هل ترك رُكنًا منها؟
والثاني:
قال ابن الصباغ: لهذا الشك تأثير، كما لو طرأ عليه الشك في أثناء الطهارة،
ولأن الطهارة تقصد للصلاة، ولهذا: ظهور أصلها بعد الفراغ منها،
كظهوره قبل الفراغ منها، وهو الماء، ولأنا لو لم نجعل لهذا الشك تأثيرًا لأدى إلى أن يدخل في الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
ومن قال بالأول، قال: لا يمتنع ذلك، كما لو توضأ وشك: هل أحدث أم لا؟ فإنه يجوز له الدخول في الصلاة بطهارة مشكوك فيها.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الشك في الطهارتين]
وإن
توضأ عن حدث فصلى به الظهر، ثم أحدث وتوضأ، فصلى به العصر، ثم تيقن أنه
ترك مسح الرأس، في إحدى الطهارتين، ولا يعلم عينها، وجب عليه إعادة
الصلاتين، لأنه تيقن أن إحداهما لم تسقط عنه فلزمه إعادتهما، ليسقط الفرض
عنه بيقين.
وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز التفريق في الطهارة، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق استأنف الطهارة.
فلو
لم يحدث بعد الظهر، ولكن جدد الطهارة للعصر، ثم تيقن أنه ترك مسح الرأس في
إحدى الطهارتين، قال الشيخ أبو حامد: لزمه إعادة الظهر، لأنه يشك: هل
صلاها بطهارة صحيحة أو فاسدة، فلا يسقط عنه بالشك.
وأما العصر: فإن
قلنا: إن من توضأ لمندوب، مثل: قراءة القرآن، والجلوس في المسجد، أو لتجديد
الطهارة، يرتفع حدثه، لم يلزمه إعادة العصر.
وإن قلنا: لا يرتفع حدثه، أعاد العصر أيضًا، وما حكم الطهارة على هذا الوجه؟
إن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه وغسل رجليه.
وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: رفع الحدث بتجديد الوضوء]
وإن
توضأ للصبح عن حدث فصلاها، ثم جدد الطهارة للظهر فصلاها، ثم أحدث فتوضأ
للعصر فصلاها، ثم جدد الطهارة للمغرب فصلاها، ثم أحدث وتوضأ للعشاء فصلاها،
ثم تيقن أنه ترك مسح الرأس في إحدى الطهارات ولا يعرف عينها.
فإن قلنا: إن تجديد الطهارة يرفع الحدث، صحت له صلاة الظهر والمغرب، ووجب عليه إعادة الصبح والعصر والعشاء.
وإن قلنا: إن التجديد لا يرفع الحدث، أعاد جميع الصلوات.
وأما الطهارة: فإن قلنا: يجوز تفريق الوضوء، مسح رأسه، وغسل رجليه، وإن قلنا: لا يجوز التفريق، استأنف الطهارة. وبالله التوفيق.



يتبــــــــــــــــــــع



.



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 89ag110



كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10
mr.aladdin
mr.aladdin
الإدارة
الإدارة

تاريخ التسجيل : 08/10/2011
عدد المساهمات : 6509
العمر : 63
دعاءكتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Uo_ouo10

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Empty رد: كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي

مُساهمة من طرف mr.aladdin السبت 08 أكتوبر 2011, 11:34 pm

[باب المسح على الخفين]
يجوز المسح على الخفين في الوضوء، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وقالت الشيعة، والخوارج:
لا يجوز المسح على الخفين، وهو قول أبي بكر بن داود.
وروي عن مالك في ذلك روايات:
إحداهن: (يجوز المسح عليه مؤقتًا) كقول الشافعي الجديد.
الثانية: (أنه أجاز المسح عليه أبدًا) كقول الشافعي القديم.
الثالثة: (أنه يمسح عليه في الحضر دون السفر).
الرابعة: (أنه يمسح عليه في السفر دون الحضر) وهي الصحيحة عنه.
والخامسة: (أنه كره المسح على الخفين).
السادسة: رواية رواها ابن أبي ذئب عنه: (أنه أبطل المسح في آخر أيامه). كقول الشيعة.
دليلنا: ما روى بلال: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه ومسح على خفيه».
وروى المغيرة بن شعبة: «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين، فقلت: يا
رسول الله، أنسيت، لم تخلع الخفين؟ فقال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز
وجل». وهذا أمر اختيار، لا أمر إلزام.
وروي عن الحسن البصري، أنه قال: «حدثني سبعون من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه مسح على الخفين».
ولأن الحاجة تدعو إلي لبسه، وتلحقه المشقة في نزعه، فجاز المسح عليه، كالجبائر.
إذا
ثبت هذا: فإن الشيخ أبا نصر قال في " المعتمد ": غسل الرجلين أفضل من
المسح على الخفين، على قياس قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال
الشعبي، والحكم، وحماد: المسح على الخفين أفضل من الغسل، لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه».
دليلنا: أن الغسل أصل، والمسح بدل منه، فكان أفضل منه.
وأما الخبر: فإنما هو حث على ألا يترك الرخصة رغبة عنها.
ولا يجوز مسح الخفين في الغسل الواجب، كغسل الجنابة، والحيض، لما روى صفوان بن عسال المرادي: قال: «كان
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا مسافرين ـ
أو سفرًا ـ ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من
غائط أو بول، أو نوم ثم نحدث بعد ذلك وضوءًا»، ولأن الغسل يندر، فلم تدع الحاجة إلى مسح الخفين فيه.
ولا يجوز المسح على الخفين في الغسل المسنون، كغسل الجمعة والعيدين، أي: لا يحكم له بصحة الغسل، لأنه يندر، فهو كغسل الجنابة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: توقيت المسح]

روى الزعفراني: أن الشافعي قال في العراق: (يجوز المسح على الخفين من غير
توقيت)، وروي ذلك عن عمر، وابن عمر، وعائشة، وبه قال الليث.
ووجهه: ما «روي
عن أُبي بن عمارة بكسر العين، من المؤتلف والمختلف، وقال في الاستيعاب:
هو بضم العين عُمارة: أنه قال: يا رسول الله، أمسح على الخف؟ قال: نعم،
قلت: يومًا، قال: نعم، إلى أن بلغ سبعًا، قال: نعم وما بدا لك».
ولأنه مسح بالماء فلم يتوقت كمسح الرأس.
قال
الزعفراني: ورجع الشافعي عن هذا قبل رحلته من عندنا إلى مصر، وقال: (يمسح
المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن)، وبه قال علي بن أبي
طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وهو قول عطاء، وشريح، والأوزاعي، والثوري،
وأبي
حنيفة، وأصحابه، وهو الأصح، لما روى أبو بكرة: «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة
أيام ولياليهن»،
ولأن المسح على الخفين إنما أجيز لتترفه رجله، ولا حاجة بالمقيم إلى ترك
رجله في الخف فيما زاد على يوم وليلة، ولا بالمسافر فيما زاد على ثلاثة
أيام ولياليهن، بل الحاجة تدعو إلى كشفها، لتسوية لفائفه وإراحة رجله.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: ابتداء مدة المسح]
وابتداء المدة من حين بعد لبس الخفين، لا من حين اللبس، ولا من حين الطهارة بعد الحدث.
وقال الأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود: (ابتداء المدة من حين المسح).
دليلنا: ما روي في حديث صفوان بن عسال المرادي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من الحدث إلى الحدث».
ولأن زمان الحدث زمان يستباح به المسح، فكان من وقته كبعد المسح.
إذا
ثبت هذا: فأكثر ما يصلي المقيم بالمسح في الوقت خمس صلوات بغير حيلة ولا
عذر، وبالحيلة ست صلوات وهو: أن يحدث بعد اللبس بعد أن توسط وقت الظهر
ويصليها، ثم يصليها في اليوم الثاني في أول وقتها، ويمكنه أن يصلي سبع
صلوات مع الحيلة والعذر، وهو: أن يصلي في اليوم الأول الظهر في آخر وقتها
حين أحدث، ويصليها في اليوم الثاني في أول وقتها، ويقدم إليها العصر في
المطر.
وأكثر ما يمكن للمسافر أن يصلي بالمسح من صلوات في وقتها: خمس
عشرة صلاة من غير حيلة، ولا عذر، ومع الحيلة ست عشرة صلاة، وبالحيلة
والعذر: سبع عشرة صلاة، كما ذكرنا في المقيم.
وإن كان السفر معصية، لم يجز له أن يمسح ما زاد على يوم وليلة، لأنه مستفاد بالسفر، والعاصي لا يجوز له الترخص برخص المسافرين.
وهل له أن يمسح يومًا وليلة؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع"، المشهور: أنه يستبيح ذلك.

كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: شأن من مسح حضرًا ثم سافر]
وإن
لبس الخف في الحضر، ثم سافر قبل أن يحدث، ثم أحدث في السفر، فله أن يسمح
مسح مسافر، بلا خلاف، لأن ابتداء مدة المسح وابتداء فعله وجد في السفر.
وإن أحدث في الحضر، ثم سافر قبل أن يمسح، وقبل أن يخرج وقت الصلاة، ثم مسح في السفر، فإنه يمسح مسح مسافر.
وقال المزني: لا يجوز له أن يمسح مسح مسافر، بل يمسح مسح مقيم؛ لأنه قد اجتمع السفر والحضر في وقت المسح.
دليلنا: أنه سافر قبل أن يتلبس بالعبادة في وقتها، فكان الاعتبار بفعلها لا بدخول وقتها، كالصلاة.
وإن أحدث في الحضر وخرج وقت الصلاة، ثم سافر ومسح في السفر... ففيه وجهان:
أحدهما
قال أبو إسحاق: لا يستبيح مسح مسافر، بل يمسح مسح مقيم لا غير؛ لأن المقيم
لو خرج عنه وقت الصلاة في الحضر، ثم سافر، فإنه يلزمه إتمام الصلاة، كما
لو أحرم بالصلاة في الحضر، ثم سافر فإنه يلزمه أن يتم، فإذا كان خروج وقت
الصلاة عنه في الحضر بمنزلة التلبس بالصلاة في الحضر في وجوب إتمامها،
فكذلك خروج وقت الصلاة عنه في الحضر بمنزله تلبسه بالمسح في الحضر.
والثاني:
قال أبو علي بن أبي هريرة: له أن يمسح مسح مسافر. وهو الصحيح؛ لأنه سافر
قبل التلبس بالمسح، فكان له أن يمسح مسح مسافر، كما لو سافر قبل خروج وقت
الصلاة. ويخالف الصلاة، فإنه يأتي بها بعد الوقت قضاء، والمسح يأتي به أداء
في وقته.
وإن أحدث في الحضر ومسح، ثم سافر، أتم مسح مقيم لا غير، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة، والثوري: (له أن يمسح مسح مسافر).
دليلنا:
أنها عبادة تتغير بالحضر والسفر، فإذا تلبس بها في الحضر، ثم سافر كان
الاعتبار بحكم الحضر، كما لو أحرم بالصلاة في الحضر، ثم سافر.
وإن أحدث
في السفر ومسح، ثم أقام، أتم مسح مقيم لا غير، فإن أقام بعد استكمال مدة
مسح المقيم، نزع الخفين. وإن أقام قبل استكماله، كان له أن يتم مسح مقيم لا
غير.
وقال المزني: يمسح ثلث ما بقي له من المدة من حين الإقامة.
دليلنا: أنها عبادة تتغير بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر، كالصلاة.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: نية الإقامة في الصلاة]
قال
في "الأم" [1/30] (ولو مسح المسافر يوما وليلة، ثم دخل في الصلاة فنوى
الإقامة في الصلاة، بطلت صلاته)؛ لأنه قد استكمل مسح المقيم، فإذا نوى
الإقامة بطل مسحه، فبطلت صلاته.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: الشك في ابتداء المسح]
وإذا سافر، ثم شك: هل ابتدأ المسح في السفر، أو في الحضر؟
بنى
الأمر على أنه بدأ في الحضر؛ لتكون طهارته صحيحة بيقين، ولا يجوز له المسح
بعد ذلك؛ لأنه شك في إباحته. فإن ذكر بعد ذلك أنه كان ابتداء المسح في
السفر، أتم مسح مسافر.
فإن صلى بالمسح بعد يوم وليلة مع شكه، ثم تيقن
بعد ذلك أن ابتداء المسح كان في السفر، لزمه إعادة ما صلى بالشك؛ لأنه
صلاها وهو يعتقد أنه على غير طهارة، فلم يصح.
وإن شك: هل كان حدثه وقت الظهر أو وقت العصر؟
بنى الأمر على أنه كان حدثه وقت الظهر؛ ليرجع إلى اليقين.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: لا يمسح في مدة الشك]
قال الشافعي رحمة الله: (فإن تيقن أنه صلى بالمسح ثلاث صلوات، وشك: هل صلى الرابعة أم لا؟ أعاد الرابعة، وأخذ في المسح بالأكثر).
وصورتها:
أن يتيقن لابس الخف: أنه صلى العصر والمغرب والعشاء بطهارة المسح، وشك: هل
أحدث وقت الظهر، وتوضأ للظهر ومسح وصلاها أم أغفلها ولم يصلها؟
فإن عليه إعادة الظهر؛ لأنه شك: هل صلاها أم لا؟ والأصل: أنه ما صلاها حتى يعلم أنه صلاها بيقين.
وأما
المسح: فإنه يحتسب على أنه أحدث في وقت الظهر، فيكون له المسح إلى مثله من
الغد، لأن هذا يقين، وما ذاد عليه شك: هل له فيه المسح أم لا؟ والأصل: أنه
لا مسح حتى يعلم جوازه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[مسألة: وصف خف المسح]
ويجوز
المسح على كل خف صحيح، يمكن متابعة المشي عليه، وهو: التردد عليه لحوائجه،
سواء كان من جلد، أو لبد ثخين، أو خرق طبق بعضها فوق بعض، لأن الحاجة تدعو
إلى لبسه.
قال الطبري: فإن لبس خفًا من زجاج، جاز المسح عليه، وإن بدا
منه لون الرجل، وليس كمن يستر عورته بشيء من الزجاج يبدو منه لون العورة،
فإنه لا يصح؛ لأن القصد ستر العورة، وأن لا تراها أعين الناس، وذلك لا يحصل
في الزجاج. والقصد في الخف: لبس ما يمكن متابعة المشي عليه، وذلك يمكن في
الزجاج.
قال الجويني: الواجب في الخف ستر الرجل مع الكعب من الجوانب،
ومن أسفلها، ولا يجب سترها من أعلاها؛ لأن ذلك يتعذر، والواجب في العورة
سترها من أعلاها ومن الجوانب لا من أسفل؛ لأن ذلك يتعذر.
وإن لبس خفًا لا يمكنه التردد عليه في حوائجه، إما: لرقته، أو لثقله، لم يجز المسح عليه؛ لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي - صفحة 2 Arrow_top.[فرع: المسح على الخف المخرق]
وهل يجوز المسح على الخف المخرق؟ ينظر فيه:
فإن كان الخرق فوق الكعب.. جاز المسح عليه، لأن عدم ساق الخف لا يمنع من جواز المسح على الخف، فكذلك خرقه.
وإن كان الخرق في محل الفرض، فإن كان الخرق يمنع متابعة المشي عليه، لم يجز المسح عليه، لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
وإن كان الخرق لا يمنع متابعة المشي عليه.. ففيه قولان:
الأول: قال في القديم: (يجوز) لأنه خف يمكن متابعة المشي عليه، فأشبه الصحيح.
والثاني:
قال في الجديد: (لا يجوز)، وهو الصحيح، لأن ما بدا من الرجل فحكمه حكم
الغسل، وما استتر، حكمه حكم المسح، والجمع بينهما لا يجوز، كما لو بدت إحدى
الرجلين، واستترت الأخرى.
وقال مالك: (إن كبر الخرق وتفاحش، لم يجز المسح عليه، وإن كان دون ذلك، جاز المسح عليه).
وحكى الشيخ أبو حامد: أن هذا قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في القديم، والأول حكاه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ.
وقال أبو حنيفة: (إن تخرق قدر ثلاثة أصابع، لم يجز المسح عليه، وإن كان دونها، جاز المسح عليه، لأن الثلاث أكثر أصابع اليد).
دليلنا: أنه خف غير ساتر لجميع قدميه، فلم يجز المسح عليه، كما لو تخرق منه قدر ثلاثة أصابع.
وإن
بقي في الخف مخارق الإشفى ومنافذ الإبر، فإن لم يبن شيء من الرجل، أو
اللفافة، جاز المسح عليه، لأن ذلك لا يمكن الاحتراز منه، وإن كان يبين شيء
من محل الفرض من الرجل، أو من اللفافة عليها، قال صاحب "الفروع": لم يجز
المسح عليه.
قلت: وهذا إنما يكون على القول الجديد، فأما على القول القديم: فيجوز إذا كان يمكن متابعة المشي عليه.
  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

الوقت/التاريخ الآن هو السبت 11 مايو 2024, 8:07 pm