سلمان الفارسي
- قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : وهو سلمان ابن الإسلام ، أبو عبدالله
الفارسي ، سابق الفرس إلى الاسلام ، صحب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخدمه
وحدث عنه.
- وكان لبيباً حازماً ، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم.
- عن عروة بن رويم ، عن القاسم أبي عبدالرحمن حدثه قال : زارنا سلمان
الفارسي فصلى الإمام الظهر ، ثم خرج وخرج الناس ، يتلقونه كما يتلقى
الخليفة ، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر ، وهو يمشي ، فوقفنا نسلم عليه ،
فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به ، فقال : جعلت على نفسي مرتي
هذه أن أنزل على بشير بن سعد. فلما قدم ، سأل عن أبي الدرداء ، فقالوا : هو
مرابط ، فقال : أين مرابطكم ؟ قالوا : بيروت ، فتوجه قبله ، قال : فقال
سلمان : يا أهل بيروت : ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم عرض الرباط،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (رباط يوم وليلة كصيام شهر
وقيامه ، ومن مات مرابطاً أجير من قتنة القبر ، وجرى له صالح عمله إلى يوم
القيامة).
- عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلاً فارسياً من أهل
أصبهان ، من أهل قرية منها يقال لها : جيّ ، وكان أبي دهقانها. وكنت أحب
خلق الله إليه ، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسنى في بيته كما تحبس الجارية ،
فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.
وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوماً ، فقال لي : يا بني إني
شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب فاطلعها ، وأمرني ببعض ما يريد.
فخرجت ، ثم قال : لا تحتبس علي ، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي
، وشغلتني عن كل شيء من أمري. فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس
النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس
أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم ،و سمعت أصواتهم ، دخلت إليهم أنظر ما
يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبني صلواتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله
خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، وتركت
ضيعة أبي ولم آتها ، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا: بالشام.
قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال
: أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبة مررت بناس
يصلون في كنسية لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى
غربت الشمس. قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه.
قلت : لا والله إنه لخير من ديننا. قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيداً ،
ثم حبسني في بيته ، قال : وبعثت إلى النصارى فقلت : إذا قدم عليكم ركب من
الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم. فقدم عليهم ركب من الشام. قال :
فأخبروني بهم ، فقلت : إذا قضوا حوائجهم ، وأرادوا الرجعة ، فأخبروني. قال :
ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. فلما
قدمتها ، قلت : من أفضل أهل هذا الدين ، قالوا : الأسقف في الكنيسة. فجئته ،
فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ،
وأتعلم منك ، وأصلي معك. قال : فادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم
بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه منهاشيئاً ، اكتنزه لنفسه ، ولم
يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، فأبغضته بغضاً شديداً لما
رأيته يصنع. ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا
رجل سوء يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها ، فإذا جئتم بها ، كنزها لنفسه ،
ولم يعط المساكين ، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة ، فلما رأوها قالوا :
والله لا ندفنه أبداً.
فصلبوه ثم رموه بالحجارة. ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه ، فما رأيت رجلاً أرى
أنه أفضل منه ، أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلاً
ونهاراً ، ما أعلمني أحببت شيئاً قط قبله حبه ، فلم أزل معه حتى حضرته
الوفاة ، فقلت : يا فلان ! قد حضرك ما ترى من أمر الله ، وإني والله ما
أحببت شيئاً قط حبك ، فماذا تأمرني وإلى من توصني ؟ قال لي : يا بني والله
ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل ، فائته ، فإنك ستجده على مثل حالي.
فلما مات وغيب ، لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها ، فوجدته على مثل حاله من
الاجتهاد والزهد. فقلت له : إن فلاناً أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. قال :
فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة. فقلت له :
إن فلاناً أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟
وما تأمرني به ؟ قال : والله ما أعلم ، أي بني ، إلا رجلاً بنصيبين.
فلما دفناه لحقت بالآخر ، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت ، فأوصى
بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم ، فأتيته فوجدته مثل حالهم ، واكتسبت حتى
كان لي غنيمة وبقيرات.
ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي ؟ قال : أي بني ! والله ما أعلمه بقي أحد
على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم ،
مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل ، وإن فيه علامات لا تخفى ، بين
كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فإن استطعت أن تخلص إلى
تلك البلاد فافعل ، فإنه قد أظلك زمانه.
فلما واريناه ، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب ، فقلت لهم :
تحملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه ؟ قالوا : نعم.
فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ، ظلموني ، فباعوني
عبداً من رجل يهودي بوادي القرى. فوالله لقد رأيت النخل ، وطمعت أن يكون
البلد الذي نعت لي صاحبي.
وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي ،
فخرج بي حتى قدمنا المدينة. فوالله ماهو إلا أن رأيتها ، فعرفت نعتها.
فأقمت في رقي ، وبعث الله نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بمكة لا يذكر لي شيء
من أمره مع ما أنا فيه من الرق ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قباء ، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له ، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له ،
فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون
على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فو الله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العُرَواء – يقول الرعدة – حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ونزلت أقول : ما هذا الخبر ؟
فرفع مولاي يده فكلمني لكمة شديدة ، وقال : مالك ولهذا ، أقبل على عملك. فقلت : لا شيء ، إنما سمعت خبراً ، فأحببت أن أعلمه.
فلما أمسيت ، وكان عندي شيء من طعام ، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وهو بقباء ، فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن معك أصحاباً
لك غرباء ، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد ، فهاك
هذا ، فكل منه.
قال : فأمسك ، وقال لأصحابه : كلوا. فقلت في نفسي : هذه خلة مما وصف لي صاحبي.
ثم رجعت ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجمعت شيئاً
كان عندي ثم جئته به فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية. فأكل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلتان.
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة علي شملتان لي وهو في
أصحابه ، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف. فلما رآني
استدبرته عرف أني أتثبت في شي وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى
الخاتم فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي.
فقال لي : تحول : فتحولت ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. ثم
قال رسول الله : كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة أحييها له
بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
(أعينوا أخاكم) فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية – الودي : صغار
الفسيل- ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، حتى اجتمعت الرجل بثلاثين
ودية ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، حتى اجتمعت ثلاث مئة ودية. فقال
: (اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي )
ففقرت لها وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت منها جئته وأخبرته ، فخرج معي
إليها نقرب له الوديّ ، ويضعه بيده ، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منه
ودية واحدة. فأديت النخل ، وبقي علي المال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال : ((ما فعل الفارسي
المكاتب))؟ فدعيت له ، فقال : ((خذها فأد بها ما عليك)) قلت : وأين تقع هذه
يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك. فأخذتها فوزنت
لهم منها أربعين أوقية ، وأوفيتهم حقهم وعتقت ، فشهدت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، الخندق حراً ، ثم لم يفتني معه مشهد.
- عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر فقالوا :
ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبوبكر تقولون هذا لشيخ
قريش وسيدها ! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال : ((يا أبا
بكر ! لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)) فأتاهم أبوبكر فقال
: يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا يا أبابكر ، يغفر الله لك.
- عن أبي البختري قال : قيل لعلي : أخبرنا عن اًصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم؟ قال : عن أيهم تسألون ؟ قيل : عن عبدالله ، قال : علم القرآن والسنة
ثم انتهى ، وكفى به علماً عجز عنه. قالوا : أبو موسى ؟ قال صبغ في العلم
صبغة ، ثم خرج منه. قالوا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين.
قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ، بحر لا يدرك قعره
، وهو منا أهل البيت. قالوا : فأنت يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت إذا سألت
أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.
- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، تلا هذه الآية : (وإن تتولوا
يستبدل قوماً غيركم). قالوا: يا رسول الله ! من هؤلاء ؟ قال : فضرب على
فخذ سلمان الفارسي ثم قال : (هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله
رجال من الفرس).
- عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبدالله ، فدخلا على
سلمان في خص فسلما وحيياه ، ثم قالا : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال : لا أدري. فارتابا قال : إنما صاحبه من دخل معه الجنة. قالا :
جئنا من عند أبي الدرادء ، قال : فأين هديته ؟ قالا : ما معنا هدية. قال :
اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية ، قالا : لا
ترفع علينا هذا ، إن لنا أموالا فاحتكم ، قال : ما أريد إلا الهدية ، قالا :
والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال : إن فيكم رجلاً كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغ غيره ، فإذا أتيتماه ، فأقرئاه مني
السلام.
قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل منها ؟
- عن طارق بن شهاب عن سلمان قال : إذا كان الليل ، كان الناس منه على ثلاث
منازل : فمنهم من وله ولا عليه ، ومنهم من عليه ولا له ، ومنهم من لا عليه
ولا له ! فقلت : وكيف ذاك ؟ قال : أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة
الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى ، فذاك له ولا عليه ، ورجل اغتنم غفلة الناس
وظلمة الليل فمشى في معاصي الله ، فذاك عليه ولا له ، ورجل نام حتى أصبح ،
فذاك لا له ولا عليه.
- قال طارق : فقلت : لأصحبن هذا. فضرب على الناس بعث ، فخرج فيهم ، فصحبته
وكنت لا أفضله في عمل ، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ ، فنزلنا منزلاً
فبتنا فيه ، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها ، فكنت أتيقظ لها فأجده
نائماً ، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع : سبحان الله ،
والحمدلله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك
له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير. حتى إذا كان قبيل الصبح
قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات. فلما صلينا الفجر قلت : يا أبا عبدالله !
كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً ، قال : يا ابن
أخي ! فإيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي تلك الصلاة ، إن
الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتلة ، يا ابن أخي عليك
بالقصد فإنه أبلغ.
- عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان ، فقال : لولا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، نهانا عن التكلف ، لتكلفت لكم. فجاءنا بخبز
وملح. فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر. فبعث سلمان بمطهرته ، فرهنها
فجاء بصعتر ، فلما أكلنا ، قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ،
فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة.
- عن أنس قال : دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت ، فبكى فقيل له :
ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم نحفظه.
قال : (( ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب)). وأما أنت يا سعد فاتق
الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذا هممت.
قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهم نفيقة كانت عنده.
- مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن.
- قال العباس بن يزيد البحراني : يقول أهل العلم : عاش سلمان ثلاث مئة وخمسين سنة ، فأما مئتان وخمسون ، فلا يشكون فيه.
ومجموع أمره وأحواله ، وغزوه ، وهمته ، وتصرفه ، وسفه للجريد ، وأشياء مما
تقدم ينبئ ، بأنه ليس بمعمر ولا هرم. فقد فارق وطنه وهو حدث ، ولعله قدم
الحجاز وله أربعون سنة أو أقل ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه
وسلم ، ثم هاجر ، فلعله عاش بضعاً وسبعين سنة. وما أراه بلغ المئة. فمن
كان عنده علم ، فليفدنا. وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره. وما
علمت في ذلك شيئاً يركن إليه.
- عن ثابت البناني قال : لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده ، فقدم ،
فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس ، وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا
تذكر صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة. قال :
والله ما يبكيني واحدة من اثنتين : ما أبكى حباً بالدنيا ولا كراهية للقاء
الله. قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال : يبكيني أن خليلي عهد إلي
عهداً قال : (( وليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب )) وإنا خشينا أنا
قد تعدينا. رواه بعضهم عن ثابت ، فقال : عن أبي عثمان ، وإرساله أشبه ،
قاله أبو حاتم ، وهذا يوضح ذلك أنه من أبناء الثمانين.
- قال الذهبي : وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مئتين وخمسين سنة ، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه.
=
نزهة الفضلاء 1/86
- قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : وهو سلمان ابن الإسلام ، أبو عبدالله
الفارسي ، سابق الفرس إلى الاسلام ، صحب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخدمه
وحدث عنه.
- وكان لبيباً حازماً ، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم.
- عن عروة بن رويم ، عن القاسم أبي عبدالرحمن حدثه قال : زارنا سلمان
الفارسي فصلى الإمام الظهر ، ثم خرج وخرج الناس ، يتلقونه كما يتلقى
الخليفة ، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر ، وهو يمشي ، فوقفنا نسلم عليه ،
فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به ، فقال : جعلت على نفسي مرتي
هذه أن أنزل على بشير بن سعد. فلما قدم ، سأل عن أبي الدرداء ، فقالوا : هو
مرابط ، فقال : أين مرابطكم ؟ قالوا : بيروت ، فتوجه قبله ، قال : فقال
سلمان : يا أهل بيروت : ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم عرض الرباط،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (رباط يوم وليلة كصيام شهر
وقيامه ، ومن مات مرابطاً أجير من قتنة القبر ، وجرى له صالح عمله إلى يوم
القيامة).
- عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلاً فارسياً من أهل
أصبهان ، من أهل قرية منها يقال لها : جيّ ، وكان أبي دهقانها. وكنت أحب
خلق الله إليه ، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسنى في بيته كما تحبس الجارية ،
فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.
وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوماً ، فقال لي : يا بني إني
شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب فاطلعها ، وأمرني ببعض ما يريد.
فخرجت ، ثم قال : لا تحتبس علي ، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي
، وشغلتني عن كل شيء من أمري. فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس
النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس
أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم ،و سمعت أصواتهم ، دخلت إليهم أنظر ما
يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبني صلواتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله
خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، وتركت
ضيعة أبي ولم آتها ، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا: بالشام.
قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال
: أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبة مررت بناس
يصلون في كنسية لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى
غربت الشمس. قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه.
قلت : لا والله إنه لخير من ديننا. قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيداً ،
ثم حبسني في بيته ، قال : وبعثت إلى النصارى فقلت : إذا قدم عليكم ركب من
الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم. فقدم عليهم ركب من الشام. قال :
فأخبروني بهم ، فقلت : إذا قضوا حوائجهم ، وأرادوا الرجعة ، فأخبروني. قال :
ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. فلما
قدمتها ، قلت : من أفضل أهل هذا الدين ، قالوا : الأسقف في الكنيسة. فجئته ،
فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ،
وأتعلم منك ، وأصلي معك. قال : فادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم
بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه منهاشيئاً ، اكتنزه لنفسه ، ولم
يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، فأبغضته بغضاً شديداً لما
رأيته يصنع. ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا
رجل سوء يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها ، فإذا جئتم بها ، كنزها لنفسه ،
ولم يعط المساكين ، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة ، فلما رأوها قالوا :
والله لا ندفنه أبداً.
فصلبوه ثم رموه بالحجارة. ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه ، فما رأيت رجلاً أرى
أنه أفضل منه ، أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلاً
ونهاراً ، ما أعلمني أحببت شيئاً قط قبله حبه ، فلم أزل معه حتى حضرته
الوفاة ، فقلت : يا فلان ! قد حضرك ما ترى من أمر الله ، وإني والله ما
أحببت شيئاً قط حبك ، فماذا تأمرني وإلى من توصني ؟ قال لي : يا بني والله
ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل ، فائته ، فإنك ستجده على مثل حالي.
فلما مات وغيب ، لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها ، فوجدته على مثل حاله من
الاجتهاد والزهد. فقلت له : إن فلاناً أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. قال :
فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة. فقلت له :
إن فلاناً أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟
وما تأمرني به ؟ قال : والله ما أعلم ، أي بني ، إلا رجلاً بنصيبين.
فلما دفناه لحقت بالآخر ، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت ، فأوصى
بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم ، فأتيته فوجدته مثل حالهم ، واكتسبت حتى
كان لي غنيمة وبقيرات.
ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي ؟ قال : أي بني ! والله ما أعلمه بقي أحد
على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم ،
مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل ، وإن فيه علامات لا تخفى ، بين
كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فإن استطعت أن تخلص إلى
تلك البلاد فافعل ، فإنه قد أظلك زمانه.
فلما واريناه ، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب ، فقلت لهم :
تحملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه ؟ قالوا : نعم.
فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ، ظلموني ، فباعوني
عبداً من رجل يهودي بوادي القرى. فوالله لقد رأيت النخل ، وطمعت أن يكون
البلد الذي نعت لي صاحبي.
وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي ،
فخرج بي حتى قدمنا المدينة. فوالله ماهو إلا أن رأيتها ، فعرفت نعتها.
فأقمت في رقي ، وبعث الله نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بمكة لا يذكر لي شيء
من أمره مع ما أنا فيه من الرق ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قباء ، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له ، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له ،
فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون
على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فو الله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العُرَواء – يقول الرعدة – حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ونزلت أقول : ما هذا الخبر ؟
فرفع مولاي يده فكلمني لكمة شديدة ، وقال : مالك ولهذا ، أقبل على عملك. فقلت : لا شيء ، إنما سمعت خبراً ، فأحببت أن أعلمه.
فلما أمسيت ، وكان عندي شيء من طعام ، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وهو بقباء ، فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن معك أصحاباً
لك غرباء ، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد ، فهاك
هذا ، فكل منه.
قال : فأمسك ، وقال لأصحابه : كلوا. فقلت في نفسي : هذه خلة مما وصف لي صاحبي.
ثم رجعت ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجمعت شيئاً
كان عندي ثم جئته به فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية. فأكل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلتان.
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة علي شملتان لي وهو في
أصحابه ، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف. فلما رآني
استدبرته عرف أني أتثبت في شي وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى
الخاتم فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي.
فقال لي : تحول : فتحولت ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. ثم
قال رسول الله : كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة أحييها له
بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
(أعينوا أخاكم) فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية – الودي : صغار
الفسيل- ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، حتى اجتمعت الرجل بثلاثين
ودية ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، حتى اجتمعت ثلاث مئة ودية. فقال
: (اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي )
ففقرت لها وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت منها جئته وأخبرته ، فخرج معي
إليها نقرب له الوديّ ، ويضعه بيده ، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منه
ودية واحدة. فأديت النخل ، وبقي علي المال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال : ((ما فعل الفارسي
المكاتب))؟ فدعيت له ، فقال : ((خذها فأد بها ما عليك)) قلت : وأين تقع هذه
يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك. فأخذتها فوزنت
لهم منها أربعين أوقية ، وأوفيتهم حقهم وعتقت ، فشهدت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، الخندق حراً ، ثم لم يفتني معه مشهد.
- عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر فقالوا :
ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبوبكر تقولون هذا لشيخ
قريش وسيدها ! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال : ((يا أبا
بكر ! لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)) فأتاهم أبوبكر فقال
: يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا يا أبابكر ، يغفر الله لك.
- عن أبي البختري قال : قيل لعلي : أخبرنا عن اًصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم؟ قال : عن أيهم تسألون ؟ قيل : عن عبدالله ، قال : علم القرآن والسنة
ثم انتهى ، وكفى به علماً عجز عنه. قالوا : أبو موسى ؟ قال صبغ في العلم
صبغة ، ثم خرج منه. قالوا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين.
قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ، بحر لا يدرك قعره
، وهو منا أهل البيت. قالوا : فأنت يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت إذا سألت
أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.
- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، تلا هذه الآية : (وإن تتولوا
يستبدل قوماً غيركم). قالوا: يا رسول الله ! من هؤلاء ؟ قال : فضرب على
فخذ سلمان الفارسي ثم قال : (هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله
رجال من الفرس).
- عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبدالله ، فدخلا على
سلمان في خص فسلما وحيياه ، ثم قالا : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال : لا أدري. فارتابا قال : إنما صاحبه من دخل معه الجنة. قالا :
جئنا من عند أبي الدرادء ، قال : فأين هديته ؟ قالا : ما معنا هدية. قال :
اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية ، قالا : لا
ترفع علينا هذا ، إن لنا أموالا فاحتكم ، قال : ما أريد إلا الهدية ، قالا :
والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال : إن فيكم رجلاً كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغ غيره ، فإذا أتيتماه ، فأقرئاه مني
السلام.
قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل منها ؟
- عن طارق بن شهاب عن سلمان قال : إذا كان الليل ، كان الناس منه على ثلاث
منازل : فمنهم من وله ولا عليه ، ومنهم من عليه ولا له ، ومنهم من لا عليه
ولا له ! فقلت : وكيف ذاك ؟ قال : أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة
الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى ، فذاك له ولا عليه ، ورجل اغتنم غفلة الناس
وظلمة الليل فمشى في معاصي الله ، فذاك عليه ولا له ، ورجل نام حتى أصبح ،
فذاك لا له ولا عليه.
- قال طارق : فقلت : لأصحبن هذا. فضرب على الناس بعث ، فخرج فيهم ، فصحبته
وكنت لا أفضله في عمل ، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ ، فنزلنا منزلاً
فبتنا فيه ، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها ، فكنت أتيقظ لها فأجده
نائماً ، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع : سبحان الله ،
والحمدلله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك
له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير. حتى إذا كان قبيل الصبح
قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات. فلما صلينا الفجر قلت : يا أبا عبدالله !
كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً ، قال : يا ابن
أخي ! فإيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي تلك الصلاة ، إن
الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتلة ، يا ابن أخي عليك
بالقصد فإنه أبلغ.
- عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان ، فقال : لولا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، نهانا عن التكلف ، لتكلفت لكم. فجاءنا بخبز
وملح. فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر. فبعث سلمان بمطهرته ، فرهنها
فجاء بصعتر ، فلما أكلنا ، قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ،
فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة.
- عن أنس قال : دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت ، فبكى فقيل له :
ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم نحفظه.
قال : (( ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب)). وأما أنت يا سعد فاتق
الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذا هممت.
قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهم نفيقة كانت عنده.
- مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن.
- قال العباس بن يزيد البحراني : يقول أهل العلم : عاش سلمان ثلاث مئة وخمسين سنة ، فأما مئتان وخمسون ، فلا يشكون فيه.
ومجموع أمره وأحواله ، وغزوه ، وهمته ، وتصرفه ، وسفه للجريد ، وأشياء مما
تقدم ينبئ ، بأنه ليس بمعمر ولا هرم. فقد فارق وطنه وهو حدث ، ولعله قدم
الحجاز وله أربعون سنة أو أقل ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه
وسلم ، ثم هاجر ، فلعله عاش بضعاً وسبعين سنة. وما أراه بلغ المئة. فمن
كان عنده علم ، فليفدنا. وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره. وما
علمت في ذلك شيئاً يركن إليه.
- عن ثابت البناني قال : لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده ، فقدم ،
فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس ، وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا
تذكر صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة. قال :
والله ما يبكيني واحدة من اثنتين : ما أبكى حباً بالدنيا ولا كراهية للقاء
الله. قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال : يبكيني أن خليلي عهد إلي
عهداً قال : (( وليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب )) وإنا خشينا أنا
قد تعدينا. رواه بعضهم عن ثابت ، فقال : عن أبي عثمان ، وإرساله أشبه ،
قاله أبو حاتم ، وهذا يوضح ذلك أنه من أبناء الثمانين.
- قال الذهبي : وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مئتين وخمسين سنة ، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه.
=
نزهة الفضلاء 1/86
الأربعاء 20 نوفمبر 2024, 12:41 pm من طرف عادل محمد عبده
» روضة الأنوار في سيرة النبي المختار كتاب الكتروني رائع
الأحد 03 نوفمبر 2024, 8:56 pm من طرف عادل محمد عبده
» خلاصة الجامع في أحكام صفة الصلاة كتاب الكتروني رائع
السبت 12 أكتوبر 2024, 9:44 pm من طرف عادل محمد عبده
» تلبيس إبليس كتاب الكتروني رائع
الجمعة 20 سبتمبر 2024, 7:56 pm من طرف عادل محمد عبده
» التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها كتاب الكتروني رائع
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 10:37 pm من طرف عادل محمد عبده
» الموسوعة العربية العالمية
السبت 17 أغسطس 2024, 12:09 pm من طرف mostafaa
» شكرا
السبت 17 أغسطس 2024, 12:07 pm من طرف mostafaa
» تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال كتاب الكتروني رائع
الأربعاء 14 أغسطس 2024, 7:09 pm من طرف عادل محمد عبده
» موسوعة الفقه الإسلامي 5 كتاب الكتروني رائع
الجمعة 26 يوليو 2024, 5:40 pm من طرف عادل محمد عبده
» موسوعة الفقه الإسلامي 4 كتاب الكتروني رائع
الخميس 11 يوليو 2024, 5:18 pm من طرف عادل محمد عبده