الإمام النّووي
الإخلاص
هو صاحب أشهر ثلاثة كتب يكاد لا يخلو منها بيت مسلم وهي ' الأربعين النووية
' و'الأذكار' و 'رياض الصالحين'، وبالرغم من قلة صفحات هذه الكتب وقلة ما
بذل فيها من جهد في الجمع والتأليف إلا أنها لاقت هذا الانتشار والقبول
الكبيرين بين الناس، وقد عزى كثير من العلماء ذلك، إلى إخلاص النووي رحمه
الله، فرب عمل صغير تكبره النية.
فمع سيرة الإمام النووي ومواقف من حياته.
--------------------------------------------------------------------------------
نسَبُه ومَوْلده
هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي
بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزَام، النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية
من قرى حَوْران في سورية، ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذاهب وكبير الفقهاء
في زمانه.
ولد النووي رحمه اللّه تعالى في المحرم 631 هـ في قرية نوى من أبوين
صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض
أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي،
فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم ويقرأ
القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له.
وفي سنة 649 هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة
دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي من جهة
الشرق.
وفي عام 651 هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق.
--------------------------------------------------------------------------------
أخلاقُهُ وَصفَاتُه
أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع،
وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويطيب
لنا في هذه العجالة عن حياة النووي أن نتوقف قليلاً مع هذه الصفات المهمة
في حياته:
--------------------------------------------------------------------------------
الزهد
تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة
العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. والذي يلفت النظر أنه انتقل من بيئة بسيطة
إلى دمشق حيث الخيرات والنعيم، وكان في سن الشباب حيث قوة الغرائز، ومع
ذلك فقد أعرض عن جميع المتع والشهوات وبالغ في التقشف وشظف العيش.
--------------------------------------------------------------------------------
الورع
وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، منها أنه كان لا يأكل من فواكه
دمشق، ولما سُئل عن سبب ذلك قال: إنها كثيرة الأوقاف، والأملاك لمن تحت
الحجر شرعاً، ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة،
والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها اختلاف بين العلماء.ومن جوَّزَها
قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا
على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي؟. واختار النزول في
المدرسة الرواحيّة على غيرها من المدارس لأنها كانت من بناء بعض التجّار.
وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلساً، بل كان يجمعُها عند ناظر
المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكاً ووقفه على دار الحديث، أو
اشترى كتباً فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئاً. وكان لا
يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً إلا إذا كانت به حاجة إلى شيء وجاءه ممّن
تحقق دينه. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه
القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته
التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك
شيئاً.
--------------------------------------------------------------------------------
مُناصحَتُه الحُكّام
لقد توفرت في النووي صفات العالم الناصح الذي يُجاهد في سبيل اللّه بلسانه،
ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مخلصٌ في مناصحته وليس
له أيّ غرض خاص أو مصلحة شخصية، وشجاعٌ لا يخشى في اللَّه لومة لائم، وكان
يملك البيان والحجة لتأييد دعواه.
وكان الناسُ يرجعون إليه في الملمّات والخطوب ويستفتونه، فكان يُقبل عليهم
ويسعى لحلّ مشكلاتهم، كما في قضية الحوطة على بساتين الشام:
لما ورد دمشقَ من مصرَ السلطانُ الملكُ الظاهرُ بيبرسُ بعد قتال التتار
وإجلائهم عن البلاد، زعم له وكيل بيت المال أن كثيراً من بساتين الشام من
أملاك الدولة، فأمر الملك بالحوطة عليها، أي بحجزها وتكليف واضعي اليد على
شيءٍ منها إثبات ملكيته وإبراز وثائقه، فلجأ الناس إلى الشيخ في دار
الحديث، فكتب إلى الملك كتاباً جاء فيه 'وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة
على أملاكهم أنواعٌ من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثباتٌ لا
يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحلّ عند أحد من علماء المسلمين، بل مَن في يده شيء
فهو ملكه لا يحلّ الاعتراض عليه ولايُكلَّفُ إثباته' فغضب السلطان من هذه
الجرأة عليه وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: إنه ليس للشيخ
راتب وليس له منصب. لما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفِدْ، مشى بنفسه إليه
وقابله وكلَّمه كلاماً شديداً، وأراد السلطان أن يبطشَ به فصرف اللَّه
قلبَه عن ذلك وحمى الشيخَ منه، وأبطلَ السلطانُ أمرَ الحوطة وخلَّصَ اللَّه
الناس من شرّها.
--------------------------------------------------------------------------------
حَيَاته العلميّة
تميزت حياةُ النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور: الأول: الجدّ
في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه، وقد أخذ العلم منه كلَّ
مأخذ، وأصبح يجد فيه لذة لا تعدِلُها لذة، وقد كان جادّاً في القراءة
والحفظ، وقد حفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب
في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي
إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته. ثم درَّسَ
بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى
جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه
علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلََّ يوم اثني
عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في
المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في
اللمع لابن جنّي في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة،
ودرساً في الصرف، ودرساً في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة
في المنتخب للفخر الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين،
وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
الثالث: غزارة إنتاجه، اعتنى بالتأليف وبدأه عام 660 هـ، وكان قد بلغ
الثلاثين من عمره، وقد بارك اللّه له في وقته وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في
كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةُ العبارة، وسطوعَ الدليل،
ووضوحَ الأفكار، والإِنصافَ في عرض آراء الفقهاء، وما زالت مؤلفاته حتى
الآن تحظى باهتمام كل مسلم، والانتفاع بها في سائر البلاد. ويذكر الإِسنوي
تعليلاً لطيفاً ومعقولاً لغزارة إنتاجه فيقول: اعلم أن الشيخ محيي الدين
رحمه اللّه لمّا تأهل للنظر والتحصيل، رأى أن من المسارعة إلى الخير؛ أن
جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً،
وتحصيله تصنيفاً، وهو غرض صحيح وقصد جميل، ولولا ذلك لما تيسر له من
التصانيف ما تيسر له'.
--------------------------------------------------------------------------------
ومن أهم كتبه
'شرح صحيح مسلم' و'المجموع' شرح المهذب، و'رياض الصالحين' و'تهذيب الأسماء
واللغات'، والروضة روضة الطالبين وعمدة المفتين'، و'المنهاج في الفقه'
و'الأربعين النووية' و'التبيان في آداب حَمَلة القرآن' و'الأذكار 'حلية
الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل
والنهار'، و'الإِيضاح' في المناسك.
--------------------------------------------------------------------------------
شيوخه
من شيوخه في الفقه:
عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تاج الدين، عُرف بالفِرْكاح، توفي
سنة 690 هـ. 3. إسحاق بن أحمد المغربي، الكمال أبو إبراهيم، محدّث المدرسة
الرواحيّة، توفي سنة 650 هـ. 4. عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن
موسى المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، مفتي دمشق، توفي سنة 654 هـ. 5. سلاَّر
بن الحسن الإِربلي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي، إمام المذهب الشافعي في عصره،
توفي سنة 670 هـ.
ومن شيوخه في الحديث:
إبراهيم بن عيسى المرادي، الأندلسي، ثم المصري، ثم الدمشقي، الإِمام
الحافظ، توفي سنة 668 هـ. 2. خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، أبو البقاء،
زين الدين، الإِمام المفيد المحدّث الحافظ، توفي سنة 663 هـ. 3. عبد العزيز
بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري، الحموي، الشافعي، شيخ الشيوخ، توفي سنة
662 هـ. 4. عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسي،
أبو الفرج، من أئمة الحديث في عصره، توفي سنة 682 هـ. 5. عبد الكريم بن
عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أبو الفضائل، عماد الدين، قاضي القضاة، وخطيب
دمشق. توفي سنة 662 هـ. 6. إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليُسْر
التنوخي، أبو محمد تقي الدين، كبير المحدّثين ومسندهم، توفي سنة 672 هـ. 7.
عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري، ثم الدمشقي الحنبلي، المفتي، جمال
الدين. توفي سنة 661 هـ. 8. ومنهم: الرضي بن البرهان، وزين الدين أبو
العباس بن عبد الدائم المقدسي، وجمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح
الصيرفي الحرّاني، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد البكري الحافظ، والضياء
بن تمام الحنفي، وشمس الدين بن أبي عمرو، وغيرهم من هذه الطبقة.
ومن شيوخه في علم الأصول
أما علم الأصول، فقرأه على جماعة، أشهرهم: عمر بن بندار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي، أبو الفتح. توفي سنة 672 هـ.
شيوخه في النحو واللغة
وأما في النحو واللغة، فقرأه على: الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي
اللغوي، أبي العباس، توفي سنة 664 هـ.والفخر المالكي.والشيخ أحمد بن سالم
المصري.
--------------------------------------------------------------------------------
مسموعاته
سمع النسائي، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، والدارمي،
وأبي عوانة الإِسفراييني، وأبي يعلى الموصلي، وسنن ابن ماجه، والدارقطني،
والبيهقي، وشرح السنّة للبغوي، ومعالم التنزيل له في التفسير، وكتاب
الأنساب للزبير بن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم
والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب البغدادي، وأجزاء
كثيرة غير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
تلاميذه
وكان ممّن أخذ عنه العلم: علاء الدين بن العطار، وشمس الدين بن النقيب،
وشمس الدين بن جَعْوان، وشمس الدين بن القمَّاح، والحافظ جمال الدين المزي،
وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ورشيد الدين الحنفي، وأبو العباس أحمد
بن فَرْح الإِشبيلي، وخلائق.
--------------------------------------------------------------------------------
وَفَاته
وفي سنة 676 هـ رجع إلى نوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار
مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار
والده زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 رجب.
ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون
أسفاً شديداً، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من
أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة، منهم محمد بن أحمد بن
عمر الحنفي الإِربلي، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين
بيتاً:
عزَّ العزاءُ وعمَّ الحــادث الجلــل *** وخاب بالموت في تعميرك الأمل
واستوحشت بعدما كنت الأنيـس لهـا *** وساءَها فقدك الأسحارُ والأصـلُ
وكنت للدين نوراً يُستضاء به مسـدَّد *** منـك فيــه القولُ والعمــلُ
زهدتَ في هــذه الدنيا وزخرفـها *** عزماً وحزماً ومضروب بك المثل
أعرضت عنها احتقاراً غير محتفل *** وأنت بالسعـي في أخـراك محتفل
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب
العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من العلم، لا زال العالم الإسلامي يذكره بخير،
ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
رحم اللّه الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم اللّه عليهم من
النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجمعنا به تحت
لواء سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ـــــــــــــــ
(1) مستقاة بتصرف من مقدمة كتاب الأذكار والمصادر التالية:
) طبقات السبكي 8/395ـ 400، وتذكرة الحفاظ 4/1470 ـ 1474، والبداية
والنهاية 13/278، ومعجم المؤلفين 13/202، و'الاهتمام بترجمة الإِمام النووي
شيخ الإِسلام للسخاوي، والنووي؛ للشيخ علي الطنطاوي والإِمام النووي للشيخ
عبد الغني الدقر. والمنهاج السوي في ترجمة محيي الدين النووي للسيوطي.
طبعة دار التراث الأولى 1409 هـ تحقيق: د. محمد العيد الخطراوي.
الحسن البصري
التابعى الجليل
وصف بأنه من كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع كل فن من علم وزهد وورع
وعبادة ومن القلائل الذين أجرى الله الحكمة على ألسنتهم فكان كلامه حكمة
وبلاغة إنه التابعي الجليل الحسن البصري.
--------------------------------------------------------------------------------
نسبه ونشأته
هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، ولد الحسن في أواخر خلافة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي
الله عنه وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي وكانت أمه ربما غابت في حاجة
فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر
عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.
ونشأ الحسن بوادي القرى وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث.
وحكى الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا. وقال
أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج ابن يوسف
الثقفي فقيل له فأيهما كان أفصح قال الحسن.
--------------------------------------------------------------------------------
مواقف من حياته
كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ
أترضى نفسك للموت قال لا قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال لا قال
فثم دار للعمل غير هذه الدار قال لا قال فعملك للحساب قال لا قال فلم تشغل
الناس عن طواف البيت قال: فما قص الحسن بعدها.
***
وقيل إن رجلا أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في
النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها فقال له قد كان الحجاج فاجرا
فاسقا وما أدري ما أقول لك إن رحمة الله وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن
سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن
عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر
ذلك.
***
وكان في جنازة وفيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال له الحسن يا أخي إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا أسرع ذلك في دينك
****
وقيل له ألا ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.
****
ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا مثله.
***
وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت فقد نالتك موعظته وقامت عليك حجته.
***
وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك لا تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف ألا
أؤدي شكره قال الحسن يا لكع هل تقدر تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.
***
وقيل للحسن إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا
***
ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام
يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة
ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ عليهم
الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي
بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا
فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد
ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله
وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك
ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا
السلطان ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله
فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن
فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
--------------------------------------------------------------------------------
من كلماته
ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت.
ورأى الحسن يوما رجلا وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك
ويحبونه فقال لله أبوه ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا.
--------------------------------------------------------------------------------
وفاته
وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة رضي الله عنه وكانت جنازته مشهودة
قال حميد الطويل توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره
وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم
تقم صلاة العصر بالجامع ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ
لأنهم تبعوا كلهم الجنازة حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر وأغمي على
الحسن عند موته ثم أفاق فقال لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.
وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد
فقال إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إلا قليلا حتى مات الحسن.
ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما ثم توفي بعده بمائة يوم.
الإخلاص
هو صاحب أشهر ثلاثة كتب يكاد لا يخلو منها بيت مسلم وهي ' الأربعين النووية
' و'الأذكار' و 'رياض الصالحين'، وبالرغم من قلة صفحات هذه الكتب وقلة ما
بذل فيها من جهد في الجمع والتأليف إلا أنها لاقت هذا الانتشار والقبول
الكبيرين بين الناس، وقد عزى كثير من العلماء ذلك، إلى إخلاص النووي رحمه
الله، فرب عمل صغير تكبره النية.
فمع سيرة الإمام النووي ومواقف من حياته.
--------------------------------------------------------------------------------
نسَبُه ومَوْلده
هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي
بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزَام، النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية
من قرى حَوْران في سورية، ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذاهب وكبير الفقهاء
في زمانه.
ولد النووي رحمه اللّه تعالى في المحرم 631 هـ في قرية نوى من أبوين
صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض
أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي،
فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم ويقرأ
القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له.
وفي سنة 649 هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة
دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي من جهة
الشرق.
وفي عام 651 هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق.
--------------------------------------------------------------------------------
أخلاقُهُ وَصفَاتُه
أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع،
وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويطيب
لنا في هذه العجالة عن حياة النووي أن نتوقف قليلاً مع هذه الصفات المهمة
في حياته:
--------------------------------------------------------------------------------
الزهد
تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة
العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. والذي يلفت النظر أنه انتقل من بيئة بسيطة
إلى دمشق حيث الخيرات والنعيم، وكان في سن الشباب حيث قوة الغرائز، ومع
ذلك فقد أعرض عن جميع المتع والشهوات وبالغ في التقشف وشظف العيش.
--------------------------------------------------------------------------------
الورع
وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، منها أنه كان لا يأكل من فواكه
دمشق، ولما سُئل عن سبب ذلك قال: إنها كثيرة الأوقاف، والأملاك لمن تحت
الحجر شرعاً، ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة،
والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها اختلاف بين العلماء.ومن جوَّزَها
قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا
على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي؟. واختار النزول في
المدرسة الرواحيّة على غيرها من المدارس لأنها كانت من بناء بعض التجّار.
وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلساً، بل كان يجمعُها عند ناظر
المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكاً ووقفه على دار الحديث، أو
اشترى كتباً فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئاً. وكان لا
يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً إلا إذا كانت به حاجة إلى شيء وجاءه ممّن
تحقق دينه. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه
القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته
التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك
شيئاً.
--------------------------------------------------------------------------------
مُناصحَتُه الحُكّام
لقد توفرت في النووي صفات العالم الناصح الذي يُجاهد في سبيل اللّه بلسانه،
ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مخلصٌ في مناصحته وليس
له أيّ غرض خاص أو مصلحة شخصية، وشجاعٌ لا يخشى في اللَّه لومة لائم، وكان
يملك البيان والحجة لتأييد دعواه.
وكان الناسُ يرجعون إليه في الملمّات والخطوب ويستفتونه، فكان يُقبل عليهم
ويسعى لحلّ مشكلاتهم، كما في قضية الحوطة على بساتين الشام:
لما ورد دمشقَ من مصرَ السلطانُ الملكُ الظاهرُ بيبرسُ بعد قتال التتار
وإجلائهم عن البلاد، زعم له وكيل بيت المال أن كثيراً من بساتين الشام من
أملاك الدولة، فأمر الملك بالحوطة عليها، أي بحجزها وتكليف واضعي اليد على
شيءٍ منها إثبات ملكيته وإبراز وثائقه، فلجأ الناس إلى الشيخ في دار
الحديث، فكتب إلى الملك كتاباً جاء فيه 'وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة
على أملاكهم أنواعٌ من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثباتٌ لا
يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحلّ عند أحد من علماء المسلمين، بل مَن في يده شيء
فهو ملكه لا يحلّ الاعتراض عليه ولايُكلَّفُ إثباته' فغضب السلطان من هذه
الجرأة عليه وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: إنه ليس للشيخ
راتب وليس له منصب. لما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفِدْ، مشى بنفسه إليه
وقابله وكلَّمه كلاماً شديداً، وأراد السلطان أن يبطشَ به فصرف اللَّه
قلبَه عن ذلك وحمى الشيخَ منه، وأبطلَ السلطانُ أمرَ الحوطة وخلَّصَ اللَّه
الناس من شرّها.
--------------------------------------------------------------------------------
حَيَاته العلميّة
تميزت حياةُ النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور: الأول: الجدّ
في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه، وقد أخذ العلم منه كلَّ
مأخذ، وأصبح يجد فيه لذة لا تعدِلُها لذة، وقد كان جادّاً في القراءة
والحفظ، وقد حفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب
في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي
إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته. ثم درَّسَ
بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى
جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه
علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلََّ يوم اثني
عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في
المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في
اللمع لابن جنّي في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة،
ودرساً في الصرف، ودرساً في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة
في المنتخب للفخر الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين،
وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
الثالث: غزارة إنتاجه، اعتنى بالتأليف وبدأه عام 660 هـ، وكان قد بلغ
الثلاثين من عمره، وقد بارك اللّه له في وقته وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في
كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةُ العبارة، وسطوعَ الدليل،
ووضوحَ الأفكار، والإِنصافَ في عرض آراء الفقهاء، وما زالت مؤلفاته حتى
الآن تحظى باهتمام كل مسلم، والانتفاع بها في سائر البلاد. ويذكر الإِسنوي
تعليلاً لطيفاً ومعقولاً لغزارة إنتاجه فيقول: اعلم أن الشيخ محيي الدين
رحمه اللّه لمّا تأهل للنظر والتحصيل، رأى أن من المسارعة إلى الخير؛ أن
جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً،
وتحصيله تصنيفاً، وهو غرض صحيح وقصد جميل، ولولا ذلك لما تيسر له من
التصانيف ما تيسر له'.
--------------------------------------------------------------------------------
ومن أهم كتبه
'شرح صحيح مسلم' و'المجموع' شرح المهذب، و'رياض الصالحين' و'تهذيب الأسماء
واللغات'، والروضة روضة الطالبين وعمدة المفتين'، و'المنهاج في الفقه'
و'الأربعين النووية' و'التبيان في آداب حَمَلة القرآن' و'الأذكار 'حلية
الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل
والنهار'، و'الإِيضاح' في المناسك.
--------------------------------------------------------------------------------
شيوخه
من شيوخه في الفقه:
عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تاج الدين، عُرف بالفِرْكاح، توفي
سنة 690 هـ. 3. إسحاق بن أحمد المغربي، الكمال أبو إبراهيم، محدّث المدرسة
الرواحيّة، توفي سنة 650 هـ. 4. عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن
موسى المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، مفتي دمشق، توفي سنة 654 هـ. 5. سلاَّر
بن الحسن الإِربلي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي، إمام المذهب الشافعي في عصره،
توفي سنة 670 هـ.
ومن شيوخه في الحديث:
إبراهيم بن عيسى المرادي، الأندلسي، ثم المصري، ثم الدمشقي، الإِمام
الحافظ، توفي سنة 668 هـ. 2. خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، أبو البقاء،
زين الدين، الإِمام المفيد المحدّث الحافظ، توفي سنة 663 هـ. 3. عبد العزيز
بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري، الحموي، الشافعي، شيخ الشيوخ، توفي سنة
662 هـ. 4. عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسي،
أبو الفرج، من أئمة الحديث في عصره، توفي سنة 682 هـ. 5. عبد الكريم بن
عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أبو الفضائل، عماد الدين، قاضي القضاة، وخطيب
دمشق. توفي سنة 662 هـ. 6. إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليُسْر
التنوخي، أبو محمد تقي الدين، كبير المحدّثين ومسندهم، توفي سنة 672 هـ. 7.
عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري، ثم الدمشقي الحنبلي، المفتي، جمال
الدين. توفي سنة 661 هـ. 8. ومنهم: الرضي بن البرهان، وزين الدين أبو
العباس بن عبد الدائم المقدسي، وجمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح
الصيرفي الحرّاني، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد البكري الحافظ، والضياء
بن تمام الحنفي، وشمس الدين بن أبي عمرو، وغيرهم من هذه الطبقة.
ومن شيوخه في علم الأصول
أما علم الأصول، فقرأه على جماعة، أشهرهم: عمر بن بندار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي، أبو الفتح. توفي سنة 672 هـ.
شيوخه في النحو واللغة
وأما في النحو واللغة، فقرأه على: الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي
اللغوي، أبي العباس، توفي سنة 664 هـ.والفخر المالكي.والشيخ أحمد بن سالم
المصري.
--------------------------------------------------------------------------------
مسموعاته
سمع النسائي، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، والدارمي،
وأبي عوانة الإِسفراييني، وأبي يعلى الموصلي، وسنن ابن ماجه، والدارقطني،
والبيهقي، وشرح السنّة للبغوي، ومعالم التنزيل له في التفسير، وكتاب
الأنساب للزبير بن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم
والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب البغدادي، وأجزاء
كثيرة غير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
تلاميذه
وكان ممّن أخذ عنه العلم: علاء الدين بن العطار، وشمس الدين بن النقيب،
وشمس الدين بن جَعْوان، وشمس الدين بن القمَّاح، والحافظ جمال الدين المزي،
وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ورشيد الدين الحنفي، وأبو العباس أحمد
بن فَرْح الإِشبيلي، وخلائق.
--------------------------------------------------------------------------------
وَفَاته
وفي سنة 676 هـ رجع إلى نوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار
مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار
والده زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 رجب.
ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون
أسفاً شديداً، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من
أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة، منهم محمد بن أحمد بن
عمر الحنفي الإِربلي، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين
بيتاً:
عزَّ العزاءُ وعمَّ الحــادث الجلــل *** وخاب بالموت في تعميرك الأمل
واستوحشت بعدما كنت الأنيـس لهـا *** وساءَها فقدك الأسحارُ والأصـلُ
وكنت للدين نوراً يُستضاء به مسـدَّد *** منـك فيــه القولُ والعمــلُ
زهدتَ في هــذه الدنيا وزخرفـها *** عزماً وحزماً ومضروب بك المثل
أعرضت عنها احتقاراً غير محتفل *** وأنت بالسعـي في أخـراك محتفل
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب
العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من العلم، لا زال العالم الإسلامي يذكره بخير،
ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
رحم اللّه الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم اللّه عليهم من
النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجمعنا به تحت
لواء سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ـــــــــــــــ
(1) مستقاة بتصرف من مقدمة كتاب الأذكار والمصادر التالية:
) طبقات السبكي 8/395ـ 400، وتذكرة الحفاظ 4/1470 ـ 1474، والبداية
والنهاية 13/278، ومعجم المؤلفين 13/202، و'الاهتمام بترجمة الإِمام النووي
شيخ الإِسلام للسخاوي، والنووي؛ للشيخ علي الطنطاوي والإِمام النووي للشيخ
عبد الغني الدقر. والمنهاج السوي في ترجمة محيي الدين النووي للسيوطي.
طبعة دار التراث الأولى 1409 هـ تحقيق: د. محمد العيد الخطراوي.
الحسن البصري
التابعى الجليل
وصف بأنه من كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع كل فن من علم وزهد وورع
وعبادة ومن القلائل الذين أجرى الله الحكمة على ألسنتهم فكان كلامه حكمة
وبلاغة إنه التابعي الجليل الحسن البصري.
--------------------------------------------------------------------------------
نسبه ونشأته
هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، ولد الحسن في أواخر خلافة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي
الله عنه وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي وكانت أمه ربما غابت في حاجة
فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر
عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.
ونشأ الحسن بوادي القرى وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث.
وحكى الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا. وقال
أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج ابن يوسف
الثقفي فقيل له فأيهما كان أفصح قال الحسن.
--------------------------------------------------------------------------------
مواقف من حياته
كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ
أترضى نفسك للموت قال لا قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال لا قال
فثم دار للعمل غير هذه الدار قال لا قال فعملك للحساب قال لا قال فلم تشغل
الناس عن طواف البيت قال: فما قص الحسن بعدها.
***
وقيل إن رجلا أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في
النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها فقال له قد كان الحجاج فاجرا
فاسقا وما أدري ما أقول لك إن رحمة الله وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن
سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن
عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر
ذلك.
***
وكان في جنازة وفيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال له الحسن يا أخي إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا أسرع ذلك في دينك
****
وقيل له ألا ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.
****
ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا مثله.
***
وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت فقد نالتك موعظته وقامت عليك حجته.
***
وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك لا تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف ألا
أؤدي شكره قال الحسن يا لكع هل تقدر تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.
***
وقيل للحسن إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا
***
ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام
يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة
ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ عليهم
الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي
بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا
فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد
ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله
وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك
ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا
السلطان ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله
فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن
فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
--------------------------------------------------------------------------------
من كلماته
ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت.
ورأى الحسن يوما رجلا وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك
ويحبونه فقال لله أبوه ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا.
--------------------------------------------------------------------------------
وفاته
وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة رضي الله عنه وكانت جنازته مشهودة
قال حميد الطويل توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره
وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم
تقم صلاة العصر بالجامع ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ
لأنهم تبعوا كلهم الجنازة حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر وأغمي على
الحسن عند موته ثم أفاق فقال لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.
وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد
فقال إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إلا قليلا حتى مات الحسن.
ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما ثم توفي بعده بمائة يوم.
الأربعاء 20 نوفمبر 2024, 12:41 pm من طرف عادل محمد عبده
» روضة الأنوار في سيرة النبي المختار كتاب الكتروني رائع
الأحد 03 نوفمبر 2024, 8:56 pm من طرف عادل محمد عبده
» خلاصة الجامع في أحكام صفة الصلاة كتاب الكتروني رائع
السبت 12 أكتوبر 2024, 9:44 pm من طرف عادل محمد عبده
» تلبيس إبليس كتاب الكتروني رائع
الجمعة 20 سبتمبر 2024, 7:56 pm من طرف عادل محمد عبده
» التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها كتاب الكتروني رائع
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 10:37 pm من طرف عادل محمد عبده
» الموسوعة العربية العالمية
السبت 17 أغسطس 2024, 12:09 pm من طرف mostafaa
» شكرا
السبت 17 أغسطس 2024, 12:07 pm من طرف mostafaa
» تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال كتاب الكتروني رائع
الأربعاء 14 أغسطس 2024, 7:09 pm من طرف عادل محمد عبده
» موسوعة الفقه الإسلامي 5 كتاب الكتروني رائع
الجمعة 26 يوليو 2024, 5:40 pm من طرف عادل محمد عبده
» موسوعة الفقه الإسلامي 4 كتاب الكتروني رائع
الخميس 11 يوليو 2024, 5:18 pm من طرف عادل محمد عبده